الآن بتنا نعلم لما قرر جونسون التنحي قبل أن يجبر عليه
2023-06-20
شون أوغرايدي
شون أوغرايدي

بوريس جونسون كاذب. والآن، أخيراً، أصبح ذلك رسمياً. وهو ليس كاذباً فقط، ولكنه كاذب له شخصية تاريخية وعالمية، ومحترف من الوزن الثقيل، يتمتع بكثير من المهارة والخبرة، فـ"كيف يفعل ذلك"؟ إن لكذبه قوة خارقة، [قد تدخل] كتاب غينيس للأرقام القياسية، [فهي] لا إرادية، ومرضية. إنه كاذب من النوع الذي لا يستطيع التوقف عن كذبه.

لو لم يستغن الخنزير الصغير الأبرص المطلي بالدهن [بحسب ما وصفه ديفيد كاميرون لمهارته في التهرب من المشكلات] عن مجلس العموم تماماً قبيل إعلان لجنة الامتيازات [التابعة للمجلس] تقريرها بخصوص حفلات الإغلاق (Partygate) لجمدت عضويته لمدة 90 يوماً. ولكانت تلك عقوبة هائلة تفرضها لجنة من السياسيين، التي ينتمي أغلب أعضائها إلى حزب المحافظين. كما أنها عقوبة غير مسبوقة إلى حد بعيد، وبالتأكيد لم تفرض على رئيس وزراء سابق. لقد كان محظوظاً لأنه لم يطرد من المجلس. وفي النهاية طرد نفسه أولاً، إذ قفز خارجاً تماماً في الوقت الذي صاروا مستعدين ليرموا به خارجاً.

وأي يكن، فهو لا يزال يتجه نحو المرحلة التي سيطويه فيها النسيان. هذا حقاً شيء لا يمكنه أن يعود منه للواجهة. في الواقع، باتت العودة بالمعنى الحرفي غير ممكنة، إذ إنهم أخذوا منه تصريح الدخول إلى البرلمان الذي أهدى إليه [ولرؤساء الوزراء السابقين] على سبيل المجاملة، لذلك لم يعد بإمكانه دخول البرلمان في قصر وستمنستر متى يشاء من دون إذن. إنه أمر يثير كثير من الدهشة. لا يوجد شفاء من هذا. لقد "انتهت اللعبة" كما نقل عنه.

الشيء الوحيد الذي يبرز على الفور هو أن وصمة العار التي كانت من نصيبه بلغت حداً يمكن لريشي سوناك - الذي لا بد وأنه سئم الاضطرار إلى التعامل مع الفوضى الدائمة لسلفه - أن يستغلها لتبرير طرد جونسون من حزب المحافظين. لكن سوناك لن يفعل ذلك بالطبع، لأنه ليس قوياً بما فيه الكفاية لمواجهة الواهمين في "لواء أعيدوا بوريس". بيد أن الفرصة سانحة الآن للبلاد والحزب لكي يقوما بالشيء الصحيح، ولإثبات أن سوناك يتمتع بالشجاعة للقيام بالشيء الصحيح.

إذا كان يريد أن يفرض سلطته على عصابة جونسون من مشاغبي الحزب، فإنه حانت الآن فرصة نادرة لذلك. من المؤكد أن سوناك لا يستطيع أن يطلق على كير ستارمر لقب "السيد الناعم" في الوقت الذي طرد فيه الأخير كوربين من الحزب بينما يترك هو جونسون حراً في الاستمرار بترويج نظريات المؤامرة [بارتياح لأنه] محصن نسبياً من العقاب. لقد انحدر جونسون، بطريقة شكسبيرية شبه مأساوية، من كونه أعظم ثروة لدى حزبه إلى أن يصبح أكثر أعبائه بشاعة.

لم يعد جونسون منذ فترة طويلة هو الظافر [الذي يفوز دائماً]. عندما يطلب الباحثون من أعضاء جماعات التركيز التحدث عن جونسون، ثم يقارنون النتائج، فإن الكلمة التي تبرز على الدوام مما يقولونه هي "كاذب". ولو كنت زعيماً لحزب، فإنك لن تريد أن يؤدي شخص من هذا النوع أي دور عام. في الواقع، كانت جوانب قصور جونسون الأخلاقي الواضحة عندما أرسل الوزراء عامداً متعمداً لكي يكذبوا من أجله بشأن كريس بينشر [نائب زعيم الأغلبية السابق لنواب حزب المحافظين والمتهم بالتحرش الجنسي الذي عين في الحكومة من دون تدقيق كاف]، هي السبب الحقيقي الذي دفع سوناك إلى الاستقالة من منصبه كوزير للخزانة قبل عام. وأطلقت [جوانب القصور هذه] سلسلة الأحداث التي أدت بنا إلى هذه الخاتمة المؤسفة. وكلما أسرع المحافظون بوضع جونسون خلفهم، كلما عجلوا بإنهاء الدراما النفسية والشروع في عملية إعادة البناء.

من المناسب أن اللجنة لم تهتم في هذه الحال باستعمال النوع المعتاد من العبارات البرلمانية الملطفة لوصف سلوك جناب الشريف المحترم. ومن الموثق حالياً أنه عوقب على "الازدراء المتكرر والسعي إلى تقويض العملية البرلمانية، من خلال:

  • تضليل مجلس العموم عمداً
  • تضليل اللجنة عمداً
  • انتهاك السرية
  • التشكيك في اللجنة وبالتالي تقويض العملية الديمقراطية لمجلس النواب
  • التواطؤ في حملة الإساءة إلى اللجنة ومحاولة ترهيبها".

بعبارة أخرى، فإن مثوله أمام اللجنة وهجماته السخيفة اللاحقة عليها على أنها تشكل مؤامرة لعكس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) جعلت الأمور أسوأ بالنسبة إليه. لقد كذب مرة تلو أخرى ليحاول تخليص نفسه من الشرك الذي نسجه لنفسه. ليست هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها جونسون المرء بإحدى الجمل غير المنمقة للرئيس ترومان عن أحد الذين خلفوه على الحكم، وهو ريتشارد نيكسون الشهير بأنه موهوب، ولكنه كاذب، إذ قال "ريتشارد نيكسون سافل كاذب لا جدوى منه ... يمكنه أن يكذب بطريقتين مختلفتين في الوقت نفسه، وحتى لو وجد نفسه يقول الحقيقة، فإنه يكذب فقط لممارسة المهارة والتدرب عليها من فترة إلى أخرى لكي يحسن أداءها".

أصدر البرلمان حكماً صادماً في حق جونسون. لكن من ناحية أخرى، استغل هو دائماً الميل البشري الطبيعي لتصديق ما يقال للمرء، في الأقل في معظم الأوقات. كان شعاره الخاص هو "إذا كنت في ورطة اكذب، واعمل على حلها لاحقاً". إنها طريقة فنية كانت تخدمه جيداً. وكما تظهر الأحداث التي أرخت بدقة أنه فعل الشيء نفسه مع زوجاته وصديقاته، وأساتذة مدرسته إيتون، ومع رؤساء التحرير الذين اشتغل لديهم، ومع كل زعيم حزب خدمه بشكل غير مخلص منذ مايكل هوارد، ومع الزملاء، والبرلمان، ومع البريطانيين عموماً بشأن البريكست، وبارتي غيت، وبينشر، وفضائح أخرى. لقد كذب على الملكة بشأن التعليق غير القانوني للبرلمان في عام 2019. ولكن الآن ثبت أن الحقيقة هي خصمه. وهو يستحق ذلك بشكل كامل.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ترمب مخطئ جدا بشأن "الناتو" ومصير الغرب شائك في حال فوزه  
  • محكمة كولورادو تمنح ترمب ما يريده تحديدا  
  • بريطانيا قد تعود إلى الحضن الأوروبي بصيغة فرنسية  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي