فوز ترامب والجمهوريين: إنه الاقتصاد!
2024-11-12
عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

 

يدلل الفوز الكبير لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 على أن الاقتصاد يظل عامل الاختيار الأهم لدى الناخبات والناخبين وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع.
لم يفز ترامب بالتصويت الشعبي وبأغلبية أصوات المجمع الانتخابي لأن أغلبية الأمريكيين تريد الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين أو تتماهى مع الاتهامات والتشبيهات العنصرية التي أطلقها هو ونائب الرئيس فانس وبعض القريبين منهما (من قبيل أكل بعض فقراء المهاجرين غير الشرعيين للحيوانات الأليفة للأسر الأمريكية ومن قبيل الإشارة إلى جزيرة بورتوريكو «كجزيرة من القمامة»). بل فاز ترامب لأن أغلبية الأمريكيين يقيمون سلبيا السياسات الاقتصادية لإدارة بايدن-هاريس ويشتكون من ارتفاعات الأسعار التراكمية منذ جائحة كورونا ويرفضون استمرار الديمقراطيين في البيت الأبيض لتجنب تطبيق ذات السياسات في السنوات القادمة.
وفي الطريق إلى صناديق الاقتراع، لم يفكر الأمريكيون من المنتمين للطبقات الفقيرة والطبقات الوسطى في معدلات التضخم التي توالى انخفاضها خلال العامين الماضيين ولا في السياسات الاقتصادية المقترحة من قبل ترامب وفريقه والتي تستند في المجمل إلى تخفيض الضرائب في الداخل وفرض التعريفات الجمركية التصاعدية على الواردات من الخارج، بل حضر في أذهانهم فقط ما ينفقونه على مستلزمات الحياة والدراسة والعمل وما يدفعونه في محطات الوقود وقرروا أن على الديمقراطيين الرحيل.
والدليل على عدم تماهي الأغلبية الأمريكية مع الاتهامات والتشبيهات العنصرية التي ترددت في جنبات حملة ترامب-فانس وعلى عدم تأييد الأغلبية بالضرورة لأمور كالترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين وكوضعهم في معسكرات جماعية على الحدود استعدادا لذلك، هو أن ترامب حصد في 2024 المزيد من أصوات المهاجرين ذوي الأصول اللاتينية ومن أصوات المهاجرين ذوي الأصول العربية والإسلامية وهم في المجمل يصعب تصور تأييدهم للترحيل الجماعي ولإغلاق الحدود.
لم يفز ترامب بالتصويت الشعبي في 2024 على خلاف انتخابات 2016 و2020 لأن بعض الأمريكيات والأمريكيين ينظرون إلى النساء ذات النظرة الدونية التي تشي بها تشريعات تجريم الإجهاض التي يتبناها الجمهوريون ومررتها خلال العامين الماضيين عديد الولايات التي يسيطر على حكمها الحزب الجمهوري ما أن قررت المحكمة الدستورية العليا بأغلبيتها المحافظة إلغاء حكم «روفي- ويد» الذي أسس للحق في الإجهاض. بل جاء فوز ترامب مدفوعا باعتبارات الاقتصاد، وبفقدان الثقة في أداء وسياسات وتوجهات الديمقراطيين في البيت الأبيض وفي مجلس الشيوخ الذي كان لهم أغلبيته قبل الانتخابات، وبالرغبة في تجريب حزمة اقتصادية ومالية مغايرة قد تحسن من أوضاع الطبقات الفقيرة والوسطى التي غازلها ترامب جيدا بحديثه عن التخفيضات الضريبية وعن إعادة توطين الصناعات في الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية عالية على الواردات من الصين ومن أوروبا. لم يفكر هؤلاء الذين صوتوا لمن أصبح الرئيس 47 للولايات المتحدة الأمريكية في الحق في الإجهاض وفي الحقوق الإنجابية قبل أن يسجلوا اختياراتهم في بطاقات الاقتراع، بل ترجموا رغبتهم في سياسات اقتصادية ومالية جديدة

والدليل على ذلك هو أن من بين عدة ولايات حضر فيها مع بطاقات الاقتراع على الرئاسة وعلى جميع مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ استفتاءات شعبية على ضمان الحق في الإجهاض صوتت أغلبيات كبيرة لضمان الحق في الإجهاض، بما في ذلك في ولايات يكتسحها الجمهوريون دوما كولاية ميزوري وفي ولايات يقتسمها الجمهوريون والديمقراطيون كولاية مينسوتا وهي ولايات صوتت بها الأغلبية لترامب وللحق في الإجهاض.

يدلل الفوز الكبير لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 على أن الاقتصاد
يظل عامل الاختيار الأهم لدى الناخبات والناخبين وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع


والدليل على ذلك أيضا أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس التي كان الدفاع عن الحق في الإجهاض والحقوق الإنجابية هو قضية حملتها الرئيسية لم تحصل من بين أصوات النساء، وهن المخاطبات بهذه القضية، من مختلف المجموعات العرقية والعمرية على زيادات مرتفعة مقارنة بالأصوات التي حصدها بايدن في انتخابات 2020، بل تدنت أصواتها بين بعض المجموعات عن بايدن (كالنساء غير الحاصلات على التعليم الجامعي بين المجموعات العرقية البيضاء).
وعلى الرغم من قضية الإجهاض والحقوق الإنجابية، شأنها شأن قضايا الحقوق والحريات الشخصية الأخرى كالتفضيلات الجنسية المثلية والمتحولة، تظل محل انقسام كبير داخل الشعب الأمريكي بين المجموعات المحافظة والمتدينة وبين المجموعات التقدمية والتحررية، إلا أن التصويت في انتخابات 2024 لم يتمحور حولها أبدا لكي يكون اختيار ترامب بمثابة فوز للمحافظين وهزيمة للتقدميين في هذا الصدد. بل استند التصويت، وكما يدلل فوز ترامب وفوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس ونجاح استفتاءات ضمان الحق في الإجهاض التي ترفضها دوائر الحزب الجمهوري، إلى الاقتصاد دون اعتبارات أخرى.
نجح ترامب في انتخابات 2024، ونجح معه الجمهوريون في الحصول على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ وها هم يقتربون من الحصول على الأغلبية في مجلس النواب (بحسابات اليوم، يحتاج الجمهوريون ولهم الآن 214 مقعدا لـ4 مقاعد إضافية للاستحواذ على أغلبية مقاعد مجلس النواب) لأنه روج خلال حملته للعودة إلى البيت الأبيض لعلاقات سببية بين الأوضاع الاقتصادية المتردية وبين الزيادات المطردة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين والإنفاق المتصاعد في الخارج على حروب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط.
لم تقتنع أغلبية الناخبات والناخبين في الولايات المتحدة بمقترحات ترامب المتعلقة بالهجرة غير الشرعية سوى لكونها اقتنعت، عن قراءة موضوعية أو دونها، بكون إغلاق أبوابها يمثل شرطا لتحسين أوضاع المنتمين للطبقات الفقيرة والوسطى الاقتصادية والمعيشية مثلما يمثل التوجه نحو فرض تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات من الصين وأوروبا شرطا لإعادة توطين الصناعات في بلادهم وتمكينهم من الحصول على وظائف مستدامة وجيدة الأجور.
بعيدا عن الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية الذين ساء مجموعات ناخبة كبيرة بينهم (ولاية ميشيغان مثالا) التأييد الأعمى من قبل إدارة بايدن-هاريس للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وكذلك عجز المرشحة هاريس عن تبني موقف مختلف بشأن الحرب وخوفها من مجرد الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحق لبنان في الأمن والاستقرار، بعيدا عنهم وعن الناخبين الشباب المنتمين لليسار فكريا وسياسيا والمناهضين لحرب إسرائيل في غزة والذين لم يصوتوا لا لترامب وعلى الأرجح (لم نعرف بعد) لم تذهب أصواتهم لهاريس، صوتت أغلبية الشعب الأمريكي لترامب بحثا عن سياسة خارجية لا تواصل من جرائها الولايات المتحدة تمويل حروب إسرائيل وكذلك الحرب في أوكرانيا على حساب احتياجات الداخل الأمريكي واستثمارات البنى التحتية والمرافق الأساسية اللازمة فيه وبالخصم من أولوية تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للفقراء ومحدودي الدخل.
هي، إذا، العلاقات السببية بين الاقتصاد من جهة وبين ملفات الهجرة غير الشرعية والسياسة الخارجية من جهة أخرى التي روج لها ترامب وفريقه وجاءت له بتأييد الأغلبية ومن بالتصويت الشعبي وبأغلبية المجمع الانتخابي.
إنه الاقتصاد وتأثيره الحاسم على اختيارات الناخبات والناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما كان الأمر دوما وسيظل أبدا. وما الأمور والملفات الأخرى بتنوعاتها الكثيرة سوى هوامش وحواش على المتن الاقتصادي لاختيار الناس.


*كاتب من مصر
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - القدس العربي -

 



مقالات أخرى للكاتب

  • مصر وجوارها الشرق أوسطي
  • نتنياهو وإعادة احتلال غزة
  • ثنائية الدعم والمماطلة: كيف تدعم واشنطن تل أبيب في حروب الشرق الأوسط






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي