ماذا تعني نتائج الانتخابات المحلية للأحزاب البريطانية الرئيسة؟
2023-05-11
أندرو غرايس
أندرو غرايس

كيف تنعكس نتائج الانتخابات المحلية في إنجلترا على حزب المحافظين، وحزب العمال، والليبراليين الديمقراطيين؟ منتقدو ريشي سوناك داخل الحزب وكما كان متوقعاً اغتنموا فرصة إصدار الناخبين البريطانيين حكمهم الأول عليه كرئيس للوزراء، للاستدلال على أن مشروعه قد فشل في تحقيق المطلوب منه.

على رغم أن النتائج جاءت أسوأ مما كان يتمناه المحافظون، فإن منتقدي سوناك مخطئون: فهو نجح في تغيير التوجه العام، وبدأ بتقليص التقدم الذي تمتع به حزب العمال في استطلاعات الرأي من 20 نقطة إلى 15 نقطة. ولا يمكن توجيه اللوم إلى الناخبين في العقاب الذي أنزلوه بحزب المحافظين بسبب الفوضى التي خلفتها في البلاد كل من إدارة بوريس جونسون وليز تراس، فهم لم يقصدوا معاقبة رئيس الحكومة سوناك.

مشروع ريشي سوناك لتغيير الأوضاع هو لا محالة بطيء التنفيذ ــ وربما هو بطيء جداً لقطف ثماره مع اقتراب موعد الانتخابات العامة العام المقبل. لهذا السبب فإن نتائج هذه الانتخابات من شأنها أن تؤجج أول أزمة يشهدها حزب المحافظين في ظل زعامته. ستمارس الضغوط من دون شك على سوناك كي يغير سياسته بدلاً من استكمالها كما هي عليه اليوم ــ أي التمسك بإصرار في محاولته الوفاء بوعوده تنفيذ "أولوياته الخمس" التي روج لها كثيراً في مجال معالجة الأوضاع الاقتصادية، وهيئة خدمات الصحة الوطنية NHS، والعمل على وقف وصول قوارب المهاجرين.

وسيحشد يمين حزب المحافظين كوادره في المؤتمرين الحزبيين المتوقعين في الأسابيع المقبلة ــ أحدهما يقلد أسلوب وترويج "المحافظين القوميين" national conservatism في الولايات المتحدة، والمؤتمر الثاني تنظمه "منظمة المحافظين الديمقراطيين" Conservative Democratic Organisation وأمين عامها ديفيد كامبل بانيرمان، الذي قال إن المؤتمر لا يهدف إلى "إعادة بوريس من جديد" Bring back Boris، لكنه كشف عن هدف الجماعة الأساسي عندما قال إن إعادة استدعاء بوريس جونسون أمر لا يجب استبعاده بالكامل.

لكن، أولئك المحافظين الذين ما زالوا يحلمون بإطاحة رئيس الحكومة سوناك، عليهم أن يقلعوا عن الأمر، لأن ذلك لن يحدث. وقال لي أحد الوزراء السابقين في الحكومة إنه "من غير الممكن أن نغير القائد مرة أخرى قبل موعد الانتخابات... حتى ولو انتهى بنا المطاف بالفشل في إيصال أي من مرشحينا إلى المجالس البلدية، هذا أمر لن يحدث أبداً".

وأبلى حزب العمال بلاءً حسناً في الانتخابات المحلية الأخيرة في إنجلترا، لكن ربما لم يحقق الحزب النتائج التي كان يتمنى ضمنياً تحقيقها. ويمكن لزعيم حزب العمال كير ستارمر أن يدعي أنه على السكة للوصول إلى رئاسة الحكومة، وهو لا يواجه حالياً انتقادات علنية من داخل صفوف الحزب كتلك التي وجهت إلى سوناك. باستطاعة الحزب الإشارة إلى التقدم الذي أحرزه في عدد من المقاعد الأساسية المستهدفة في الانتخابات العامة المقبلة.

أحد حلفاء ستارمر قال لي أخيراً، "نحن نحقق التقدم في المناطق الصحيحة. أنا لا أرى كيف يمكن لحزب المحافظين أن يستعيد مواقعه بعد هذا التراجع". على رغم أنه لم تجر أي انتخابات محلية في اسكتلندا، فإن أزمة الحزب القومي الاسكتلندي SNP، أسهمت في تحسين فرص حزب العمال ليحقق بعض النتائج الإيجابية هناك العام المقبل، مما يخفض عدد المقاعد التي على الحزب الفوز بها في إنجلترا لتحقيق الأغلبية والفوز في السلطة [في البلاد].

على رغم ذلك، تبدو نتائج الانتخابات المحلية وكأنها تؤكد الصورة بأن حزب العمال يستفيد أساساً من المشاعر المعادية لحزب المحافظين، بدلاً من كسبه دعماً إيجابياً. نحن لا نعيش فترة مشابهة لعام 1995، عندما كان حزب العمال يحقق نتائج بزعامة توني بلير أفضل من النتائج التي يحققها ستارمر حالياً. بعد ثلاثة عشر عاماً من حكم حزب المحافظين، لم يتمكن ستارمر حتى الآن من استخدام الشعار والسلاح القوي المتوفر لديه وهو "حان وقت التغيير".

يحتاج الناخبون إلى فكرة ملموسة عن كيفية قيام حزب العمال بتحسين وضعهم المعيشي ويحتاج ستارمر إلى مواجهة شكوك الناخبين بخصوص شكل زعامته المستقبلية. نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "مور إن كومون" More in Common على عينة تركيز تعكس آراء الناخبين البريطانيين، أظهرت أن أداء ستارمر تحسن خلال العامين الماضيين، لكن ذلك التحسن كان "تحولاً في النظرة تجاهه من سلبية إلى لا مبالاة".

ويبدو أن الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمثله ستارمر، هو كونه "ليس كوربين"، لكن هناك أسئلة مكررة حول ماهية القيم التي يدافع عنها، كما أن الناخبين ما زالوا يرون أنه يركز إجمالاً على معارضة الحكومة وتوجيه الانتقادات إليها.

في مجالسهم الخاصة، رحبت مصادر قريبة من صنع القرار في حزب العمال بالأداء القوي لحزب الليبراليين الديمقراطيين في انتخابات الخميس الماضي المحلية، لأن الليبراليين الديمقراطيين عادة ما يقضمون من كعكة المؤيدين الطبيعيين لحزب المحافظين. وباستطاعة زعيم الليبراليين الديمقراطيين إد دايفي، لعب دور حيوي في العمل على إقصاء المحافظين في انتخابات العام المقبل، فيما يبدأ الناخبون في الاعتياد على ما يعرف بالتصويت التكتيكي [معاقبة الناخبين حزبهم بالتصويت لخصمه السياسي]، والذي كان عاملاً مهماً مساعداً في تحقيق توني بلير انتصاراً ساحقاً على المحافظين عام 1997.

لا يود دايفي أن يعترف بأن هناك، حتى وبشكل غير رسمي، أي اتفاقية مع حزب العمال، لأن من شأن ذلك أن يخيف بعض الناخبين المترددين المؤيدين للمحافظين، والذين قد لا يودون أن يساعدوا، ولو بشكل غير مباشر، حزب العمال، ولكن بالتأكيد، هناك تفاهم بين ديفي وستارمر بعدم عرقلة أحدهما الآخر في الدوائر الانتخابية حيث سيكون لأحد الطرفين فرصة واضحة لإلحاق الهزيمة بمرشح حزب المحافظين بشكل منفرد. ويجب أن يقلق هذا الأمر حزب المحافظين.

عموماً، إن نتائج الانتخابات البلدية المحلية تشير إلى أن على حزب العمال أن يحقق نتائج أفضل كي يكون واثقاً من الفوز، والحصول على أغلبية واضحة في انتخابات العام المقبل. إذا انتهت الانتخابات بعدم حصول أي من الأحزاب على أغلبية فإن برلماناً معلقاً سيكلف غالياً. لو حدث ذلك، قد يكون حزب العمال الحزب الحائز على أكبر عدد من المقاعد، ولكن حتى لو نجح المحافظون في منع ذلك من الحصول، فإنه ربما لن يكون لديهم أي شريك محتمل لتشكيل حكومة ائتلافية معه.

إذاً، إن ستارمر يبدو الزعيم الأرجح لتبوؤ رئاسة الوزراء المقبلة، ولكن ربما نكون في طريقنا نحو حكومة أقلية عمالية، حيث لن يكون ستارمر قد عقد صفقة مع حزب الليبراليين الديمقراطيين أو مع الحزب القومي الاسكتلندي، ولكنه سيكون عندها مضطراً إلى الاعتماد على دعم الحزبين في أي عملية تصويت برلمانية مفصلية.

إن حال عدم اليقين الذي قد يخلفه ذلك السيناريو قد يقلق الكثير من الناخبين (وأيضاً قطاع عالم الأعمال) لذلك فإن المهمة المستعجلة التي على ستارمر القيام بها هي الإيحاء بأن تسونامي التغيير لا مفر منه، تماماً كما فعل رئيس الحكومة السابق توني بلير قبل انتخابات 1997 العامة. وهذا الأمر لم يحصل بعد.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ما زلنا ندفع ثمن أخطاء جونسون في "بريكست"، والاتحاد في خطر
  • هوس سوناك بمشروع الترحيل إلى رواندا يؤدي إلى انقسام حزبه
  • سوناك أمام خيارات انتخابية صعبة






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي