ماذا وراء قبول "الجهاد الإسلامي" وقف إطلاق النار؟
2023-05-14
كتابات عبرية
كتابات عبرية

بعد جهود عديدة، بدا أمس (السبت) أن المخابرات المصرية نجحت في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بعد مرور ما يقارب خمسة أيام من القتال. من ناحية رسمية، كان من شأن وقف إطلاق النار أن يدخل إلى حيز التنفيذ في الساعة 22:00. ولكن خلال هذه الساعة أطلقت صواريخ من القطاع نحو منطقة “سديروت” ومستوطنات غلاف غزة- وكذلك أطلق صاروخ باتجاه وسط البلاد- بما بدا وكأنه محاولة من الجهاد لإيقاع الضربة الأخيرة في جولة اللكمات المتبادلة.

طوال نهاية الأسبوع، علقت إسرائيل آمالها على المخابرات المصرية على أمل أن تنجح في التوصل إلى وقف إطلاق نار، وأن يصمد هذا الوقف بعد دخوله حيز التنفيذ. للمفارقة، فإن سلسلة النجاحات العملياتية التي سجلت حتى الآن في عملية “الدرع والسهم” والتي تم في أساسها اغتيال ستة من كبار قادة “الجهاد” في القطاع، صعّبت التوصل إلى اتفاق. كبار قادة التنظيم الذي هم في بيروت، بحثوا عن إنجاز عملياتي خاص قبل انتهاء القتال، ولم يروا أنهم مضغوطون لإنهائه. ليس هذه هي المرة الأولى، التي كان يبدو أن من الأسهل على إسرائيل البدء بعملية عسكرية في غزة من إنهائها.

إسرائيل، ورغم تفوقها العسكري الواضح، والضرر المحدود الذي ألحقه “الجهاد” بها، فقد وجدت صعوبة في إملاء استراتيجية إنهاء العملية، بتوقيت وشروط تناسبها. لقد كان واضحاً لإسرائيل أنه لم يعد هنالك الكثير مما تكسبه من مواصلة العملية، وكلما طالت ستضيق فرص العثور على أهداف في غزة وضربها، وستزداد المخاطرة بإصابة بمدنيين فلسطينيين. هذا هو السبب الذي من أجله أوصى كبار قادة الجيش و”الشاباك” الحكومة الخميس بالسعي لوقف إطلاق النار. وعلى الصعيد السياسي، كان يكمن في استمرار المعركة خطر على متخذي القرارات- فمواصلة إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية كان من شأنه أن يفقد صبر الجمهور ويقلص دعمه لخطوات الحكومة.

ولكن مفتاح وقف النار لم يكن بالضرورة بأيدي إسرائيل. ربما استخلص “الجهاد” عبراً من الجولة السابقة التي استمرت ثلاثة أيام، وهي عملية “بزوغ الفجر” في آب الماضي، وأرادوا الاستمرار في المواجهة لفترة ما أخرى. وبدون أن ينجحوا في إلحاق خسائر كثيرة في الجانب الإسرائيلي، فإن القدرة على مواصلة الصمود في مواجهة من إسرائيل يمكن أن تعتبر إنجازاً بحد ذاته.

“الجهاد” تنظيم صغير وذو أيديولوجيا متطرفة، وليس له سيطرة مدنية في القطاع أو التزام بسلامة سكانه. وقراراته الرئيسية تتخذها قيادته في بيروت، والتي كما يبدو أصغت حتى أمس لكبار قادة “حزب الله” ورجال الحرس الثوري الإيراني، أكثر مما كانت قلقة من المعاناة الإنسانية المتزايدة في القطاع. حتى وإن سقط 20 في المئة من الصواريخ التي أطلقتها “الجهاد” حتى الآن في القطاع، وألحقت أضراراً وخسائر في الأرواح فيها أكثر مما ألحقت في إسرائيل، فقد كان لـ”الجهاد الإسلامي” حافز للمواصلة والتمسك بنموذج حرب الاستنزاف. هكذا نتج أن إسرائيل ورغم النجاح العملياتي الأول، كانت مأسورة حتى مساء أمس في فخ صعب على إنهاء العملية، وأثر بدرجة ما أيضاً على إيجاد مخرج للوضع الاستراتيجي العام في غزة.

ما لم تنجح الحادثة في فعله حتى الآن هو جر فصائل أخرى إلى المعركة أو إشعال النار في ساحات أخرى حول إسرائيل. من المريح لحماس أن يشتبك “الجهاد” مع إسرائيل وتلحق به أضراراً. لم تظهر طوال أيام القتال إشارات تدل على أن التنظيم الأكبر ينوي المشاركة النشطة في الجولة الحالية من القتال. لقد كان من شأن هذا أن يتغير، خصوصاً لو أصيب عدد كبير من الفلسطينيين خلال العملية.

 

حتى الآن، لا يوجد إشارات لتصعيد في القدس والضفة الغربية أو على الحدود اللبنانية والسورية، وعلى حدود الخط الأخضر. والاهتمام الدولي بما يحدث في غزة ليس كبيراً. شبكة تلفزيون “الجزيرة” التي تبث من قطر، تكرس فترات بث طويلة للمواجهة في غزة، ولكن وسائل الإعلام الدولية بمعظمها ما زالت منشغلة بقصة إخبارية تبدو أكبر بكثير، وهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

بنى جهاز الأمن على شبكة العلاقات القريبة جداً التي نسجت بين رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، والأمين العام لـ “الجهاد” زياد النخالة، ولكن شبكة العلاقات هذه لم تثمر عن نتائج سريعة. في اليوم الأخير وبما يبدو كمناورة حرب نفسية، بدأ من اختفى خلف لقب سياسي كبير في إسرائيل بتوجيه إصبع اتهام لحماس التي بذلت محاولة لتبرئتها من كل مسؤولية عما يحدث. الادعاء الإسرائيلي الجديد يقول إن “الجهاد”، بمساعدة إيران، يتعزز على حساب نظام حماس في القطاع، وأن استمرار القتال يعكس ضعف سيطرة لحماس على ما يجري هناك.

يصعب تصديق أن هذا اللوم القادم من إسرائيل سيقنع حماس في إعادة فحص نهجها. إذا حقاً تم التوصل هذا المساء إلى اختراقه، فهذا لم يحدث بفضل تهديدات إسرائيل لحماس. الإشارات الواعدة التي ظهرت في الساعات الأخيرة، إذا ما تحققت، فإنها ترتبط بضغط مارسه المصريون في القاهرة والذي يستضاف فيها عدد من كبار أعضاء المكتب السياسي لـ”الجهاد الإسلامي” في غزة. في الوقت نفسه، ركز جهوده أمام النخالة ونائبه أكرم عجوري في بيروت. يبدو أن هذه الاتصالات أثمرت هذا المساء وللمرة الأولى، ولكن الاختبار الحقيقي سيكون على الأرض، طوال ساعات الليل والصباح، عندما يتضح ما إذا كان “الجهاد الإسلامي” نفذ وعوده لمصر وأوقف النار بصورة مطلقة.

عاموس هرئيل

هآرتس 14/5/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  
  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي