حرب نتنياهو لا تغير ما فعله زلزال "حماس"
2023-10-11
رفيق خوري
رفيق خوري

ليس في تاريخ المقاومة الفلسطينية حدث في مستوى ما قامت به حركة "حماس": إحداث زلزال استراتيجي حقيقي ضرب إسرائيل وأدماها وأذلها وأعاد شيئاً من الحيوية إلى الشارع العربي بعد تبدل الانشغالات والهموم. وما تصور كثيرون أن درس السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 ضاع في زحام المتغيرات، أعاد له الاعتبار يوم السابع من أكتوبر 2023: القدرة على مفاجأة إسرائيل والتغلغل في مستوطناتها ومراكزها العسكرية وأخذ ضباطها وجنودها أسرى. في يوم "عيد الغفران" فاجأ الجيشان المصري والسوري إسرائيل بهجوم منسق على سيناء والجولان الواقعتين تحت الاحتلال منذ عام 1967. ويوم "سمحاة توراة" أي "بهجة التوراة" فاجأت "حماس" إسرائيل بهجوم من البر والبحر والجو على المستوطنات والمراكز العسكرية في "غلاف غزة"، وإيقاع أكثر من ألف قتيل و3 آلاف جريح وأسر ما يزيد على 100. ولا فرق في أسباب المفاجأة، سواء كانت الغطرسة الإسرائيلية والثقة بأن العرب عاجزون عن الهجوم أو الاسترخاء أو الاتكال على أميركا، في مقابل براعة عربية في إخفاء الاستعدادات الحقيقية وتضليل العدو. فالانطباع في إسرائيل واحد: فشل استخباري وأمني وعسكري، واستعادة لقول المؤرخ الإسرائيلي مارتن فان كريفيلر إن "إسرائيل قوية عسكرياً، لكنها ضعيفة روحياً". وردود الفعل في العالم العربي ليست واحدة، بصرف النظر عن الانبهار بما فعلته "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" ومعها "سرايا القدس" التابعة لمنظمة "الجهاد الإسلامي". لكن ما فعلته "حماس" ليس مجرد عملية عسكرية ناجحة سيطر خلالها ألف مقاتل من النخبة على عدد من المستوطنات والمراكز العسكرية، حتى الحديث عن "تغيير المعادلات" فإنه يحتاج إلى جواب عن سؤال مهم: هل التغيير وسيلة أم غاية؟ إذا كان وسيلة فمن أجل أية غاية؟ وإذا كان غاية فهل يكفي أن تستعيد المقاومة الكرامة وتمارس إذلال إسرائيل؟ وحكومة نتنياهو التي أعلنت "حال الحرب" لن تستطيع الصمود إن لم تكمل المعركة إلى النهاية. وهي بدأت عملية تدمير غزة وكانت تراهن على انقسامها وانفصالها عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لأن ذلك يساعدها في الامتناع عن التفاوض على تسوية تحت عنوان "حل الدولتين". حتى تدمير غزة فإنه لن ينقذ إسرائيل، ومن الوهم حذف شعب فلسطيني هو صاحب الأرض لمصلحة شعب من "الدياسبورا".

أميركا التي سارعت إلى مد إسرائيل بالأسلحة وإرسال حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط في رسالة ردع إلى إيران، تدرك الحاجة إلى حل الدولتين وتعرف أن أوروبا والعواصم العربية تطالبها بالضغط على إسرائيل لصنع التسوية وقبول المبادرة العربية للسلام التي خرجت من قمة بيروت عام 2002 وكانت مشروعاً سعودياً. فضلاً عن أن العملية البرية التي يدور عليها الكلام ليست نزهة، فالمقاومة التي كبدت إسرائيل خسائر كبيرة داخلها، قادرة على تكبيدها مزيداً في غزة. والجنود خائفون من الأسر، لكن نتنياهو الذي قاد إسرائيل إلى أعمق انقسام داخلي لإنقاذ رأسه من السجن يمكن أن يقودها إلى مغامرة احتلال غزة لإنقاذ حكومته. وبعضهم يعيد التذكير بما رواه رئيس الوزراء الأردني سابقاً مطر بدران في مذكراته، بعد نشوب حرب أكتوبر طالب عدد من الوزراء والنواب بانضمام الأردن إلى الحرب وفتح جبهة ثالثة في الضفة الغربية. جاء الملك حسين إلى مجلس الوزراء آنذاك وقال "أنا متأكد من قدرة الجيش العربي على استعادة الضفة خلال أيام"، ثم تساءل "ماذا عن الحال بعد توقف الحرب على الجبهتين المصرية والسورية؟ هل في استطاعتنا بعدها حماية الضفة الشرقية من الاحتلال؟".

بين ما علينا تذكيره هو قول المسؤول الأميركي في مجلس الأمن القومي سابقاً الدكتور وليم كوانت بعد تعثر اتفاق أوسلو، "اللحظات التاريخية في الصراع العربي - الإسرائيلي لم تحقق الأحلام التي ولدتها".

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • لعنة المباراة الثانية بين ترمب وبايدن
  • لعبة توريط الأردن بعد توريط لبنان  
  • صراع غير متكافئ على روح لبنان






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي