إلى قضاة "العليا": أليس من الأجدر أن تحاكموا "عراب الفساد" نتنياهو قبل درعي؟
2023-01-19
كتابات عبرية
كتابات عبرية

تصرف غيدي فايس في هذا الأسبوع مثل الطفل في أسطورة أندرسون، عندما احتاج إلى تدخل بنيامين نتنياهو الشخصي في الدفع قدماً بـ “الإصلاح” القانوني الفاسد. في المقال الذي نشره في “هآرتس” في 16/1، أشار فايس إلى الفيل الموجود في الغرفة. لقد ذكر اسم صاحب حلم الدمار والخراب لإسرائيل كدولة ديمقراطية، وكتب بضع جمل سيكون من الصعب على قضاة المحكمة العليا التهرب منها: لقد حان الوقت لفحص أهلية نتنياهو. لقد حان الوقت لفحص أقوال المستشار القانوني السابق، افيحاي مندلبليت، بأنه يجب عدم حجة عدم أهلية استبعاد نتنياهو في الأداء في ظروف معينة. لقد حان الوقت لفحص انشغال نتنياهو بشؤونه القضائية لكونه متهماً بمخالفات جنائية.

  هذه الأقوال مطلوبة بالتأكيد في دولة يحلق فوقها خطر الفوضى، بالتأكيد عندما يقدم نتنياهو نفسه المزيد والمزيد من الأسباب للقيام بهذه الخطوة الدراماتيكية. لقد حان الوقت لخروج المتهم الأكبر في الدولة، أبو وأم الفساد في الحكومة، إلى عدم الأهلية بإرادته. لقد حان الوقت ليشرح سعادتهم له بأن عليه ألا يقترب من قوانين “الإصلاح”، وأنه محظور عليه استغلال نفوذه من أجل المس بمؤسسات وأشخاص يمكنهم حسم مصيره، وأن عليه عدم اتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على محاكمته. لقد حان الوقت ليوضحوا له بأن يكفي ما فعله حتى الآن للدفع قدماً بالقوانين الظلامية من أجل إعادته إلى غرفة التحقيق في الوحدة القطرية للتحقيق في الفساد. وحقيقة وجود نتنياهو في تناقض مصالح شديد، تم فحصها من قبل بجدية من قبل النيابة العامة وفي مكتب المستشار القانوني للحكومة. حبة البطاطا الساخنة هذه موجودة الآن على طاولتهم.

في هذه الظروف، حان الوقت كي يوضحوا سعادتهم لنتنياهو بأنه لا فرق بين المجرم آريه درعي، الذي بادر من أجل نفسه إلى تعديل قانون أساس كي يهرب من العار ولذلك تم رفضه ولا يمكنه العودة إلى ساحة الجريمة في الحكومة، وبين رئيس الحكومة المتورط حتى عنقه في “الإصلاح” الذي يهدف بشكل واضح إلى أن يجد لنفسه مساراً للهرب من محاكمته. أفعال نتنياهو في هذه الحالة أخطر من أفعال درعي. وقد حان الوقت أن يتوقف ويعرف بأنه قد اجتاز الخطوط الحمراء، وأن يتوقف عن الاختباء وراء “الشعب هو السيد وقد اختارني”.

كفى لهذه الهراءات. مسموح للديمقراطية الدفاع عن نفسها من الذين يسعون لتقويضها؛ مسموح لها القول بأن القوانين الشخصية هي قوانين فاسدة؛ مسموح لها إلغاء قانون ولد لصالح متهمين أو مجرمين؛ مسموح لها وضع نهاية لهذه الهستيريا.

في منتصف هذا الأسبوع انتهى حفل الأقنعة لأكاذيب نتنياهو ومن يحملون أدواته في الليكود، الذين حرصوا خلال أشهر كثيرة على عدم ربط محاكمة رئيس الحكومة بقوانين “الإصلاح”. لقد ألقوا المزيد من الرمل في عيون الجمهور وأخفوا عنه المواد المتفجرة المخيفة، وأقنعوا أشخاصاً معتدلين وعقلانيين بأن الأمر ليس كذلك، وأن الديمقراطية ليست في خطر، وأنه يمكن وضع بطاقة الليكود في صناديق الاقتراع. الآن، بفضل وزير العدل ياريف لفين، الذي ربط في هذا الأسبوع علماً بين محاكمة نتنياهو ومشاريع القوانين الوهمية للحكومة، فإنه تم قطع سلسلة الأكاذيب لحزب السلطة. الآن تبدد الضباب كلياً.

الآن يمكن القول بحزم إن القوانين الفاسدة، التي أخرجت عشرات آلاف المواطنين القلقين إلى الشوارع، قد تمت حياكتها على مقاس نتنياهو وأغراضه الشخصية. لم تعد الحقائق مختلفاً عليها. فرئيس الحكومة هو محرك “الإصلاح” وهو المهندس وهو العقل المدبر وهو الشخص الذي يمسك بخيوط الخطة لإفساد السلطة القضائية عن طريق تسييسها. هو الذي يريد إلغاء تقليد الأقدمية في المحكمة العليا لتعيين رئيسها (تعيين حسب الأقدمية)، وهو الذي يبادر إلى تقديم قوانين لتبييض فساد منتخبي الجمهور والموظفين العامين. من يتلاعب بالكلمات والقادر على فعل كل شيء والذي يدرك بأن إدانته في مخالفات جنائية، أو حتى مخالفة واحدة فقط، ستقوده إلى السجن، يتصرف كمن يقول لنفسه: أموت مع الفلسطينيين. آمل أن تحترق هذه الدولة. وبعدي الطوفان.

في كل مرة يصمم فيها نتنياهو على دهورة الدولة إلى هاوية الفساد المخيف الذي حدث معه، في محاولة يائسة لإنقاذ نفسه من مخالفاته الجنائية. أتذكر البروفيسور المتوفى موشيه نغفي، المحلل القانوني في القناة الأولى، كان شخصاً مهنياً ذا نظرة ثاقبة وحاد التفكير، هو صحافي حساس للمظالم والمس بالضعفاء والأقليات، أذن مصغية لمن يكشفون الفساد. صحافي حقيقي لم يكن مستعداً للجلوس في أي استوديو يجلس فيه سياسيون يرتدون قناع الصحافيين ويحرضون ضد آخر حراس العتبة، ولم يكن مستعداً ليتحول إلى ورقة التين لمن حولوا استوديوهاتهم إلى مقر لانتخابات الليكود، الذين لا يخجلون من عناق المجرمين والمحتالين وغيرهم في بث حي ومباشر.

رأى نغفي ما سيأتي؛ فقد أشار إلى دمامل حكومية يجب تفجيرها وبسرعة. وشخّص في الوقت الحقيقي فساد الحكومة كـ “خطر استراتيجي على وجود الدولة”. وفي العام 2004 نشر كتابه المهم بعنوان “كنا الخوذات”. ضمن أمور أخرى، كتب فيه: “هكذا تتدهور الدولة والمجتمع في إسرائيل إلى منحدر يقود من نظام سوي لسلطة القانون إلى نظام مستبد وعنيف ومؤلم مثل جمهورية الموز… كي يفوز الأشرار يكفي أن يسكت الأخيار”.

يجب الاعتراف بأن الأخيار قد سكتوا وضبطوا أنفسهم وأغلقوا عيونهم وخافوا من مواجهة زعران اليمين ومجانينهم. لقد صمتوا واختفوا. وتذكروا شهادة عضوة الكنيست السابقة نحاما رونين، التي وصفت آنذاك سلوك حزب الليكود في انتخابات مرشحيه للكنيست الـ 16: “هذا عالم سفلي”، وأضافت: “إذا لم تلعب حسب القواعد التي تسود هناك فلا فرصة أمامك”. رونين لم تبالغ؛ لم يسقط أحد عن الكرسي عندما كشف عن شهادتها. في حينه، دخلت إلى حزب السلطة عناصر إجرامية وحولت الفساد إلى قاعدة. كانت إحدى بطاقات الزيارة لمركز الليكود، الأمر الذي جعل الكثير من الأخيار المتماهين مع اليمين الحقيقي الليبرالي يبتعدون عن عش الدبابير هذا.

رغم ذلك، السكوت الهادر للأخيار الخائفين نجح في كسر عدد من كلاب الحراسة الشجعان في وسائل الإعلام وجهاز إنفاذ القانون، الذين نبحوا بكل القوة وغرسوا أسنانهم. في الحقيقة، منذ قالت رونين ما قالته تم إرسال رئيس دولة إلى السجن لقضاء سبع سنوات، رئيس حكومة قضى سنتين وراء القضبان، ووزير مالية أرسل إلى السجن لقضاء خمس سنوات، وعشرة وزراء وأعضاء كنيست أدينوا بتلقي الرشوة وكانوا نزلاء في سجن معسياهو، حاخام رئيسي أدين بتلقي رشوة، وصمد جهاز القضاء والنيابة العامة بكرامة في عدة امتحانات صعبة (إلى جانب عدة إخفاقات وإغلاق ملفات مهمة) بدون أن ينتقدها نتنياهو. بالعكس، في كل مرة حاولت فيها جهة سياسية ما أن تقف في وجهها كان نتنياهو، حسب شهادته، قد هب للدفاع عنها. لم يوافق على المس باستقلاليتها. لقد فتح مظلة كبيرة فوق رؤوس القضاة.

عندما قام كبار المنظومة، الذين عينهم نتنياهو نفسه في وظائفهم، بفضحه، بعد أن أصبح عدد من رجاله المخلصين والفاسدين شهوداً ملكيين في ملفاته، تحول أعضاء حصن الديمقراطية إلى الأعداء اللدودين له. وعندها، حين فهم مدى خطورة وضعه في الملعب القانوني، وجد آخر حراس العتبة أنفسهم أمام هجوم وأمام ماكينة السم العظيمة والمخيفة. وعندها، بدأ نتنياهو في شبك يديه علناً مع من يؤيدون الفساد الحكومي وكسر كل الأدوات. وعندها قرر المتهم بتلقي الرشوة بتخويف قضاة المحكمة العليا والدفع قدماً بقوانين لتحطيم جهاز القضاء، ومحاولة تقويض استقلالية قضاة المحكمة العليا. ثم قرر أن يحرق كل النادي دون السماح لسيارات الإطفاء بالوصول إلى مكان الحريق.

ثمة ذريعة أخرى يكررونها. البروفيسورة روت غبيزون قالت بأنه ليس لنتنياهو أي احتمالية لتبرئته في محاكمة نزيهة، وإن ظلماً لحق بدرعي في حينه في قضية الرشوة، وأن الشاهد الملكي في محاكمته كان كذاباً. وحتى إن البروفيسور داييل فريدمان قال بأن الإدانة تمت استناداً لشاهد كاذب. بخصوص فريدمان، هو مخطئ ومضلل بدرجة كبيرة: سبعة قضاة استعرضوا بعناية كل ادعاء دفاعي وكل وثيقة من آلاف الوثائق التي تم تسلمها كدليل وكل تسجيل. الإدانة المدوية في قضية درعي في المحكمة المركزية وفي المحكمة العليا جاءت بالإجماع. في ملفات قليلة جداً تم الكشف عن أعمال فساد وتشويش على التحقيق وإجراءات محاكمة خطيرة جداً مثل التي اكتشفت في هذه القضية.

لو كان البروفيسور فريدمان فحص الملف بعمق لاكتشف أنه مخطئ: حتى لو كان الشاهد الملكي كاذباً ومتحايلاً (هو لم يكن كذلك حسب قرارات القضاة، باستثناء القضية التي في الخارج والتي لا ترتبط بدرعي)، فإدانة درعي بتلقي الرشوة لم تستند إليها. درعي تلقى الرشوة في 1990، بعد ثلاث سنوات عندما لم يعد الشاهد الملكي عضواً في “شاس”. هو لم يعرف عن هذه الرشوة ولم يشهد عليه بالطبع ولم يكن مرتبطاً به. محاولة انتقاد جهاز القضاء بسبب هذه القضية مخجلة، وهي لا تضيف الاحترام لمن يحاول طرحها.

 

بقلم: مردخاي غيلات

هآرتس 19/1/2023

 



مقالات أخرى للكاتب

  • الأمن الإسرائيلي متوجساً من "لاهاي": ما مصير علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟  
  • “الجزيرة” تنشر “فيلم رعب”.. والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: كانوا في ساحة شهدت قتالاً من قبل!
  • هل تستغل إسرائيل خلافات حماس وفتح لإقامة حكم عسكري يبدأ من شمالي قطاع غزة؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي