3 قصص أميركية: دعم وإفلاس شركات إنتاج السيارات الكهربائية
2023-09-13
أنس الحجي
أنس الحجي

قررت وزيرة الطاقة الأميركية جينفر غرانهولم القيام برحلة لمدة أربعة أيام في الولايات الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة في أسطول سيارات كهربائي للترويج لها ولإظهار دور إدارة بايدن في بناء الشواحن الكهربائية على الطرق السريعة، وتضمن الأسطول أنواعاً عدة من السيارات بما في ذلك "كاديلاك" و"بولت" وشاحنة "فورد".

وتم تعيين فريق مهمته البحث المسبق عن شواحن السيارات الكهربائية في الطريق، حتى يتوقفوا عندها لشحن هذه السيارات، طبعاً هذا الفريق تكاليف إضافية للرحلة لأنه ليس له حاجة لو كانت السيارات تسير بالبنزين.

ونظراً لأنه ليس لهذا الفريق أي خبرة في هذا المجال، ولا في المناطق التي سيمرون بها، وقعوا في مآزق عدة، فوجود شواحن في أماكن معينة وفقاً للتطبيقات والخرائط لا يعني أنها تعمل، كما لا يعني أنها متوافرة، لأن هناك مواطنين يشحنون سياراتهم، وهناك دور! وبهذا تأخروا دائماً حتى يتم شحن كل السيارات من الشواحن المتبقية، وبعد اكتساب خبرة في اليومين الأولين، قرر قائد الفريق الاستكشافي إرسال مجموعة بسيارات بنزين لحجز الشواحن قبل وصول الوزيرة بهدف توفير الوقت وإنجاح الرحلة.

كان من المفروض أن يتوقف أسطول السيارات في محطة شحن فيها أربعة شواحن بالقرب من مدينة أوغستا في ولاية جورجيا، عندما وصل الفريق الاستكشافي للمحطة تمهيداً لوصول الوزيرة، اكتشفوا أن أحد الشواحن معطل والثلاثة الأخرى مشغولة، وما إن غادرت إحدى السيارات حتى أوقف أحد أعضاء الفريق سيارة تسير بالبنزين عند الشاحن لحجز المكان، حتى تصل الوزيرة ويشحنوا سيارتها.

 بعد أن حجز المكان وصلت سيارة كهربائية عائلية فيها عائلة مع أطفال، واكتشفوا أن سيارة تعمل بالبنزين تحجز المكان، فطلبوا منه المغادرة فرفض، فاتصلوا بالشرطة، بطارية السيارة تكاد تفرغ، ومعهم أطفال، والحر شديد إذ تجاوزت درجة الحرارة 40 درجة مئوية وقتها.

جاءت الشرطة، وأخبرهم سائق سيارة البنزين أنه حجز المكان للوزيرة. المشكلة أن ولاية جورجيا من الولايات التي لم تسن قوانين تمنع أي سيارة غير كهربائية من الوقوف مكان الشحن الكهربائي، حيث إن هناك ولايات تجرم أو تغرم من يوقف سيارة بنزين في مكان شحن السيارات الكهربائية. فلم تستطع الشرطة فعل أي شيء، العائلة ثارت وغضبت، واتصلت هناك وهناك، ووصلت الوزيرة، وحل الإشكال ودياً بأخذ العائلة إلى مكان شحن سريع وشحن سيارتهم.

هناك دروس عدة من هذه القصة، أولها أن من يخطط للواقع من المكتب سيتفاجأ باختلاف الواقع عما خطط له، وثانيها أن السياسيين، حتى في الولايات المتحدة لا يهتمون بمواطنيهم عندما تتعلق الأمور بمصالحهم الشخصية، الثالثة، أن الهدف الرئيس للوزيرة هو إظهار ما قامت به حكومة الرئيس بايدن من إنفاق هائل على بناء عدد ضخم من الشواحن للسيارات الكهربائية على الطرقات السريعة لتشجيع الناس على شراء سيارات كهربائية ففضحتها الشواحن نفسها.

القرار السياسي شيء، والتقنية شيء آخر. علم الفيزياء يقول إن لكل شيء حدود، ولكن السياسيين لا يعترفون بهذه الحدود فتفضحهم قواعد الكون!

بايدن وشركة الحافلات الكهربائية "بروتيرا"

تضمنت سياسات مواجهة التغير المناخي لإدارة بايدن دعماً ضخماً لشركات السيارات الكهربائية الأميركية، بما في ذلك شركة الحافلات الكهربائية "بروتيرا" التي تبناها بايدن شخصياً، وتم دعمها بمبالغ هائلة وضمان سوق كبيرة لها بخاصة في المدارس.

 كما اختار بايدن رئيس الشركة لمنصب استشاري كبير في حكومته. منذ حوالى شهر طالبت الشركة المحكمة بإشهار إفلاسها وحمايتها من الدائنين. هذه ثالث شركة سيارات كهربائية تعلن إفلاسها! وكانت الشركة استدانت من حكومة ترمب 10 ملايين دولار في عام 2020 كجزء من الإعانات المقدمة للشركات بسبب الإغلاقات، إلا أن حكومة بايدن قررت أن تدفع المبلغ عنها مع الفوائد في عام 2022!

الوزيرة المذكورة في القصة أعلاه كانت عضواً في مجلس إدارة شركة "بروتيرا" ثم انسحبت، وباعت أسهم الشركة قبل أن تنهار بأرباح صافية قدرها 1.6 مليون دولار وفقاً لوكالة "بلومبيرغ". 

الوقاحة كانت في رسالة الشركة لقاضي محكمة الإفلاس، حين ذكرت أنه يجب حمايتها من الدائنين حالياً حتى تتم إعادة هيكلة الشركة وإخراجها من الإفلاس، وأنها ستكون في تعاف مالي وقتها بسبب الإعانات الحكومية الضخمة لشركات السيارات الكهربائية.

أوباما وشركات الطاقة الشمسية والبطاريات

دعمت حكومة (أوباما- بايدن) عديداً من شركات الطاقة المتجددة فشل منها خمس على الأقل في عهد أوباما، على رغم حصولها على دعم ضخم من الحكومة الأميركية، فقد أفلست شركة "إ 123" المتخصصة في تصنيع البطاريات للسيارت الكهربائية بعد حصولها على إعانة حكومية قدرها 249 مليون دولار، أنفقت منها 132 قبل الإفلاس، ولكن تم بيع مصانع الشركة لشركة أخرى، ولم تسترجع الحكومة الفرق بين المنحة وما تم إنفاقه.

كما دعمت حكومة (أوباما-بايدن) شركة "أباوند سولار" المصنعة للألواح الشمسية بضمان لقرض 400 مليون دولار، ولكنها أفلست، الأمر الذي يعني خسارة لدافع الضرائب بين 40 و60 مليون دولار.

ودعمت الحكومة شركة "بيكون تور" المتخصصة في تخزين الطاقة، وتم تقديم ضمانات لقرض قدره 43 مليون دولار، وأفلست الشركة وخسر دافع الضرائب نحو 16 مليون دولار بعد بيع أصول الشركة لأخرى.

وحصلت شركة "إنر1" على منحة قدرها 118.5 مليون دولار لبناء مصانع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، ولكن الشركة أفلست، واشتراها مستمثر روسي، وخسر دافع الضرائب 118.5 مليون دولار.

ولكن أكبر ضربة تلقتها إدارة (أوباما-بايدن) كانت من شركة "سوليندرا" التي كانت تنتج الألواح الشمسية، وأفلست بعد حصول على ضمان حكومي لقرض بمبلغ 535 مليون دولار، ودفع دافع الضرائب المبلغ كاملاً.

أوباما وشركة "فيسكر" للسيارت الكهربائية

تم دعم شركة "فيسكر" بقرض قيمته 529 مليون دولار لبناء مصنع للسيارات الكهربائية، الشركة أفلست وخسر دافع الضرائب 139 مليون دولار، وبيعت أصول الشركة بسعر التراب لأخرى صينية! وكانت الشركة قد تأسست في 2007 وأقامت شركة "تيسلا" دعوى عليها بتهمة سرقة التقنية منها، لكن الأولى خسرت القضية وأجبرت على دفع أتعاب المحاماة التي بلغت 1.1 مليون دولار بعد اكتشاف أن تقنية شركة "فيسكر" تعيسة جداً.  ولكن لماذا أفلست شركة "فيسكر"؟  تكلمنا أعلاه عن إفلاس شركة "إ123" للبطاريات، واعتمدت شركة "فيسكر" على بطاريات هذه الشركة وتم استحضار كل بطارياتها لخلل فيها، ثم تكرر الأمر، فأفلست الشركتان.

ختاماً، نعرج على شركة "نيفادا جيوثيرمال بور" وهي شركة متخصصة في إنتاج الكهرباء من طاقة الأرض الحرارية، وحصلت الشركة على ضمان حكومي لقرض قدره 98 مليون دولار، وأفلست الشركة وخسر دافع الضرائب كل شيء. المفروض أن تنتج الشركة الكهرباء في ولاية نيفادا وتبيعها للمستهلكين، وتقول وزارة الطاقة إن المحطة موجودة وتعمل الآن.

خلاصة القول، إذا كانت هذه المشاريع ستقوم على أرجلها وتحقق أرباحاً في المستقبل، لماذا تحتاج الدعم الحكومي؟  أليس من طبيعة الاستثمار أن يستمثر المستثمرون أموالهم، ولا يحققوا أي شيء في البداية، ثم يحققوا أرباحهم لاحقاً؟ ولماذا تستثمر الحكومة في شركات خاسرة؟  والأنكى من ذلك كله، لماذا بيعت أغلب هذه الشركات المفلسة لشركات أجنبية؟

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • النفط بين بايدن وإيران!
  • إيران وأسواق النفط
  • زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي