لماذا 2022 السنة الأكثر دراماتيكية في عالم السياسة البريطانية؟
2023-01-03
أندرو غرايس
أندرو غرايس

إن الأشهر الاثني عشر الماضية كانت الأكثر دراماتيكية في سنوات عملي على مدى واحد وأربعين عاماً كمراسل صحافي مختص في تغطية أعمال البرلمان البريطاني في حي ويستمنستر في وسط لندن. كنت قد تابعت عن كثب عملية إطاحة رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، كما شهدت على عملية صعود رئيس الوزراء توني بلير وأفول نجمه، والأزمة المالية العالمية في 2008. وكنت أعتقد أن موضوع بريكست ربما كان القصة الإعلامية الأكبر التي عاصرتها، لكن بعد ذلك جاءتنا جائحة كورونا، وبعدها الحرب في أوروبا.

لكن تطورات الأحداث السياسية المحلية في المملكة المتحدة قد نجحت في التفوق على كل تلك الأحداث والقضايا في 2022. إضافة إلى متابعتي عملية تغيير 3 رؤساء للحكومة في المملكة المتحدة، تابعت عملية تغيير 4 وزراء للمالية في عام واحد، وتغيير خمسة وزراء للتعليم، (من بينهم استلام ميشيل دونيلان Michelle Donelan مقاليد المنصب لمدة 48 ساعة فقط) واللائحة طويلة ولا تتوقف عند هذا الحد. فأنا أتذكر تماماً أنني لم أتمكن من مواصلة العد بعد استقالة أكثر من ستين وزيراً وموظفاً كبيراً في حكومة بوريس جونسون بعدما فقد نوابه صبرهم من كذبه وعدم كفاءته.

وهنا أتذكر [الوزير السابق] ناظم زهاوي، والذي كنت قد تنبأت (مخطئاً) بأنه حصان السباق الأسود لزعامة حزب المحافظين، (وهو خاض المنافسة من أجل الفوز بزعامة الحزب، لكنه سقط في بداية السباق). ثم شغل الزهاوي منصب وزير المالية بعد استقالة ريشي سوناك [في آخر أيام حكومة جونسون]. وفي اليوم التالي طالب زهاوي جونسون بالاستقالة. وبعد ذلك قدم زهاوي دعمه إلى ليز تراس المرشحة لزعامة الحزب. وبعد سقوطها لاحقاً، دعم زهاوي مساعي جونسون للعودة [إلى منصب رئيس الحزب والوزراء]، وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان جونسون عزوفه عن ذلك. وبعد ذلك، وبشكل صادم للجميع، أعلن زهاوي دعمه لريشي سوناك، والذي كان آخر المتنافسين لزعامة الحزب، وهو اليوم أمين عام حزب المحافظين. مهزلة زهاوي تلخص مجريات العام.

وفيما يحاول حزب المحافظين التقاط أنفاسه في ظل الاستقرار الهش الذي أرساه ريشي سوناك، تجادل الأوساط الحزبية قضية ما إذا كان فشل كل من جونسون وتراس أمراً محتوماً. هل كان يمكن لإدارة أفضل في مقر الحكومة في رقم 10 داونينغ ستريت أن تنقذهما، كما يعتقد حلفاء كل من الزعيمين السابقين. أنا لا أعتقد. إن ثغرات في شخصيتهما قتلت زعامتهما على رأس الحكومة البريطانية.

لقد غير جونسون ثلاثة طواقم من الموظفين الإداريين في مقر الحكومة في داونينغ ستريت، لكن لم يكن أي منهم قادراً على إنقاذه من نفسه. فبعدما أنجز جونسون اتفاقية بريكست بإخراج البلاد من أوروبا وتحقيقه نصراً مدوياً في الانتخابات العامة، قال لي أحد المقربين من حلفاء جونسون إنه لم يكن يعرف حقيقة، ما الذي كان يريد فعله بعد ذلك. عندما كان يركز على أمر ما، فإنه كان قادراً على تحقيقه بفعالية كما فعل في ملف أوكرانيا. ولكنه عجز عن القيام بذلك في خصوص الملفات والقضايا المحلية.

لقد أطاحت زعامة بوريس جونسون ثلاث قضايا تبدأ جميعها بحرف الـ"ب" وجميعها من صنعه شخصياً: وهي [فضيحة النائب أوين] باترسون Paterson، وما يعرف في المملكة المتحدة بـ فضيحة "بارتي غايت" Partygate، ثم مسألة النائب بينشر Pincher، [النائب كريس بينشر الذي تحرش جنسيا برجل آخر في أحد نوادي لندن الخاصة]. منذ كان صحافياً تميز نهج جونسون بأنه سيتمكن من النجاة من أي محاسبة، وأن أي عاصفة إعلامية [قد تضربه] ستمسحها العاصفة التالية. لكن في النهاية، تبين أنه كان على خطأ في الحالتين.

لكن جونسون لا يعترف بالأسف أو التوبة. فهو ما زال يعتقد أن حزب المحافظين قد ارتكب خطأً جسيماً حين سمح في الإطاحة به، وأن الحزب سينتبه إلى أسلوب عمله الخاطئ. وسيكون ذلك في عام 2023، على وجه التحديد. فإذا عجز رئيس الحكومة الحالي ريشي سوناك في تقليص الفارق [بين شعبيته وشعبية جونسون] في استطلاعات الرأي، فإن جونسون سيرفع من جديد علمه للإعلان عن استعداده للمنافسة من جديد على منصب زعيم حزب المحافظين. بعض أصدقاء جونسون ما زالوا يراهنون على أنه لا يزال قادراً على قيادة حزب المحافظين وصولاً إلى انتخابات 2024. أنا لدي شكوك حيال ذلك. إن أعضاء حزب المحافظين الأساسيين لا يزالون يكنون الحب لجونسون، لكن الناخب البريطاني من غير هذا الرأي ونواب حزب المحافظين يعلمون ذلك.

 لقد تم نشر كتابين في الأسواق في عام 2022، وكلمة "سقوط" جونسون تتصدر عنواني الكتابين اللذين ألفهما  آندرو غيمسون Andrew Gimson، وسباستيان باين Sebastian Payne.

ثم تم نشر كتاب "صعود ليز تراس المذهل وغير المتوقع"، للمؤلف هاري كول وجايمس هيلي، والذي تحول خلال عملية الكتابة ليحمل عنواناً آخر هو "الصعود غير المتوقع ثم سقوط ليز تراس السريع".

أقصر فترة أمضاها أي شخص في تاريخ الحكومات البريطانية رئيساً للوزراء كان 49 يوماً ـ حدث تفوق على كل أحداث العام الأخرى التي شهدت عليها في مستوى الدراما الذي رافقها. مثل جونسون، لطالما كانت تراس شخصية متمردة. لكنها لم تنفجر خلال 10 سنوات من عملها كوزيرة في حكومات حزب المحافظين المتعاقبة لوجود من كان أرفع رتبة منها كي يمنعها من ذلك. ولكن عند وصولها إلى القمة، لم يكن هناك من يثنيها.

لقد شهدنا علامات من الغطرسة [عليها] بعد فوزها على ريشي سوناك. ثم قامت باستثناء مؤيديه من المناصب الحكومية، وكان ذلك خطأ عاد لمطاردتها لاحقاً، فهي لم يكن لديها الكثير من الحلفاء خصوصاً عندما كانت بحاجة إلى حليف. إن تهميشها لمكتب وزارة الخزانة ومكتب مسؤولية الموازنة أسهم في زعزعة استقرار الأسواق المالية.

قالت ليز تراس للحلقة المصغرة المحيطة بها [بعد تسلمها السلطة]، إنه كان لديها مجرد عامين على رأس السلطة وهي لم تكن على استعداد لتضييع أي لحظة. لكن موت الملكة بعد يومين على تسلمها مقاليد رئاسة الوزراء منح تراس بشكل غير متوقع الكثير من الوقت للتفكير. وقامت هي ووزير ماليتها كواسي كوارتانغ بزخرفة الإعلان عن الموازنة المصغرة المقبلة بكثير من الإجراءات الإضافية والتي وصفها بعض مساعديها في وقت لاحق، بأن تلك الموازنة كانت أشبه "بشجرة احتفالات عيد الميلاد".

فهي تراجعت عن مراجعة كانت مجدولة للمصاريف العامة، وفرضت اقتطاعات وصلت إلى حوالى 10 في المئة من موازنات إدارات الوزارات المركزية، والذي كان من شأنه أن يضخ الثقة في أسواق المال. الأمر الحاسم كان أن ليز تراس كانت قد استثنت من نقاشات إعداد الموازنة المصغرة المستشارين الاقتصاديين الخارجيين والذين كانوا قد حذروها من إمكانية وقوع اضطرابات في الأسواق، إضافة إلى استثنائها من النقاشات الموظفين المسؤولين عن سياسات مكتب رئاسة الحكومة، ومستشارها الإعلامي والذي كان مسؤولاً عن إنقاذ حملتها الانتخابية الخشبية. لقد أصيبت الأسواق بالذعر بعد الإعلان عن الموازنة، واضطرت تراس للتراجع عن كافة الاقتطاعات الضريبية التي لم تكن ممولة وحتى أنها تخلت عن صديقها وزير المالية كوارتانغ. وهو رد بالقول لها إن نهايتها ستكون قريبة أيضاً.

وتراس أيضاً لا تعترف بأسفها أو التوبة. ويعتقد المعجبون بها أن سياستها لخفض الضرائب، وأجندتها المؤيدة للنمو سيصار إلى اعتمادها من قبل شخصية أكثر براعة منها في التواصل مستقبلاً. لكنني اعتقد أن أجندتها أصبحت في عداد الأموات على الأقل لجيل مقبل كامل. وإذا تم، وكما هو متوقع، أن يخسر حزب المحافظين الانتخابات العامة المقبلة، فإن الضرر الدائم الذي خلفته سياسات تجربة تراس القصيرة ــ مثل ارتفاع أسعار فوائد القروض المنزلية ــ ستحمل مسؤوليته رئيسة الوزراء السابقة. وإذا نجح المحافظون في التمسك بالسلطة، سيحصل ريشي سوناك على المديح لنجاحه في التخلص من نهج "الاقتصاد الخيالي" الذي انتهجته، ونجاحه في تنظيف الخراب الذي خلفته.

لنهاية هذا العام شعور يشبه "نهايات العصر"، فيما يبدو أن مركز القوة بدأ في الانزلاق من يد حزب المحافظين متجهاً إلى حزب العمال. وأعتقد أن ذلك المسار ربما سيستمر خلال 2023. فلا يمكن أن يكون عام 2023 على نفس مستوى الاضطراب السياسي في بريطانيا الذي شهده عام 2022، أو ربما يمكن أن يكون كذلك؟

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • ما زلنا ندفع ثمن أخطاء جونسون في "بريكست"، والاتحاد في خطر
  • هوس سوناك بمشروع الترحيل إلى رواندا يؤدي إلى انقسام حزبه
  • سوناك أمام خيارات انتخابية صعبة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي