بين طحين بلينكن وتوراة بن غفير.. نتنياهو يتهيأ لاحتفالات السنوار: سنتعايش مع الهزيمة  
2024-01-12
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

كيفما سمّيتم الأنباء عن المخطط الذي يتبلور لتحرير المخطوفين –اقتراح قطري أو مصري أو أمريكي– فهل يدل ذلك على أن الجانب الإسرائيلي بدأ يسلم بنتائج محدودة للحرب؟ على أفضل علمي، لا توجد صفقة بعد، ونأمل ذلك. لكن في ختام 100 يوم على الإخفاق والخراب، لا مفر من رؤية الوضع كما هو. ثمة قراء يرفضون قبول وصف الواقع على هذا النحو، وهذا حقهم. أعتقد أن قيادة الجيش تدرك الوضع جيداً. والسؤال: كيف سيجسر نتنياهو ووزراؤه الفجوة بين توقعات غير مسؤولة خلقوها، وقرارات قاسية يقفون أمامها. لا تحسدوهم.

يتحدث المخطط عن اتفاق لوقف نار مدة ثلاثة أشهر. سيكون التنفيذ متدرجاً، وسيتضمن تحرير كل المخطوفين، الأحياء والأموات، على مراحل، فيما ستكون المرحلة الأولى إنسانية؛ بمعنى ستتضمن بأولوية أولى مرضى وجرحى وشيوخاً. فضلاً عن تحرير آلاف السجناء الفلسطينيين، كباراً وصغاراً، يفترض بالمخطط أن يلبي المطالب التالية: تعزيز دراماتيكي لحجم المساعدة الإنسانية للقطاع؛ وعودة السكان إلى المجال الشمالي، إلى غزة وبناتها؛ وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي؛ وإقامة إدارة بتمويل دولي لإعمار قطاع غزة من خرائبه – والأسوأ، شراكة حماس في السيطرة على القطاع مستقبلاً.

كان الجانب الإسرائيلي يسعده خروج قيادة حماس، بمن فيهم السنوار وضيف إلى المنفى، في قطر أو دول أخرى. فالمنفى هو ما حصل عليه عرفات ورجاله في بيروت، في حرب لبنان الأولى. لكن غزة ليست بيروت، والسنوار ليس عرفات. فالسنوار لا يبحث عن مخرج إلى المنفى في هذه اللحظة، بل يخطط لاحتفالات النصر في غزة.

الظروف كفيلة بالتغير في أثناء المفاوضات. هذا ممكن حتى تفجير المحادثات. لكن السؤال لا يزال قائماً، وهو صعب: هل حياة 136 إسرائيلياً يبرر أثماناً كهذه؟ أقول نعم، ليس لأن معظمهم مواطنون اختطفوا من بيوتهم بذنب جيش وحكومة تركتهم لمصيرهم في إخفاق لا مثيل له، فقد تركتهم لمصيرهم قبل 7 أكتوبر وتركتهم لمصيرهم في أثناء ذاك اليوم. عندما يلتقي نتنياهو بعائلات مخطوفين، يحرص على جلب زوجته إلى اللقاء، وكأن الحديث يدور عن مساكين يحتاجون لفلورنس نايتنجل، والأم تريزا، وإيماءة شفقة في عالمه القديم تنتمي للنساء حصرياً. في نظري، هذا عار. الرئيس بايدن قد يشفق على المخطوفين؛ ونتنياهو مسؤول عن وضعهم. هذا عمله.

ثمة أشخاص في المستوى السياسي والعسكري يفضلون شطب موضوع المخطوفين عن جدول الأعمال؛ بادعاء أن المخطوفين مصدر إزعاج، وأن الانشغال بهم يعيق القوات في الميدان ويعزز حماس. من الأفضل التسليم بمصيرهم والسير إلى الأمام. هذا الموقف بارز على نحو خاص في الوسط الحريدي القومجي المسيحاني. فمن أجل بعض من ممثلي هذا الوسط، لم تكن أحداث 7 أكتوبر كارثة بل فرصة تاريخية: إسرائيل تحتل كل غزة، وتطرد سكانها وتسكنها باليهود؛ وإذا ما فتحت جبهة في الضفة، فسنطرد الفلسطينيين منها أيضاً.

أناس هذا الوسط بارزون في الوحدات القتالية داخل الجيش. أقول هذا في صالحهم. هذا لا يعني أنه مسموح لهم ملء الحيطان في غزة بالشعارات التي تدعو إلى العودة إلى “غوش قطيف”. الجيش لا يعرف كيف يسيطر على حماستهم السياسية.

عجب آخر، أخطر، يتعلق بالعميد باراك حيرام الذي أمر في 7 أكتوبر دبابة بقصف مبنى كان فيه، إلى جانب مخربي حماس، رهائن في “بئيري”، فقتل جراء ذلك 12 من الرهائن، وانكشفت القضية في تقرير نشر في “نيويورك تايمز”. ويجري الجيش الآن تحقيقاً فيها. أعضاء في ثلة التأهب في “بئيري” طلبوا إرجاء تعيين حيرام قائداً لفرقة غزة حتى انتهاء التحقيق. رفض الجيش الإسرائيلي ذلك. مثلما في “فخ 22” لجوزيف هلر، فإن من قصف أعضاء الكيبوتس سيكون القائد المسؤول عنهم.

حيرام مقيم في مستوطنة “تقوع”، وهي حقيقة تضيف بهاراً سياسياً إلى القضية. في نظري، ليس مهماً أين يسكن لكن المهم ماذا كان تفكيره. في هذه الحرب، يكثر الجيش الإسرائيلي من شرح أخطاء كلفت حياة مدنيين ومقاتلين بذريعة أن ليس هناك ما يمكن عمله، وهو الحال في ساحة القتال أيضاً. هذا تفسير غير مقنع دوماً.

لا طحين، لا توراة

مصير المخطوفين ليس الكابح الوحيد الذي يوقف الجيش الإسرائيلي عن احتلال كل غزة. أحياناً، المخطوفون هم مبرر، وأحياناً ذريعة: ليس كل من يعلق شارة التعريف على رقبته أو يربط شريطاً أصفر ببدلته مجند حقاً لقضيتهما.

في مساء الأربعاء كان يفترض بالكابينت أن يبحث في رؤية لمستقبل غزة، غزة في اليوم التالي. شطب الموضوع عن جدول الأعمال في اللحظة الأخيرة: فقد تذكر أحد ما أن في الغداة، أي أمس، ستبدأ “لاهاي” البحث في الشكوى الجنوب إفريقية. ومن يدري كيف ستؤثر الاقتباسات التي ستسرب من داخل الجلسة على البحث في المحكمة.

قصة صغيرة، لكنها تدل على أمور غير قليلة: حكومة إسرائيل الحالية لا تستطيع إدارة الحرب؛ فهي تتمزق بين بن غفير وسموتريتش، وبين بايدن وبلينكن، مع غانتس وآيزنكوت في الوسط. بحث نتنياهو مع بلينكن في نقل 150 طناً من الطحين إلى غزة. وهو طلب يتعارض مع ما تعهد به نتنياهو للجمهور في بداية الحرب. البحث يجري من خلف ظهر وزراء الكابينت. استجاب نتنياهو بنصف فم. بلينكن مل، ويقرر أن يشكر نتنياهو علناً على الطحين. فيسارع مكتب رئيس الوزراء إلى النفي. النتيجة: الأمريكيون لا يصدقونه، وزراء الكابينت لا يصدقونه، لا طحين ولا توراة. عندما كتب آباؤنا “خض حربك الخدع” لم يقصدوا هذا.

مع الأسف، حماس لن ترحل إلى مكان آخر. ربما يحين ذلك في جولات تالية، حين تخرق التسوية التي ستتقرر (وحتماً ستخرقها). فلو سنحت فرصة لإقامة بديل غير جهادي في غزة، ومشكوك ذلك، لرفضتها حكومة إسرائيل قطعاً.

المخطوفين سيعودون إلى الديار، والجيش الإسرائيلي سيتفرغ للجبهة الشمالية. ولعل الإسرائيليين يتفرغون لترتيب أوضاعهم في بيوتهم. هكذا قالت ووعدت رؤوما كديم، التي قتل خمسة من أبناء عائلتها، على مسمع وزير الدفاع غالنت. جملها التأسيسية هذه يجب أن تخط على أبواب مكتب رئيس الوزراء، وعلى أبواب هيئة الأركان. هذا في أفضل الأحوال. أما أسوا الأحوال، فهو غياب التسوية، وحينئذ سيعلق الجيش الإسرائيلي في غزة، بدون خطة أمام قرابة مليوني نازح لا مكان لهم يتجهون إليه، أمام عالم معادٍ وإدارة أمريكية منهكة، مع مخطوفين لن ينجوا، ومخلين لا يتمكنون من العودة إلى بيوتهم، مع اقتصاد في أزمة، وميزانية متهتكة، وساحة سياسية لا تهتم إلا بنفسها.

في النهاية، مثلما في كل فيلم هوليوود، ثمة نهاية سعيدة. لكني لا أعرفها.

 

ناحوم برنياع

يديعوت أحرونوت 12/1/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • موافقة حماس على الصفقة.. فخ لنتنياهو وإسفين بين واشنطن وتل أبيب  
  • "قَتلنا وجَوّعنا وطردنا ودمرنا"… ألا يستحق نتنياهو و"دفاعه وأركانه" المثول أمامك يا "لاهاي"؟  
  • ما سبب "الهلع" الذي يتملك نتنياهو وإسرائيل بانتظار "لاهاي"؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي