بعد 100 يوم: تآكل تدريجي في صفوف الجنود وحرب لم تشهد لها إسرائيل مثيلاً  
2024-01-18
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

بعد أكثر من 100 يوم على القتال ضد حماس، فإن أحد الظواهر التي لا تجد أي اهتمام كاف من الجمهور، تتعلق بعبء ثقيل ومتواصل على أكتاف الجنود. عدد الجنود في بعض الوحدات القتالية الذين تسربوا من الخدمة عقب صعوبات نفسية أو ذهنية، هو أكثر من أو يساوي عدد المصابين في المعارك. الحرب في قطاع غزة مختلفة عن كل ما مر به الجيش الإسرائيلي، رغم أن حماس خصم أضعف من معظم الجيوش المعادية التي حاربتها إسرائيل في مرات سابقة. بمعان كثيرة، الجيش والجنود لم يتعرضوا لعبء مشابه منذ حرب لبنان الأولى في 1982، التي لم تبدأ بصدمة كبيرة بعد فشل وإخفاق كما الحال في الحرب الحالية.

 المواجهة الحالية استثنائية، من حيث عدد المصابين المرتفع نسبياً وطبيعة القتال في منطقة مأهولة ومكتظة، والتي يحدث جزء منها تحت الأرض، والأعمال الفظيعة – بدءاً بقصص القتل والتنكيل لحماس وحتى الدمار والقتل الذي تخلفه العملية البرية للجيش الإسرائيلي. قادة الفرق والألوية الذين يكثرون من إجراء المقابلات على حق. فهم يقولون بأن جنود الخدمة النظامية والاحتياط قاتلوا بشجاعة وتفان. التخوفات التي تقول إن الروح القتالية ستتضرر في أوساط جيل “تك توك” وكورونا، تم دحضها.

مع ذلك، من الأفضل ألا تتبنى وسائل الإعلام منظور جوقة المشجعين. إطالة زمن الحرب ترافقها صعوبات كثيرة. هذا أحد أسباب تأييد هيئة الأركان في الانتقال إلى المرحلة الثالثة للحرب، التي يرافقها تسريح جزء كبير من وحدات الاحتياط، المقرونة بتخفيف عدد القوات التي تعمل في القطاع.

 في بداية الأسبوع، انتهت النشاطات الهجومية للفرقة 36 في وسط القطاع في هذه الأثناء. الطواقم الحربية اللوائية التي عملت حتى الآن تحت قيادتها، في إطار مقلص، خرجت من القطاع لفترة راحة وإعادة تنظيم، في حين هناك إمكانية لطلب التحرك فيما بعد نحو الشمال، إلى منطقة الحدود مع لبنان. أيضاً وحدات الاحتياط التي تم نشرها في الشمال باتت هناك منذ أكثر من ثلاثة أشهر، منذ اندلاع الحرب، ورجالها سيفرحون باستبدالهم. رئيس الأركان، هرتسي هليفي، ضغط لإخراج الفرقة من القطاع قبل ذلك، لكن هذا الإخلاء استغرق وقتاً طويلاً إلى أن تشككت قيادة هيئة الأركان بأن مستويات القيادة الميدانية يتجاهلون الأوامر عمداً.

جزء من المشكلة ينبع من صعوبة في تحديد المهمة. القتال الآن لا يبدو كثيفاً في معظم الساحات التي يعمل فيها الجيش في القطاع. والقوات تنشغل في العثور على الأنفاق والسلاح، وهي تواجه المخربين في أماكن مختلفة. الخطر الأساسي يتعلق بخلايا صغيرة تظهر من تحت الأرض وتهاجم بنار القناصة وصواريخ الـ “آر.بي.جي” وزرع العبوات (أول أمس قتل جنديان من الاحتياط بإصابة صاروخ، وأمس قتل جندي من دورية جفعاتي في الجنوب). معظم القوات في خانيونس تحت قيادة الفرقة 98، ومهمتها الأساسية هي محاولة الوصول إلى كبار قادة حماس في الأنفاق، وربما تشخيص المكان الذي يحتجز فيه المخطوفون.

الرسالة التي يبثها الجيش الإسرائيلي من الأعلى للخارج هي أن القادة والجنود يتماهون مع عدالة الحرب (هذا صحيح)، وأنهم جميعاً مستعدون لمواصلة الحرب بقدر ما تقتضي (هذا أقل دقة بكثير). عملياً، هناك تآكل تدريجي، طبيعي كما يبدو، يتعلق بطبيعة المهمات. جزء من الأوامر اللوائية في خان يونس يتناول مهمات ثانوية أكثر، التي تجري ببطء، في حين أن قيادة الفرقة تركز جهودها على حرب الأدمغة مع رئيس حماس يحيى السنوار.

عدد الأحداث قليل نسبياً، والعبء على رجال الاحتياط آخذ في الازدياد إزاء متطلبات الحياة المدنية التي توقفت في تشرين الأول. في لواء المظليين 55 في الاحتياط، نشرت رسالة لجنود أرسلوها إلى قائدهم، طلبوا فيها إبقاءهم في القطاع حتى الانتصار. ولكن الأجواء مختلفة في وحدات وكتائب أخرى في اللواء، حيث الكثير من الجنود يعتقدون أنهم قاموا بدورهم بشكل جيد، لكن لا يوجد الآن مبرر لإبقائهم بعد 100 يوم متواصل. العبء المتوقع في هذه السنة، حيث قيل للجنود بأنه يتوقع استدعاؤهم لفترة احتياط أخرى طويلة، يقف في مركز القلق. ورغم الحماسة وروح التطوع التي تم إظهارها في بداية الحرب، ثمة ظواهر من الغياب “الهادئ”، عندما لا يعود الجنود من الإجازات إلى وحداتهم في القطاع بذرائع مختلفة.

يساهم في هذا الإحباط التوزيع غير المتساوي للعبء. هذا لا يتعلق فقط بعدم العدالة الكامن في الإعفاء من خدمة الحريديم (ظاهرة التطوع في أوساطهم في بداية الحرب ظهرت كحدث صغير جداً تم تضخيمه لغرض العلاقات العامة). في العقد الأخير، خفف الجيش الإسرائيلي منظومة الاحتياط بشكل كبير. لذا، أضيفت مشكلات بيروقراطية كثيرة التي بسببها رجال الاحتياط يسقطون ضحية في الانتقال بين الوحدات أو بعد فترة مكوث طويل في الخارج. النتيجة أن الجيش لا يستغل مخزونه من رجال الاحتياط المتاحين، ويتم الشعور في أوساط من لا يخدمون بعدم مساواة في تحمل العبء. يقال في صالح رجال الاحتياط بأن هناك كثيرين حصلوا على إعفاء من الخدمة، لكنهم عادوا ليخدموا من جديد بعد 7 تشرين الأول. كما قلنا، الصعوبة في مواجهة حماس واضحة، ومثلها أيضاً عبء المهمات الذي يلزم القادة بإلقاء طلبات صعبة على مرؤوسيهم. ولكن يبدو أن القيادة في الميدان ومن يشرف عليها من الأعلى، لم يستوعبوا بأن الأمر يتعلق بماراثون وليس سباق 100 متر. هذا يحتاج إلى تخطيط أكثر حرصاً، وهامش مرونة معين في تشغيل الوحدات من قبل قسم العمليات، والإصغاء للجنود ومن يؤيدون القتال الذين يتحملون العبء ويخاطرون بحياتهم. طول نفس الجيش الإسرائيلي والدولة في القتال يعتمد أيضاً على ذلك. لا يمكن ضمانه فقط بالأحاديث الموصى بها عن محبة الوطن.

 

عاموس هرئيل

هآرتس 18/1/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • موافقة حماس على الصفقة.. فخ لنتنياهو وإسفين بين واشنطن وتل أبيب  
  • "قَتلنا وجَوّعنا وطردنا ودمرنا"… ألا يستحق نتنياهو و"دفاعه وأركانه" المثول أمامك يا "لاهاي"؟  
  • ما سبب "الهلع" الذي يتملك نتنياهو وإسرائيل بانتظار "لاهاي"؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي