
“قبل سنة كانت تسيطر سرية واحدة فقط في هذه الجبهة. كان الجدار فالتاً ومثقوباً، أما اليوم فهناك أربع سرايا وبدأت إصلاحات الجدار تتسارع. لن ترى أشرطة فيديو عن اجتياز جماهيري. هذه أيام انتهت”، هكذا يعد بتفاؤل، المقدم راز شتاينبرغ، قائد كتيبة “ريشف” في لواء “منشه”، المسؤول عن قسم من جدار الفصل في منطقة طولكرم.
شتاينبرغ مسؤول بالإجماع عن نحو 30 كيلومتراً من الجدار. رافقناه وجنوده في نشاط ليلي. في أحد الجوانب بدت بلدات سهل “حيفر”، وفي الجانب الآخر مدينة طولكرم الفلسطينية. هو يوزع المهام على نحو 300 مقاتل: دوريات، استحكامات، كمائن ونقاط رقابة. لديه حوامات تعطي صورة وضع عما يجري في نقاط مختلفة في الجدار. ويشرح فيقول: “قبل سنة ونصف كان الآلاف يجتازون هنا. أما اليوم فيمر بنا أفراد. هذه حرب يومية من الصعب الوصول إلى إغلاق تام، ولكن هذا هو التطلع”.
سافرنا معه في جيب حتى مفترق الدخول إلى المدينة الفلسطينية. منذ وقت قصير مضى فقط، أمسك جنوده بعدد من الماكثين غير القانونيين في باص كان بعضهم أهدافاً لـ”الشاباك” في طريقهم لتنفيذ عمليات. “الجيش غير الصورة تماماً هنا”.
تغيير المعادلة
مرت سنة ونصف منذ سلسلة عمليات الإرهاب الفتاكة في قلب إسرائيل، التي أدت بجهاز الأمن للخروج إلى حملة “كاسر الأمواج”. الكثير من المخربين من تلك العمليات كانوا متسللين وصلوا عبر خط التماس المخترق، الذي أهمل على مدى السنين وأتاح عبور مئات الآلاف من الماكثين غير القانونيين إلى أراضي البلاد.
“مشكلة المتسلل لا تبدأ بالجدار”، يشرح مصدر كبير في الإدارة المدنية. الهدف الأول لجهاز الأمن كان تخفيض كمية الفلسطينيين الذين يصلون إلى الجدار. لهذا الغرض، في ظل التعاون الوثيق مع “الشاباك” نفذ نوع من “العينة” الاستخبارية لنحو 10 آلاف متسلل لأجل رسم صورة لهم. بعد تلقي المعطيات، تقررت خمسة تعديلات أساسية: الأول تغيير معيار العمل، فتبين أن معظم المتسللين هم بدون تصريح عمل، ومعظمهم شباب أبناء 25 – 35. “عقدنا عشرات الجلسات بالنسبة لتراخيص العمل، بعضها مع رئيس “الشاباك” نفسه، ونجحنا في تغيير المعايير”، يشرح المصدر إياه من الإدارة. حتى قبل بضعة أشهر كان معيار الحصول على تصريح عمل، وبالطبع على افتراض أن لا مانع أمنياً لك، هو فوق سن 22 ومتزوج، أو غير متزوج وفوق سن 35. بعد تدخل “الشاباك” تقرر تخفيض سن العزب للحصول على تصريح، إلى 27. ولهذا السبب، حسب معطيات جهاز الأمن من كانون الثاني 2023 أضيف 4 آلاف تصريح آخر بعد تعديل معيار السن. ثانياً، قرر جهاز الأمن السماح للشبان العزاب الحصول على تصريح عمل شريطة أن يكونوا يعملون مع آبائهم في العمل ذاته. “عندما يأتي الأبن الشاب مع الأب إلى المعبر ومعه في العمل، فإن الأب يأخذ الرعاية عليه. هذا وضع جيد للجميع. هو يخرج مع الأب صباحاً ويعود معه مساء. بعد هذا التغيير، أضيف من كانون الثاني 200 تصريح آخر. هذا مهم”، يروي الرائد حسام معدي رئيس مجال المعابر في الإدارة المدنية.
كما تقرر الشروع في حملة لإزالة مانع التصاريح للفلسطينيين؛ بمعنى أن المواطن الفلسطيني الممنوع منذ سنين من العمل في إسرائيل ثم غير نمط حياته أو لم يعد سبب المنع قائماً، يستحق التصريح الآن، بالطبع بعد فحص “الشاباك” وتبعاً لاعتبارات الأمن. إضافة إلى ذلك، جرى تنسيق مع أصحاب الأعمال التجارية في إسرائيل. وأخيراً تقرر أيضاً زيادة وظائف العمل. في مجال البناء مثلاً، اتسع السقف بـ 16 ألف تصريح، ويصل الآن إلى 80 ألفاً. في الصناعة والخدمات، اتسع السقف بـ 4.050 وظيفة ويصل الآن إلى 12.50.
“هذه الأعمال كلها خفضت عدد الفلسطينيين الذين يتسللون عبر الجدار. جئنا إلى الماكث غير القانوني إلى بيته ونحاول تغيير الموعد”، يشرح معدي هذه الخطوات. يجب أن يضاف إلى كل هذا التغيير الدراماتيكي الذي أجراه جهاز الأمن في المعابر نفسها، سواء في استخدام البطاقة الذكية التي من خلالها يعبر الآلاف في غضون دقائق أو تحسين مجال المعبر بحيث يستوعب كمية أكبر من العمال نسبياً.
جدار يغير الوعي
بعد جملة أعمال المنع، لا يزال آلاف الفلسطينيين يصلون إلى الجدار ويحاولون اجتيازه بشكل غير قانوني. أما الآن فالحديث يدور عن عشرات قليلة، أعداد مضحكة مقارنة بالوضع الذي كان على خط التماس قبل نحو سنتين. “كان هنا معبر دولي. اجتياز يقوم به الآلاف بمستويات من الصعب وصفها”، يشرح العقيد روعي ايتاح، رئيس شعبة “التماس” في فرقة “المناطق”، والذي تلقى وظيفة حماية الجدار. “الوضع اليوم تغير. اسأل السكان المجاورين للجدار وسترى الواقع”.
وإذا لم تكن واضحة قوة الجدار حتى الآن، فإليك بضعة معطيات: طوله نحو 525 كيلومتراً – من معبر الغور حتى جدول “حيفر” في الجنوب، بما في ذلك غلاف القدس. نحو 350 كيلومتراً منه على هيئة جدار. ونحو 130 كيلومتراً بهيئة سور، أما الباقي فعائق برّي أقامه الجيش الإسرائيلي. بالإجمال، يوجد نحو 4 آلاف مقاتل ينتشرون على الجدال وينفذون فيه مهام دفاعية. ويشرف الجيش و”الشاباك” وحرس الحدود والإدارة المدنية وإدارة المعابر، على كل هذا.
وفقاً لأرقام الجيش، منذ مشروع إغلاق الثغرات في الجدار، انخفضت كمية الماكثين غير القانونيين من نحو 40 ألف متسلل في اليوم إلى عشرات حتى بضع مئات.
قمنا بجولة مع ايتاح في معبر “هلا”، الذي يمر عبره آلاف الفلسطينيين يومياً. “موجة العمليات القاسية هي التي أدت إلى القرار الدراماتيكي في الجيش على تعزيز 12 كتيبة لقيادة المنطقة الوسطى، بالتوازي مع تغيير متطرف في الفكر في النظرة إلى مجال خط التماس. ويتضمن هذا إقامة العائق في منطقة الجنوب، وإقامة سور في الشمال، وتكثيف وإصلاح الجدران على طول الخط، وبالطبع زيادة كبيرة للقوات على الجدار. هذا عمل بحجم لم يشهده الجيش من قبل. يستثمر هنا مئات الملايين. دراما حقيقية”، يشرح المقدم ايتاح.
فضلاً عن ذلك، فإن شعبة تحقيقات واستخبارات خاصة أقيمت في حرس الحدود لغرض التحقيق مع متسللي الجدار دخلت هي الأخرى إلى الصورة بكل القوة. “هذه صناعة حقيقية. ثمة شبكة من خلف كل متسلل، من المهربين، والمسفرين، أولئك الذين يستقبلونه بعد أن يتجاوز. هذه تفاصيل استخبارية لم يعن بها أحد من قبل”، يشرح ميخائيل مور، منسق تحقيقات في حرس الحدود في “المناطق”. “اليوم كل جندي على خط التماس بإمكانه أن يصادر سيارات المسفرين في الموقع. نحن نغلق دائرة بسرعة شديدة”.
والسكان أيضاً الذين خاضوا صراعات ضد الواقع الذي لا يطاق لعبور الماكثين غير القانونيين في الجدار يشعرون بالفرق. “لا شك أن الوضع هنا تغير دراماتيكياً. وكأننا عدنا إلى الواقع الذي كنا فيه قبل ثلاث أو أربع سنوات. هناك وعي جدار”، يصف ألون إيدان، رئيس لجنة الأمن في “كيبوتس بحن”، ويضيف: “عندنا كتيبة من المدفعيين تعمل كل الوقت، وهذا يخلق ظواهر عمليات مضادة أخرى لم تكن معروفة لنا، مثل إطلاق النار نحو القوة من داخل المنطقة وأعمال إخلال بالنظام. النار مقلقة جداً بالطبع، ولسنا معتادين على هذا. لكن يوجد هنا قوات ويبدو أنها تأخذ الموضوع بجدية. لكن السؤال الكبير هنا هو: ماذا سيكون بعد سنة. هل سيتراجع الجميع ليعودوا إلى نقطة البداية أم أن الواقع سيتغير حقاً؟”.
لقد اجتاز الدفاع عن جدار التماس تغييراً، لكن يكفي أن يجتاز الجدار مخرب واحد – والخطر واضح. في هذا الموضوع تنقسم محافل الأمن، وهناك من يدعي بأنه لن يكون ممكناً الوصول إلى صفر متسللين. بالمقابل، يدعي المقدم شتاينبرغ أنه يمكن خلافاً ذلك: “أقول إن هذا ممكن. نحن نختبر كل أسبوع. كل قائد كتيبة يرى كم اجتاز في جبهته. مثلاً، اجتاز بضع عشرات عندي لم نتمكن من الإمساك بهم، وهذا يؤلمني. أشعر أننا لم ننفذ المهمة كما ينبغي. لكن إذا تطورنا وتعمقنا في المهمة فيمكننا الوصول إلى صفر متسللين”. رغم التغيير الجوهري، من المهم أن نذكر بأن سنوات طويلة أتاح الجيش ودولة إسرائيل بالصمت عبور مئات آلاف الفلسطينيين كل يوم إلى أراضي إسرائيل. فقد تربوا على فهم بأن هذا الأمر ممكن، وأنها مصلحة إسرائيلية. على مدى السنين، أهمل الجيش التماس، وخفف القوات، ولم يعن بالمعاني الأمنية. المعابر هي الأخرى كانت مهملة، والفلسطينيون الذين يمرون كانوا يحشرون في ظروف صعبة. السؤال الكبير هو: هل سيبقى شيء ما من وعي الجدار الجديد هنا في 2025، أم سنجد أنفسنا مرة أخرى في وضع مقلق من التسلل مع اشتباه كبير بالعمليات؟
اليشع بن كيمون
يديعوت أحرونوت 1/6/2023