إلى صاحبة الجلالة كورونا.. نحن الموقعين أدناه
2020-04-03
سعد العجمي
سعد العجمي

إلى صاحبة المقام الأفخم، وصاحبة المُلك الأعظم، إلى صاحبة الجلالة المعظمة، وصاحبة المجد السليل، إلى حفيدة الفيروسات العظيمات وابنة سارس العظيم، وابنة الفيروس المهاب... ميرس الخالدة، يا من تجاوزت في قوتها وجبروتها أسلافها العظام، يا من سميت كورونا نسبة للتاج، فلا رأس يستحق التيجان كرأسك المرفوع، ولا ثناء لغير صيتك المسموع، فأنت أم التيجان، وحجة الزمان، ومعجزة في كل مكان.

نحن الموقعين أدناه...

نتعهد ونعاهد جلالتك بأننا سنعمل جاهدين مخلصين، منكبين غير متوانين، بالليل وبالنهار، في كل وقت وكل حين، بالجفاف وباليوم المطير، بالبرد وبالقيظ الهَجير، لن توقفنا أمراض ولا جوائح، ولا فقر ولا حوائج، سنعمل بلا هوادة، وبكل قوة وجلادة، على ما يلي:

سننقذ كوكبنا من التلوث، وسنتعاون في كل مكان، للحد من الأبخرة السامة، وكل مصيبة بيئةٍ وطامة، لن توقفنا الرياح والأعاصير، ولن تجرفنا السيول والمطر الغزير، لن تخيفنا الوحوش ولا الهوام، ولن ننحني للعواصف والطوفان، فلقد آلينا على أنفسنا إنقاذ كوكبنا الجميل.

سنتوقف عن حرق الغابات، وقتل الحيوانات وسائر المخلوقات، بما في ذلك الإنسان، فلا حروب بعد اليوم، ولا مصانع للسلاح، سنحولها لمصانع للدواء ومعالجة الغذاء، سنقلب الدبابات سيارات إسعاف، ولن نطلق سوى صواريخ الفضاء التي تساعد على اكتشاف الكواكب والنجوم، وسنعمل أنابيب أجهزة التنفس من فوهات البنادق، والرصاص سنصهره نقوداً للفقراء والمحتاجين.

لن نقتل الحيوانات بعد اليوم من أجل المتعة المريضة، كقتل الفيل الذي يزن أطناناً كي نقتلع نابه لنضعه في قصورنا للتباهي تاركين أطناناً من الفيل جثة هامدة.

سنتوقف عن صيد الضبان وقتل الحيتان، وسنوقف الصيد الجائر والرعي الجائر، وتخريب الزرع وفناء الضرع.

يا صاحبة الجلالة...

سنوقف أبحاث أسلحة الدمار الشامل، ونوقف أبحاث الحروب الجرثومية، سنخصص ميزانيات السلاح لإسعاد الإنسان ورفاهيته في كل مكان، وسنفكك كل أسلحتنا النووية، ونحول مخابئها لمراكز طبية، ومختبرات علمية.

سنتوقف عن الكراهية لبعضنا، نحن ندرك أنك تعلمين أننا قتلنا من بعضنا من بني البشر خلال عام أكثر مما قتلتِ على كوكبنا خلال زيارتك الثقيلة التي استمرت شهوراً أربعة وحسب، ولكننا سنوقف الحروب والاقتتال بيننا، لن نقتل بعضنا بعد اليوم لأننا نختلف لوناً ومعتقداً ولغة وعرقاً، لقد حصلنا للتو على تعهد أممي بوقف بناء إسرائيل للمستوطنات بأراضي الضفة الغربية، وتدويل القدس لتكون قبلة لكل البشر من الأديان كافة ليتعايشوا ويصلوا لربهم كيفما شاؤوا.

وفي منطقتنا العربية، سنوقف الحروب ونفتح السجون للأحرار ونصلح الأشرار، ونحافظ على ثرواتنا الطبيعية، فلا بذخ ولا إسراف بعد اليوم، لقد تعلمنا الدرس:

سنطبخ في بيوتنا ما نحتاجه من طعام، سنوقف ولائم "الهياط" والتباهي اللامتناهي، سنعزز من قيمنا الروحية بالمحبة والتسامح والتعايش.

ولقد حصلنا على تعهد إيراني من حكامها بأن توقف تدخلها في شؤوننا العربية، وتتوقف عن تأجيج الحروب الطائفية، وأن تعيش العصر الحديث وتفكر بالمستقبل، وأن تتخلى عن العيش في الماضي المريض، سنتعايش معها ونبني جسراً عبر مضيق هرمز، وسينتقل البشر عبر الجسر والبضائع والورد.

يا صاحبة الفخامة...

لقد أرسلت روسيا طائرة مساعدات لأميركا، تخيلي جلالتكم! كيف غيّرتِ العالم المتباغض المتباعد حمقاً ومصالح ضيقة، لقد حولتِ أميركا بقدراتها الهائلة إلى متلقٍّ يستجدي العالم لمساعدته، فرئيسها الذي استهان بك، ولم يقدرك حق قدرك، ولم يعرف مقامك السامي، بدأ يدرك جبروت جلالتك وقدراتك الهائلة على اختراق الجبهة الداخلية الأميركية. رحماك يا جلالة التاج الأفخم: لقد قتلتِ أكثر من خمسة آلاف من البشر الأبرياء بأميركا وحدها والأعداد في ازدياد، فما ذنب هؤلاء الذين قتلتِهم انتقاماً من رئيس لا يعرف أبعاد معاداتك وتحديك، وشدة غضبك وانتقامك؟

يا صاحبة الفخامة...

لقد بلغ عدد من أصابتهم سهامك القاتلة مليون إنسان، وبلغ من فتكتِ بهم أكثر من 50 ألفاً، هذه هي الأرقام الرسمية التي استطعنا، نحن الضعفاء من بني البشر، إحصاءها، وهي تتصاعد كل دقيقة.

لقد أنزلت الطائرات، وأغلقت المطارات، وعطلت المرور والسير والقطارات، وأقفلت المحلات، وأوقفت الرزق والتجارات، وألغيت المسابقات والمباريات، فلا مقاهٍ ولا حانات، ولا مطاعم ولا بقالات، لقد شُلّت الأرض بقدومك هيبة وخوفاً وهلعاً منذ أطللت بتاجك على هذه الأرض المنكوبة.

يا صاحبة الجلالة...

لقد عرف الإنسان معنى جديداً للعدالة والمساواة منذ أن حللت على كوكبه التعيس، فلم تفرقي بيننا على أي أساس من أسس التفرقة البشرية، ولقد تواضع البشر، وتراجع الغرور، وتصاعدت المحبة، وولت الغطرسة، وتلاشى الجشع، واختفت الفاشنيستات، ونزل الطغاة عن صهوة الطغيان، وساد الهدوء، وتنقى الهواء، وتنفست الأرض الصعداء.

بالله عليك، يا صاحبة الجلالة، كفى! فكُفّي بلاءك عن بني البشر، فوالله لم يغادرهم الحب يوماً، إنهم يعزفون ألحان الحياة من شرفاتهم في إيطاليا، ويصفقون إجلالاً وإكراماً للأطباء وملائكة الرحمة من أسطح بيوتهم بفرنسا وإسبانيا والكويت.

إن بني البشر لم يهزمهم التطرف والإرهاب، ولا التعصب والإرعاب، ولم يتخلوا عن القيم النبيلة، ولا عن الأعمال الجليلة، لكن صوت التكبُّر ارتفع، ومؤذن الكراهية انتفع، أقول انتفع لكنه ما ساد، ولن يسود بين العباد، ما دام في هذه الأرض من يعزف الألحان، ويغني للطفل والمكان، ويوزع البسمة والحنان، ليرقص بالروض وبالجِنان، ويوزع الخير بالعمل، وينشر الحب بالأمل، ويبشر بالحياة، وبالسعادة والرفاه، وبعالم غير ما عرفتِه وعرفناه.

 يا صاحبة الجلالة، لقد وصلت الرسالة.

التوقيع... بنو البشر.

 

*وزير الأعلام الكويتي السابق



مقالات أخرى للكاتب

  • رفح ورفحاء
  • الرحيل أمتارا!
  • قطارات ومحطات





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي