إن لم يكن قتل 10 آلاف طفل إبادة جماعية.. فما هي إذاً؟  
2024-01-14
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

لنفترض أن موقف إسرائيل كما تم عرضه في لاهاي كان صحيحاً ومحقاً، وأنها لم تقم بأي إبادة جماعية أو أي شيء آخر قريب من ذلك. فما الذي حدث هناك؟ بأي اسم يمكن تسمية القتل الجماعي الذي يستمر أيضاً أثناء كتابة هذه السطور، دون تمييز وبشكل منفلت العقال وبأبعاد يصعب تخيلها؟ كيف يمكن تسمية وضع يحتضر فيه الأطفال على أرض المستشفيات حيث لم يبق لكثيرين منهم أحد في العالم – كبار السن الذين تم تجويعهم يهربون طلباً للنجاة من رعب القصف الذي لا يتوقف في أي مكان؟ هل الـ 2.3 مليون إنسان، الذين معظمهم من المهجرين المعوزين والجائعين العطاش والمحبوسين والمرضى والمعاقين والمصابين، يهمهم إذا كان ما حدث لهم سمي إبادة جماعية أم لا؟ هل سيغير هذا التعريف القانوني مصيرهم؟ إسرائيل ستتنفس الصعداء إذا رفضت المحكمة هذه الدعوى، وبالنسبة لها إذا كان هذا لا يعتبر إبادة جماعية فسيرتاح ضميرها مرة أخرى. إذا قالت لاهاي إن ليست إبادة جماعية سنصبح الأكثر أخلاقية في العالم مرة أخرى.

وسائل الإعلام الإسرائيلية والشبكات الاجتماعية تفجرت في نهاية الأسبوع إعجاباً بأقوال الطاقم القانوني الذي مثلنا في لاهاي. ما هذه اللغة الإنجليزية الفاخرة والادعاءات المقنعة! قللت وسائل الإعلام من النشر قبل يوم من ذلك عن موقف جنوب إفريقيا، الذي عُرض بلغة إنجليزية أفضل حتى من إنجليزية الإسرائيليين، والتي كانت مطعمة بحقائق أكثر وبدعاية أقل. بذلك، أظهروا مرة أخرى بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تدهورت في هذه الحرب إلى حضيض غير مسبوق. دورها في نظر نفسها هو مساعدة موقف إسرائيل وإلغاء موقف “ذراع حماس القانونية”. انظروا إلى كمية الاحترام التي جلبها لنا هؤلاء القانونيون.

لنترك جانباً موضوع الاحترام عندما يدور الحديث عن دولة تُقدم للمحاكمة بسبب الجرائم الأكثر خطورة في القانون الدولي. من يرتدون العباءات السود والباروكات البيض والآخرون، جميعهم عرضوا ورقة الرسائل الإسرائيلية الثابتة، جزء منها محق، مثل مشاهد الرعب في 7 تشرين الأول، وكان يصعب معرفة هل يجب علينا الضحك أو البكاء. مثلاً، عند سماع الادعاء بأن حماس وحدها هي المدانة بالوضع في قطاع غزة وأنه ليس لإسرائيل أي دور أو جزء في ذلك. وأن تقول هذا لمؤسسة دولية رفيعة جداً يعني التشكيك في ذكاء قضاتها وإهانتهم.

ما الذي يمكن فعله بأقوال رئيس طاقم الدفاع الإسرائيلي، البروفيسور مالكولم شو: “أعمال إسرائيل متزنة، وموجهة فقط ضد قوات مسلحة”، ربما لحقيقة أن شو ليس إسرائيلياً يعد مصدراً لهذا الاستنتاج؛ وربما هذا ما قاله له مكتب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، لكن الحقيقة هي: ماذا سيكون بشأنها؟ التناسب مع مثل هذا الدمار؟ إذا كان هذا هو التناسب، فكيف سيبدو عدم الاتزان؟ هيروشيما؟ “فقط ضد المسلحين”، تقريباً 10 آلاف طفل قتيل؟ ما الذي يتكلم عنه؟ “يجرون مكالمة هاتفية لإخلاء غير المشاركين”، من ما زال يملك هاتفاً يعمل في غزة وإلى أين يجب عليه الذهاب في جهنم التي لم يعد فيها مكان واحد آمن؟ والذروة: “حتى لو كان هناك جنود خرقوا قوانين الحرب، فإن جهاز القضاء في إسرائيل سيناقش ذلك”.

يبدو أن شو لم يسمع عن جهاز القضاء في إسرائيل، وربما سمع أقل عن “جهاز القضاء” العسكري. لم يسمع بأن أربعة جنود فقط تم تقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم جنائية بعد عملية “الرصاص المصبوب”، واحد منهم فقط تم إرساله إلى السجن بتهمة سرقة بطاقة ائتمان (!). أما الآخرون الذين ألقوا القنابل والصواريخ على الأبرياء فلم يتم تقديمهم قط للمحاكمة. وأقوال غليت رجوان، اكتشاف نهاية الأسبوع، التي سيتم انتخابها لحمل الشعلة إلى جبل هرتسل “الجيش الإسرائيلي ينقل المستشفيات إلى مكان أكثر أمناً”. هل تم نقل مستشفى الشفاء إلى مستشفى “شيبا”؟ ومستشفى الرنتيسي إلى “سوروكا”؟ عن أي مكان آمن في غزة هي تتحدث. وعن أي مستشفيات سارع الجيش الإسرائيلي إلى “نقلها”؟

بالطبع، ليس في كل ذلك ما يثبت بأن إسرائيل قامت بمذبحة جماعية. هذا الأمر سيقرره قضاة المحكمة. ولكن هل علينا الشعور بوضع أفضل بفضل ادعاءات دفاع كهذه؟ والشعور بأن الوضع جيد بعد لاهاي؟ والشعور أفضل بعد غزة؟

 

جدعون ليفي

هآرتس 14/1/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • موافقة حماس على الصفقة.. فخ لنتنياهو وإسفين بين واشنطن وتل أبيب  
  • "قَتلنا وجَوّعنا وطردنا ودمرنا"… ألا يستحق نتنياهو و"دفاعه وأركانه" المثول أمامك يا "لاهاي"؟  
  • ما سبب "الهلع" الذي يتملك نتنياهو وإسرائيل بانتظار "لاهاي"؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي