
أوريت ملكا ستروك، هي اليوم وزيرة الاستيطان في حكومة إسرائيل. تولت منصب رئيسة كتلة “الصهيونية الدينية” في الكنيست السابقة. المعارضة، بأمر من نتنياهو، أدارت سياسة رفض كاملة: كل مشروع جاءت به الحكومة للتصويت اصطدم بسور، حتى لو كان مشروع حكومات اليمين.
في أحد الأيام القليلة الذي فتحت فيها نافذة للتوافق، طلب “الشاباك” إقرار بضع مواد حيوية لعمله. توجه مندوبو “الشاباك” إلى يريف لفين، فبعث بهم إلى رؤساء الكتل. عندما عرضت الطلبات على ستروك، وعدت: سندعم كل واحدة منها، لكن بشرط: بداية، إغلاق الدائرة اليهودية في “الشاباك”.
عملياً، عرضت عليهم صفقة: التصويت مقابل الإرهاب. لو أن نائباً من كتلة عربية تجرأ على طرح اقتراح كهذا لأخرجوه عن القانون، أما ستروك فهي القانون.
ما حصل ليل السبت في هوامش قرية برقة، حدث أهم بكثير مما يعزى له. الحقائق واضحة بالمبدأ: “عوز تسيون” بؤرة استيطانية غير قانونية، قامت شرقي رام الله. كان يفترض بالجيش الإسرائيلي أن يخليها، لكن عقب سيطرة سموتريتش على صلاحيات الحكومة في الضفة، بقي الإخلاء معلقاً واتسعت البؤرة وانتشرت. ليل السبت، أخرج المستوطنون قطيع غنم من البؤرة نحو أراضي برقة، مسافة كيلومتر تقريباً.
لماذا، يحن يهود – متدينون ظاهراً – للقطيع في ليل السبت بالذات؟ جواب محتمل: لأن الجنود والشرطة يخرجون في السبت إلى إجازة نهاية الأسبوع، ويمكن العربدة بدون عراقيل. هكذا كان قبل بضعة أسابيع في قرية أم صفا وأماكن أخرى.
صعد الرعاة والقطيع إلى أرض خاصة، على مسافة 250 متراً من منازل القرية. بضع عشرات من شبان القرية ردوا برشق الحجارة. حل مسألة ما الذي سبق، الحجر الذي أصاب المستوطن أم النار التي قتلت الفلسطيني، ينتظر نهاية التحقيق. يقدر الجيش الإسرائيلي أن النار كانت في نهاية الحدث، في محيط التاسعة مساء. السياسيون والمحامون يعرضون المستوطنين على أنهم ضحايا، بتعاون من الجيش الإسرائيلي. هذا جزء من الطقوس.
أما الآن فإلى الأمر الأساس: تعيين سموتريتش غيّر وظيفة البؤر الاستيطانية غير القانونية وعمليات الإرهاب اليهودي. عصر الشقاوة، والانحراف، وفتيان التلال الذين سئموا وهم يبحثون عن الحركة، هو عصر ولى وانتهى. لم يعودوا مرعيين أخطأوا، بل باتوا جنوداً نظاميين في جيش الرب. بات لأعمالهم من الآن فصاعداً أب هو بتسلئيل، وأم هي الحكومة. وثمة رؤيا وأداة تنفيذ. كل حدث هو مرحلة في تحقيق “خطة الحسم” التي ينتهجها سموتريتش.
كتب ماو الكتاب الأحمر؛ وكتب موسوليني البيان الفاشي؛ وكتب ماركس رأس المال؛ وكتب لينين “ما العمل”. أما سموتريتش فكتب “خطة الحسم”.
قبل كل شيء، تقول الخطة، سنضاعف السكان اليهود في “يهودا والسامرة”. وهذا ما يحصل الآن: وزير المالية يعطي المال؛ والوزير في وزارة الدفاع يعطي الأدوات؛ ونقيم بؤراً على كل تلة، وننكل بالسكان؛ بعد ذلك نفكك السلطة الفلسطينية: فلتكن فوضى، الفوضى جيدة لليهود؛ وعندها نفتح ثلاث إمكانيات أمام السكان: من يختار القتال يحبس أو يموت؛ ومن يختار الخروج يطرد؛ ومن يختار أن يكون تحت الدولة اليهودية يبقى، عديم الحقوق؛ أما نتنياهو فلا يبقى أمامه سوى القول: لم أنتبه، جررت، خدعني لفين. عندما منح المجرم السيطرة على الشرطة، ومنح السيطرة على اليهود في الضفة للمسيح، حينئذ كان ملزماً أن يعرف إلى أين يؤدي هذا. فقد أطلق العنان للإرهاب.
يجلس يوآف غالانت في الطابق الـ 14 في مبنى وزارة الدفاع؛ أما بتسلئيل سموتريتش والجهاز الذي بناه فيجلسان في الطابق الـ 15. يفصل بين وزير الدفاع وسموتريتش كل ما بني هنا في 75 سنة دولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي.
لا يدور الحديث عن الرموز فقط. كان يمكن للجيش الإسرائيلي أن يخلي بؤر الاستفزاز، خيمة هنا وخيمة هناك. لكن منذ أن أعطيت لسموتريتش الصلاحيات، بات ملزماً للجيش الإسرائيلي تثبيت ضرر أمني؛ وبدلاً من إثبات ضرر وإخلاء، بدا العكس هو الصحيح: تكثيف، وعناق، وتزويد الغزاة بكل ما ينقصهم وتشجيعهم على استفزاز السكان. إضافة إلى ذلك، يهينون الجيش وقادته. هذه هي ريح الإسناد التي يشكو منها قادة الجيش الإسرائيلي.
إرهابي يهودي في برقة لا يختلف جوهرياً عن إرهابي فلسطيني في تل أبيب؛ كلاهما يسعيان لإحداث الفوضى هنا، لتحقيق رؤياهما بالدم؛ وكلاهما يعولان على التشجيع من الحكم والشارع. الفرق هو في مصيرها المتوقع: الفلسطيني يقتل أو يحبس لباقي حياته، أما اليهودي فيتحرر. نتنياهو هو المسؤول، لأن ولايتهم في الحكومة تلوث إسرائيل كلها.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 7/8/2023