صفقة أم خدعة؟ إسرائيل: لا ثقة بالمستوى السياسي.. وقد يتفكك الائتلاف  
2024-01-27
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

“هذه مثل لوحة فسيفساء من ألف قطعة”، يقول مصدر عسكري. “لا يمكنك أن تملأها إذا لم يعرضوا عليك الصورة لتراها. هذا تشبيه. فما هو المشبه به؟ المشبه به هو صعوبة الجيش في التصدي لإصرار نتنياهو على الامتناع عن البحث في اليوم التالي. فإذا لم تعرف إلى أين تسير، فكل طريق تختاره لن يؤدي بك إلى أي مكان، كما قال هنري كيسنجر.

الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة عادلة. فهي حيوية لأمن إسرائيل والمنطقة، وأمن الغرب في وجه محور الشر. السؤال هو: كيف تخاض، ما هي الأهداف، ما التوقعات، ما هي نقطة النهاية، ما هو الأهم؟

هي تخاض في ظروف خاصة، بعد إخفاق شديد، مع مئات المخطوفين الذين تركوا لمصيرهم، تحت قيادة هي على حد قول أحد أعضاء الكابينت الذي يقول الحقيقة، تكذب على الشعب. كثيرون يفضلون اجتياز الحرب بنوع من الخيال، مع ضباط المعنويات في التلفزيون والمقابلات الصحافية المبتهجة، تحية سلام مع أغنية من خانيونس. ليت هذا هو ما كان عليه الواقع.

الكثير منوط الآن بشخص ما كنت أرغب في أن ألقاه في نفق مظلم، اسمه يحيى السنوار. هذا الأسبوع كان يخيل أنه طرأت مرونة معينة في مواقفه في المفاوضات. كان هناك من قالوا إنه واثق بانتصاره، وهو مستعد للتجاوب معنا؛ وهناك من قالوا بالعكس؛ إنه فزع ومضغوط وبات مستعداً للتجاوب معنا. لا أدعي معرفة ما الذي يمر في رأس السنوار. حتى اليوم فشل الجميع في ذلك، وعلى رأسهم أولئك الذين تعتبر هذه وظيفتهم. لكني أعلم عن موضوع ما في الصفقة بين الطرفين.

إذا كانت صفقة، فستنطوي على خدعة إسرائيلية من طرفنا وعلى خدعة حماسية من طرفهم. لن تقول صراحة إن الحرب انتهت لكنها ستتضمن وقفاً طويلاً للنار، وإذا ما خرقته حماس سيكون صعباً بدء الحرب من جديد؛ هي لن تقول صراحة إن السلطة الفلسطينية ستسيطر على غزة وأن المفاوضات السياسية ستستأنف، لكنها ستفتح الباب لهذه المسيرة؛ ولن تقول صراحة إن حماس ستفقد قدراتها السلطوية في غزة، لكنها ستسعى إلى ذلك. أما في الجانب الإيجابي، فستعيد مخطوفين وتسمح بإعادة إسرائيليين إلى الغلاف وإلى حدود لبنان. ستحصل إسرائيل على سلم لتنزل به من حرب وصلت إلى طريق مسدود.

يميز الجيش بين تفكيك القدرات وتدمير القدرات، مثل ذلك مثل معالجة سيارة، فثمة فرق بين إخراج المحرك وتدميره. في حملة “السور الواقي” مثلاً، فككت قدرات لحماس في الضفة، لكنها لم تدمر. في حرب غزة فكك الجيش الإسرائيلي قدرات حماس، ولكنه لن يدمرها في الحرب الحالية.

هي صفقة ستشق الطريق لصفقة أكبر، تلك التي نضجت بين البيت الأبيض والسعودية والإمارات ومصر. يفترض أن تتلقى إسرائيل في الصفقة تطبيعاً مع السعودية. بل أكثر، مكانة شرف في ائتلاف سني مؤيد لأمريكا. يفترض بها أن تدفع باعتراف متجدد بالمؤسسات الفلسطينية وبحل الدولتين. نتنياهو لا يريد ولن يوافق على هذه الرؤية، وبذلك يرجع بالمسيرة كلها إلى الوراء. لا ائتلاف، لا سعودية، لا إعمار غزة، لا رب بيت في غزة، لا أمريكا. بل حماس في غزة، وحزب الله على الحدود في لبنان، والسكان بلا عودة.

استفز نتنياهو القطريين والمصريين والأمريكيين هذا الأسبوع. ليست زلات لسان، بل مسامير وضعت على الطريق لتعطيل المسيرة. نتنياهو ملك المسامير.

قد تكون هناك صيغة وسطى. لا أحد من المشاركين مبني لحرب دامة، خصوصاً المخطوفين والمخطوفات وعائلاتهم.

تفكيك اللغم

لقد خلقت الحرب عالماً جديداً من الاحتياجات. يتوقع الجيش تغييرات واسعة النطاق في سلم أولويات المجتمع الإسرائيلي. يدور الحديث أساساً عن موضوعين في هذه اللحظة: ميزانية الدفاع الكفيلة بأن تتضاعف حتى 8 في المئة من الناتج القومي الخام؛ وتوسيع وإطالة التجنيد. أحد شروط الخروج من الحرب وجود مكثف للجيش على حدود لبنان، وفي الغلاف، وفي الضفة، وربما أيضاً في حدود مصر والأردن. هذا يعني تمديد الخدمة؛ ما يعني أيام احتياط أكثر بكثير؛ وهذا يعني إعفاءات خدمة أقل. وهذا يعني تجنيد الحريديم. ثمة لغم سياسي أحد لا يعرف كيف يفكر، خصوصاً الائتلاف الحالي.

بعد حرب يوم الغفران، قفزت ميزانية الدفاع إلى ثلث الناتج القومي الخام. من ناحية اقتصاد إسرائيل، شكلت هذه عشر سنوات ضائعة. بعدها فككوا كل شيء ونزلوا إلى دون المطلوب، وإلى سنوات من أزمة سياسية بدون ميزانية. كان ينبغي إيجاد السبيل الذهبي – وهي مهمة شبه متعذرة مع وزير المالي الحالي، في الساحة السياسية القائمة.

هذا مجرد مغلف فحسب. وسيتعين على الإسرائيليين أن يعتادوا على نوع آخر من إحساس الأمن. كانت السنوات الأخيرة جيدة نسبياً. يمكن الجدال إذا كان حزب الله وحماس مردوعين أم أنهما كانا منشغلين بالإعداد للحرب من تحت أنف الجيش الإسرائيلي. المهم أن أحداث 7 أكتوبر غيرت الفرضيات الأساس. يرفض الإسرائيليون أن يعيشوا مع تعاظم قوة محفل إرهابي على الحدود. لم يعد هناك إحساس بالأمن بأثمان زهيدة.

الحروب تتدحرج. حملة “السور الواقي” أيضاً، التي يكثر الناس من الثناء عليها الآن، كانت حدثاً متدحرجاً. لم يخطط الجيش في الحرب الحالية للدخول إلى غرب خانيونس، لكنه تدحرج إلى هناك. أحياناً يدور الحديث عن معلومات استخبارية جديدة؛ وأحياناً يدور عن تدحرج: فالوقوف في المكان يكشف الجنود لخطر المراوحة. أراد الجيش الإسرائيلي التموضع خارج الأرض المأهولة وينطلق إلى اجتياحات مركزة عند الحاجة. ثمة صواريخ ستواصل الانطلاق من غزة، وإن بوتيرة أقل. وسيصاب الجنود أيضاً.

المستوى السياسي لا يُعد الجمهور لمعظم هذه التغييرات: صعب عليه. الاستطلاعات غير جيدة؛ فالائتلاف قد يتفكك. نشأت فجوة توقعات تدفع الكثير من الأجانب، من أصدقاء إسرائيل، أن يسألوا ما الذي حصل لكم، إلى أين تسيرون؟ روى لي ضابط في الجيش بأنه التقى ضباطاً من لواء 551، لواء كوماندو المتقدم بين ألوية الاحتياط. “عندما قاتلنا في غزة، كان كل شيء على ما يرام”، قالوا له. “خرجنا إلى البيت وكل شيء تفكك”.

 

ناحوم برنياع

يديعوت أحرونوت 26/1/2024

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي