لقادة إسرائيل: لا تحاولوا كسر إرادة شعب رضع الصمود مع حليب الأمهات
2024-01-08
كتابات عبرية
كتابات عبرية

الشيء الذي تخفيه كل محادثة تجرى بين القصف وطابور الحصول على المياه، هو موقف سكان القطاع من هجوم حماس في 7 أكتوبر. يبدو أن الأغلبية الساحقة في أوساطهم لا تشعر بأنها حرة في قول رأيها بصدق، سواء عبر الهاتف الذي جودة التقاطه لا تسمح بإجراء نقاش سياسي، أو عبر الشبكات الاجتماعية.

 أسباب كثيرة تستدعي ذلك. بشكل عام، وضع الرعب الدائم من الانفجارات والموت، والهرب والنضال كل يوم للحصول على الماء، والغذاء، والمأوى من جراء الأمطار، والملابس الدافئة، ليست أرضية مناسبة لإجراء نقاش سياسي – أيديولوجي مفتوح. وكلما مر الوقت بدت أبعاد الدمار والقتل التي تسببت بها عمليات القصف الإسرائيلية مغطية على رغبة في إسماع انتقادات داخلية أو طرح الأسئلة حول المنطق في استراتيجية حماس. يُستنتج من هذه الأبعاد أن إسرائيل لا ترد، بل تنفذ خطة من خططها الدفينة: إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني وتدميره. انتقاد ذاتي علني قد يعتبر إعفاء لإسرائيل من نواياها ومسؤوليتها المباشرة عما يعتبره الفلسطينيون إبادة شعب. إذا قدرت إسرائيل أن بإمكانها القضاء على حماس من خلال القتل الجماعي، وتريد توجيه غضب السكان نحو حماس، فهي تنسى أن معارضي حماس الكبار لا يعتبرون إسرائيل عاملاً محايداً أو ضحية؛ لأنها ستعتبر دائماً سلطة هدفها الإضرار بالفلسطينيين. الناس لا يريدون أن يكونوا شركاء، حتى لو بشكل غير مباشر، في آلة الدعاية الإسرائيلية.

 وثمة سبب آخر، وهو أن “المقاومة” أو “الكفاح المسلح”، كانت وما زالت روحاً وطنية مقدسة، حتى بشأن معظم الفلسطينيين الذين لا يمكنهم ولا ينوون الانضمام للمقاومة والكفاح المسلح. ومن يعارضون حماس يعتبرونها جسماً نما من داخل المقاومة الشرعية للاحتلال الإسرائيلي، وجزءاً من النسيج السياسي والاجتماعي الفلسطيني. وكلما أثبتت إسرائيل للفلسطينيين بسياستها الاستيطانية وحصارها أن هدفها هو القضاء على أي إمكانية للاستقلال السياسي للفلسطينيين، حتى لو على الأراضي التي احتلت في 1967 (الضفة الغربية والقطاع)، فسيتعزز التأييد لخيار الكفاح المسلح.

 الدبلوماسية فشلت، والنضال الشعبي غير المسلح على أشكاله قمعته إسرائيل، والمفاوضات وتوأمها الذي بقي، التنسيق الأمني، دمّرا م.ت.ف وجعلا معظم الفلسطينيين يكرهون السلطة الفلسطينية. يبرز من هذه الإخفاقات كفاح مسلح مع جاذبيته، إما تعبيراً عن رغبة في الانتقام لـ 75 سنة من التهجير والقمع، أو بالاعتقاد أنه تكتيك منطقي أمام “العدو الذي لا يفهم إلا لغة القوة” (كما أثبت أنور السادات في 1973)، أو من خلال قناعة عميقة بضرورة النضال ضد مشروع تهجيري – استيطاني مثل الصهيونية.

  بات الصمود خياراً قسرياً لكل فلسطيني، وهي صفة يرضعونها مع حليب أمهاتهم. المقاومة المسلحة في المقابل تعتبر أسمى، لأن الأمر يتعلق باستعداد واع للتضحية بالنفس. بات الفلسطينيون الآن معجبين بالكفاءة التي أظهرتها حماس في الهجوم وما بعده، والقدرة على التخطيط للمدى البعيد والحفاظ على السرية التي مكنت من التسلح وبناء الأنفاق في غزة، الذي فاق كل تقدير استخباري إسرائيلي، وتضليل محسوب للعدو القوي جداً الذي يمتلك شبكة متشعبة من العملاء ووسائل تجسس وقدرة شخصية وجماعية على القتال التي تسقط الشهداء في أوساط الجيش الإسرائيلي. الفلسطينيون الذين ينفون أعمال القتل في 7 أكتوبر، والذين لا يؤمنون على الأغلب بتقارير إسرائيل (بشكل خاص حول عمليات الاغتصاب)، والذين يعترفون بشكل عام بأن كان هناك مس متعمد بالمدنيين، ما زالوا يفحصون هجوم حماس مقارنة مع مس إسرائيل المنهجي والمتعمد بالمدنيين خلال عشرات السنين. لذا، فإن المنافسة على الوحشية والشر تبقى إسرائيل هي التي الرابحة.

 السؤال السياسي المطلوب والخفي حول الثمن الذي يدفعه سكان القطاع بسبب هجوم حماس مناسب وجدير، يطرح الآن في كل مكان، ولكن بصعوبة وبشكل رمزي. منشورات مؤثرة عن الاشتياق لغزة التي كانت ولم تعد موجودة، وعن الحياة الاجتماعية والمشهد الحضري والبحر، تعطي إجابة غير مباشرة. ولكن إضافة إلى كل ذلك، هناك خوف من أن يسمع أعضاء حماس هذه الأقوال ويعاقبون من قالوها. هذا ما قالته للصحيفة إحدى سكان القطاع التي تعيش الآن في الضفة الغربية، والتي قتل بعض أبناء عائلتها في عمليات القصف وانتقل الباقون إلى منطقة المواسي. هل يستند الخوف إلى الشائعات أو ينبع من نشاطات الإسكات والمعاقبة بالفعل، من الصعب والسابق لأوانه تأكيد ذلك بشكل مستقل، ولكن الخوف موجود.

 جملة “الخوف من انتقاد هجوم حماس”، تكررت بشكل علني أيضاً من قبل مواليد القطاع الذين يعيشون في الضفة الغربية والذين تحدثت معهم: الخوف ليس من التعرض الجسدي، بل من إسكات الرأي للأسباب التي ذكرت آنفاً بسبب تأييد الجمهور للهجوم، كما أشار بمرارة أحد مواليد غزة الذي يعيش في رام الله. يبدو أنه كلما كان الناس بعيدين عن غزة، تكون مواقفهم أكثر حزماً بخصوص عدالة حماس وحقها في المحاربة ضد كولونيالية إسرائيل “حتى الغزي الأخير”.

 

عميره هاس

 هآرتس 7/1/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي