انتصار "حماس" أم إنقاذ غزة؟
2024-01-05
سعد العجمي
سعد العجمي

اليوم، مضى 90 يوماً بالتمام والكمال على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" الجريئة. ثلاثة أشهر من القصف العشوائي على القطاع خلّف حتى الآن أكثر من 22000 من القتلى، ثلثاهم من الأطفال والنساء وغالبية الباقين من المدنيين العزل، وأكثر من مئة ألف جريح وأكثر من مليوني نازح في العراء والبرد من دون غذاء أو ماء أو ملاجئ، يعانون الجوع وانعدام الخدمات وانتشار الأوبئة. تقول الأمم المتحدة إن ربع سكان غزة، أي نصف مليون إنسان، سيموتون من الجوع والأمراض خلال عام 2024 ما لم تتوقف الحرب ويهب العالم لتقديم المساعدات لهم. الخسائر المادية ودمار البنى التحتية يمكن اختصارهما بأن غزة تحولت إلى خرائب غير قابلة للسكن الآدمي.

90 يوماً والعالم يتفرج على إسرائيل تفعل فعائلها من دون رادع دولي أو ضمير إنساني يوقف الإبادة، ليس في غزة فحسب، وإنما في الضفة الغربية أيضاً التي تشهد قتلاً وطرداً للفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم ومزارعهم ومراعيهم ومخيماتهم من قبل المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي المحتل ورعايته.

ومن خلال غبار الكارثة، يتشكل أمامنا محوران سياسيان، محور عربي ومحور إيراني.

المحور العربي يحاول بالطرق الدبلوماسية والضغوط السياسية أن يوقف الحرب إنقاذاً للإنسان في غزة، ووقف التهجير حفاظاً على بقايا الحياة في غزة المنكوبة ومحاولة إنعاشها بما يمكن أن يصل من مساعدات قليلة للبشر هناك، فإسرائيل، وعلى لسان وزيرين من وزرائها، أعلنت من دون مواربة أنها تريد طرد سكان غزة إلى مصر، مما يراه القانونيون الدوليون بمثابة إلغاء لاتفاقية كامب ديفيد، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بأن طرد إسرائيل للفلسطينيين والسيطرة على محور فيلاديلفيا، أي الحدود الفلسطينية- الغزية- المصرية، يعتبر بمثابة إعلان حرب على مصر، ومن ثم فإن على المحور العربي الاستعداد لهذا السيناريو. المحور العربي يرى أن أولويته وقف الحرب وإنقاذ أهل غزة من دون الالتفات إلى شعارات النصر والهزيمة التي يرفعها المحور الإيراني، فهو لا يرى نصراً لحركة "حماس" بعد الهول والدمار لغزة وأهلها، بل يرى أن إسرائيل أعادت احتلال غزة، وما طلب "حماس" المتكرر بوقف إطلاق النار برأيهم إلا اعترافاً بالهزيمة، فالمنتصر لا يطلب وقف إطلاق النار من المهزوم الذي يرفض التوقف عن العدوان. صحيح أن هذا المحور حقق نجاحاً محدوداً بالتخفيف من معاناة الناس بتقديم بعض المساعدات الغذائية والإنسانية والأدوية وغيرها، ولكن الأصح أنه لا يزال غير قادر على وقف المجزرة وإنقاذ أهل غزة بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر.

في المحور الإيراني، لا يهم تهجير مليوني غزي أو فناؤهم جميعاً في سبيل بقاء "حماس"، فقد مارس هذا المحور التهجير ولا يزال يمارس التطهير الطائفي في سوريا والعراق من دون هوادة. وتسبب هذا المحور بقتل أكثر من نصف مليون سوري ونزوح وهجرة 10 ملايين من سوريا، وتحولت حواضرها ومدنها إلى خرائب من أجل النصر، والنصر هنا هو بقاء نظام الأسد وهو ما يتحقق حتى الآن. والشيء نفسه جرى ولا يزال في العراق، من نزوح 4 ملايين عراقي نزوحاً داخلياً بسبب سياسات التطهير الطائفي التي تنتهجها الميليشيات الولائية التابعة لطهران، ناهيك عن أعداد القتلى واعتقال واختفاء عشرات الآلاف، سنة وشيعة، على أيدي هذه الميليشيات، ويتزامن هذا الوضع مع تردٍّ في الخدمات على الصعد كافة.

وفي لبنان، تدهورت حال البلد على كل الأصعدة، وبقي من دون رئيس للجمهورية ومن دون حكومة فاعلة لأعوام عدة بسبب هيمنة ميليشيات "حزب الله" الإيرانية. واليمن تحتدم فيه حرب أهلية تسببت بالخراب والدمار والنزوح والتهجير. لذا فإن مسألة تهجير أو نزوح أو تجويع مليوني غزي ليست أولوية للمحور الإيراني، وما يهمه الآن هو أن تتوقف الحرب لكي يخرج قادة "حماس" من الأنفاق بعلامات النصر والفخار على إسرائيل لمجرد بقاء التنظيم وعدم فنائه، تماماً كما فعل "حزب الله" الإيراني عام 2006 بعد تدمير البشر والحجر.

كثير من المراقبين والمحللين العسكريين، وبينهم إسرائيليون يقولون باستحالة اجتثاث "حماس"، وإن إسرائيل تمارس حرباً انتقامية وحشية لا يمكنها أن تزيل فصائل المقاومة الفلسطينية من غزة مهما امتدت الحرب. لكن الحقيقة المرة أن أهل غزة اليوم يدفعون ثمن تضارب أجندتي المحورين العربي والإيراني، الأول يريد إنقاذ غزة، والثاني يريد انتصار "حماس".

الأول يرى أن إسرائيل هزمت باستمرار العدوان على الأبرياء من أهل غزة، لكن "حماس" لم تنتصر بسبب هول الفجيعة في القطاع. والمحور الثاني يرى أن بقاء "حماس" بأي ثمن هو الانتصار وليذهب أهل غزة إلى الجحيم كما ذهب إليها العراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون.

واقع الحال أننا أمام مشهد مأسوي سيطول، وفي النهاية قد لا يتحقق انتصار "حماس" ولا إنقاذ غزة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • نحن والانتخابات الهندية
  • رفح ورفحاء
  • الرحيل أمتارا!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي