
تشكيل الحكومة الـ 37 التي تضم عناصر قومية ودينية تعد مناهضة للعرب وعديمة التمثيل العربي، في جانب النهج الذي ينعكس في قسم من الاتفاقات الائتلافية ومثلها الإصلاح الواسع في جهاز القضاء – كلها دفعت المجتمع العربي في إسرائيل وزعمائه إلى الوعي بأن هذا يعد تحدياً لهم أيضاً.
يرى الجمهور العربي المخاوف على مكانتهم ومستقبلهم كأقلية واضحة، وتجد لها تعبيراً واضحاً في الشبكات الاجتماعية، ولا سيما في أوساط الشبان (أعمار 20 – 35) والذين في معظمهم مدينيون ومتعلمون. هذا خطاب مفزع للغاية، ويتميز بالقلق من تشريع قانوني تمييزي ضد العرب وسحق حقوقهم الخاصة والعامة. كما يتم التعبير عن الخوف من تعميق التفرقة في توزيع مقدرات الدولة، بما في ذلك الإبطاء في تنفيذ الخطط الخماسية لتطوير وتنمية المجتمع العربي ومكافحة الجريمة، وتوجيهها إلى مشاريع في المدن المختلطة وإلى الاستيطان اليهودي في النقب والجليل. كما يتم الإعراب عن القلق من المس في تقديم الخدمات بشكل متساوٍ للمواطنين العرب، إلى جانب القلق من تقليص حرية التعبير في المجال العام بما في ذلك منع رفع أعلام فلسطين.
على المستوى السياسي، هناك تعبير عن القلق من تراجع الاعتراف بشرعية الصوت العربي وبمشاركة العرب في الائتلاف الحكومي في ظل عرض مشاركة “الموحدة” في الائتلاف السابق كمحاولة فاشلة. يتعاظم التخوف من إخراج أحزاب ونواب عرب عن القانون من خلال تعريفهم كـ “مؤيدين للإرهاب”. وذلك بخاصة في ضوء الإمكانية المتكررة للتدهور الأمني على خلفية مسائل حساسة مثل القدس والأماكن المقدسية. من شأن هذه أن تؤدي إلى أعمال إخلال بالنظام ونشاطات احتجاج متبادلة، كفيلة أن تتضمن أعمال عنف متطرفة من الطرفين.
تخوف من المس بنسيج الحياة ونشوء ميول انعزالية
في استطلاع معهد بحوث الأمن القومي الذي نشر في كانون الأول 2022، تبين أن 63 في المئة من العرب أجابوا بأن العنصر الإسرائيلي في هويتهم أهم من العنصر الفلسطيني، وأعرب معظم المجيبين عن رغبتهم في الانخراط في المجتمع والدولة. نحو 80 في المئة من المشاركين العرب في الاستطلاع يؤيدون دمجهم السياسي وإقامة حكومة تضم أحزاباً عربية. ومع ذلك، رغم التمسك بنهج الاندماج الذي يشارك فيه الجمهور اليهودي في معظمه أيضاً، فإن 61 في المئة من المستطلعين العرب أعربوا عن إحساس بالاغتراب واعتقدوا أن اليهود يرون فيهم مواطنين ليسوا متساوي الحقوق أو كأعداء محتملين. نحو 73.5 في المئة من الجمهور العربي أعرب عن ثقة متدنية حتى متوسطة بالحكومة. كما تبين من الاستطلاع بأن الموضوع الذي على رأس سلم الأولويات للمعالجة من قبل الحكومة هو القضاء على الجريمة والعنف في المجتمع العربي، فيما أن نحو نصف المستطلعين العرب شهدوا على أن إحساس الأمن الشخصي لديهم قل في الفترة الأخيرة.
نحو 73 في المئة من الإسرائيليين يهوداً وعرباً على حد سواء، أشاروا في الاستطلاع إياه إلى أن على إسرائيل أن تستثمر في مواطنيها العرب بهذا القدر أو ذاك. هذا المعطى المهم يجب أن يكون أساساً لنهج الحكومة الجديدة. فالتوزيع غير المتساوي للمقدرات والميزانيات والتمييز المؤطر من شأنهما أن يتسببا بنشوء ميول انعزالية في أوساط المجتمع العربي، بما فيها انخفاض مستوى الدافعية لطاعة قوانين الدولة وأداء الواجبات المدنية والامتناع عن التصويت للانتخابات للكنيست. مثل هذا الميل من شأنه أن يتسبب في تعزيز قوة المحافل المتطرفة في المجتمع العربي، والتي هي محدودة نسبياً على أي حال.
ليس واضحاً بعد في هذه المرحلة ما ستكون عليه سياسة الحكومة الجديدة تجاه المجتمع العربي. فالتجربة تفيد بأن علاقات المجتمع العربي مع الدولة والأغلبية اليهودية في داخلها، دينامية ومتأثرة، من السياسة التي تؤدي إلى تحسين أو تراجع في رفاهه وفي وضعه الاقتصادي، وكذا بمدى انخراطه في المجتمع والسياسة. الخطوة الوحيدة التي اتخذت حتى الآن كانت نقل سلطة تنمية المجتمع العربي من وزارة المساواة الاجتماعية إلى ديوان رئيس الوزراء. نأمل في أن يكون في هذا مساهمة في زخم تنفيذ الخطط الخماسية. وكما يذكر، فحكومة نتنياهو هي التي بادرت وفعلت الخطة الخماسية لتطوير المجتمع العربي (كانون الأول 2015)، بحجم نحو 10 مليارات شيكل.
هذه السياسة خربتها الحكومة السابقة (في تشرين الأول 2021) بشكل واضح. وكبديل، إذا ما تم تبني سياسة ضيقة أو سياسة تعد كإقصاء للمجتمع العربي، فقد يحصل تراجع في السياقات الإيجابية المذكورة ومس بنسيج حياة العرب واليهود في الدولة: تطرف المواقف في المجتمعين وتعميق إحساس اغتراب العرب تجاه الدولة والأغلبية اليهودية.
المعضلة في الجمهور العربي حول طرق الرد والعمل
تتابع الأقلية العربية وقيادتها تصريحات وقرارات الحكومة الجديدة وإجمالاً تتخذ نهج الانتظار المتحفز. يتضح في أوساط العرب تردد وميل للامتناع عن الانضمام للكفاح الجماهيري للحفاظ على جهاز القضاء والديمقراطية الجاري هذه الأيام. من جهة، يدركون بأن الإصلاح المتوقع في جهاز القضاء سيمس بهم أيضاً، ولهذا فمن الصواب الانضمام إلى الاحتجاج ضده؛ ومن جهة أخرى، فإن الفهم بأن الكفاح معد للدفاع عن الديمقراطية اليهودية التي تعتبر في نظرهم بعيدة لهم كأقلية قومية، يضع على ذلك علامة استفهام. يشار في هذا السياق إلى أن تعبيرات واسعة من الغضب تسجل تجاه حركات الاحتجاج اليهودية التي تحاول بعضها إقصاء العرب عن مظاهرات الاحتجاج. يرى الشبان العرب في الطلب منهم الامتناع عن رفع أعلام فلسطينية محاولة لإلغاء هويتهم القومية. ويتبين في خطاب الشبكات بوضوح إحساس الاغتراب من جانب الشبان العرب في الوقت الذي يرى فيهم اليمين اليهودي “مخربين” أو “مؤيدي إرهاب” بينما يريدهم اليسار شريطة أن يزيلوا عن أنفسهم هويتهم القومية الفلسطينية، وهو شرط ليس مقبولاً أو ممكناً.
لقد اكتفى أعضاء لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية حتى الآن بإطلاق كتاب لرئيس الوزراء حذروا فيه من آثار إجراءات الحكومة المخطط لها ومن سياسة وزير الأمن القومي وطلبوا اللقاء به. هذا الطلب بحد ذاته يشير إلى نهج براغماتي. بالمقابل، فإن زعماء الأحزاب العربية وإن أطلقوا نداء للمشاركة في الاحتجاج ضد نوايا الحكومة إحلال تغييرات بعيدة الأثر في جهاز القضاء ووصلوا بأنفسهم إلى المظاهرات، لكنهم امتنعوا عن تنظيم عملي لتجنيد المواطنين العرب للأحداث. وقد عمل رؤساء منظمات المجتمع المدني العربي بشكل مشابه أيضاً.
رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام “حداش”، النائب أيمن عودة، دعا إلى تصعيد الكفاح ضد مخططات الحكومة الجديدة، وخوضه على المستوى الشعبي والسياسي والقانوني والبرلماني، بل والدولي. وهو يرى في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفي الحاجة إلى إنهاء الاحتلال جزءاً من الكفاح في سبيل الديمقراطية، ومستعد للتعاون مع أحزاب اليسار والوسط اليهودية. رئيس “الموحدة”، النائب منصور عباس، يعتقد أن هناك توافقاً عاماً في الجمهور العربي ضد خطط الحكومة، ويقترح بلورة استراتيجية كفاح جديدة ضدها. اقتراحه لأحزاب المعارضة هو ترك المنصة لمنظمات المجتمع المدني من الطرفين لتنظم وتقود المظاهرات.
تنطلق في الجمهور العربي أيضاً نداءات للأحزاب العربية لفهم حجم الساعة والخطر، وتسوية الخلافات الداخلية بينها، وإعادة توحيد الصفوف، وبناء معارضة مشتركة مع أحزاب اليسار والوسط اليهودي. في هذه المرحلة، يبدو أن هذا النداء لا يؤدي إلى تغيير في المواجهة القاسية القائمة بين “الموحدة” و”حداش” وأعضائها في القائمة المشتركة، حتى لو لم تكن إمكانية تغيير في هذا الموضوع لاحقاً مستبعدة.
الخاتمة والتوصيات
إن تغييراً محتملاً في طبيعة النظام الديمقراطي في الدولة قد يؤدي إلى تفاقم في العلاقات مع الأقلية العربية. وتعرب أوساط الأقلية وقيادتها عن مخاوف شديدة من الإساءة في موقف الحكومة الجديدة منها ومن خلق أجواء إقصاء تجاهها. هذه التطورات قد تشجع مع الوقت ميولاً راديكالية، بل وانعزالية في أوساط الأقلية العربية.
ولكن تغيير الحكم لا يغير القول الذي اعترفت به حكومات اليمين والوسط – اليسار في الماضي، بأن تقدم وانخراط العرب في حياة المجتمع والاقتصاد والسياسة في الدولة هو مصلحة ذات أهمية قومية عليا لحصانة إسرائيل الاجتماعية، الاقتصادية والأخلاقية.
على خلفية كل هذا نوصي بالتالي:
-الامتناع عن التمييز على خلفية إثنية وعن مبادرات تشريعية تستهدف الإقصاء السياسي والاجتماعي في ظل إعطاء مساواة في قدرة الوصول إلى المقدرات والفرص في سوق العمل.
-تنفيذ الخطط الخماسية لتنمية وتطوير المجتمع العربي ومكافحة العنف والجريمة بالتعاون مع القيادات العربية ومع ممثلي المجتمع المدني العربي.
-الامتناع عن الخطاب الإقصائي المحرض والعنصري، وعن التصريحات التي تشكك بولاء العرب للدولة.
-تشجيع اندماج الجمهور العربي الذي يشكل نحو 20 في المئة من عموم السكان في حياة المجتمع والدولة والتعاون معه كمتساوٍ وشريك في الأوقات العادية وفي الطوارئ.
هذه التوصيات بمثابة واجب أساسي للدولة الديمقراطية تجاه مواطنيها. وتبنيها سيساهم في تحسين العلاقات بين الأقلية العربية والأغلبية اليهودية ويساعد في إضعاف المحافل المتطرفة القائمة في أوساطهم. ولها معنى في رؤية إسرائيل كدولة ديمقراطية متنورة تساهم في تثبيت مكانتها في الأسرة الدولية وفي نظر الإدارة الأمريكية.
بقلم: افرايم لفي، محمد وتد، اوريت بارلوف، موران ايتش، مئير الران
نظرة عليا 22/2/2023