التغير المناخي.. ومخاوف الشتاء الأوروبي
2022-08-27
جيفري كمب
جيفري كمب

هذا الصيف تسببت موجة حر شديدة على أوروبا في ظروف جفاف خطيرة جداً، حيث انخفضت مستويات المياه في أنهار شهيرة مثل البو والراين والدانوب بشكل دراماتيكي، ما أدى إلى فوضى اقتصادية في النقل النهري والزراعة والقطاع السياحي الكبير.

ولكن مع اقتراب الصيف من نهايته، يجب أن ينصب التركيز الآن على الشتاء المقبل. ذلك أنه بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن تأثير تغير المناخ، يصعب التنبؤ بحالة الطقس خلال فصل الشتاء المقبل. فهل سيكون هذا الشتاء أبرد أم أدفأ من المتوسط وكم من الوقت سيستمر؟ هذا السؤال أصبح موضوعاً استراتيجياً حيوياً بالنظر إلى الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا واعتماد أوروبا المتواصل على روسيا بخصوص جزء كبير من إمداداتها من الغاز الطبيعي وبعض نفطها.

والواقع أنه منذ بداية الحرب في فبراير 2022 وأوروبا تبحث عن إمدادات بديلة من الطاقة. غير أنه إذا كان النفط منتجا يسهل نقله وتكييفه مع وجهات مختلفة مقارنة مع الغاز وأوروبا ستكون قادرة على التحول إلى مصادر نفطية جديدة بسهولة نسبية، فإن وقف اعتمادها على الغاز أكثر صعوبة ولن يكون باستطاعة معظم البلدان إنهاء اعتمادها على روسيا لوقت طويل. ولكن التخطيط الحذر وتوسيع المنشآت من أجل استقبال الغاز الطبيعي المسال القادم من الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأستراليا سيضعان حدا في نهاية المطاف لقدرة روسيا على ابتزاز أوروبا عبر الامتناع عن إمدادها بالغاز. غير أن هذا لن يحدث هذا الشتاء، وهذا ما يفسّر القلق بشأن مدى قساوة الشتاء المقبل.

فكلما كان الشتاء أبرد، كان الطلب على الغاز أكبر وكانت التكاليف بالنسبة للمستهلك أثقل، على المدى القصير على الأقل. وهذا سيأتي في وقت بدأت فيه العديد من الاقتصادات الأوروبية تتجه نحو الركود الاقتصادي، الذي سيؤثّر على المشهد السياسي الداخلي. وإذا أدى هذا الأمر إلى اضطرابات سياسية، فإنه يمكن أن يُضعف التزامات أوروبا بدعم أوكرانيا ومواصلة عقوبات قاسية ضد روسيا. كما يمكن أن يزيد من الضغط على الحكومات الأوروبية من أجل الدفع في اتجاه تسوية للحرب حتى إذا كانت القوات الروسية ما زالت تحتل قطاعات من التراب الأوكراني. إذ يستطيع بوتين حينها ادعاء «نصر» قد يكون مقبولاً من قبل جمهوره الداخلي.

غير أنه إذا كان الشتاء المقبل معتدلاً، فإن معظم البلدان الأوروبية ستكون أكثر قدرة ورغبة في قبول قيود أكثر على استهلاك الطاقة. وهذا سيقلّص من تأثير إمدادات الطاقة الروسية من أجل تغيير الآراء الأوروبية بشأن الحرب، وسيقوِّي بالتالي تصميم أوروبا على مواجهة تكاليف معارضة الاعتداء الروسي.

وبعيدا عن الظروف المناخية هذا الشتاء، فإن العامل الآخر الذي يؤثر في نقص الطاقة هو حالة الاقتصاد العالمي. فحاليا هناك قلق كبير من أن ينضم الاقتصادان الأميركي والصيني إلى أوروبا ويتجها نحو الركود خلال العام القادم. فالاقتصاد الصيني تأثر كثيرا جراء الإغلاقات القاسية التي فرضت على البلاد من أجل احتواء وباء كوفيد 19، ونهاية فقاعة القطاع العقاري التي كانت عاملا أساسياً في النمو الصيني. والحال أنه إذا انخفض طلب الصين على المواد الخام، بما في ذلك الطاقة، نتيجة تباطؤ اقتصادي خطير، فإن ذلك سيؤثّر على الأسواق العالمية ويخفض الأسعار. إذ يتوقع بعض المحللين انكماشاً عالمياً بدلاً من تضخم خلال الأعوام القادمة.

وعليه، فإن السؤال الكبير هو ما إن كانت أوكرانيا أو روسيا ستجد تكاليف مواصلة الحرب باتت غير مقبولة على نحو متزايد بسبب الضغوط الاقتصادية، وتزايد الإصابات، وتنامي ضغط المجتمع الدولي من أجل الانخراط في مفاوضات جادة من أجل إنهاء النزاع. والشتاء سيعني على الأرجح تقدماً أقل بالنسبة لأي من الجانبين اللذين يخوضان الحرب البرية، غير أن خطر سوء التقدير والتصعيد يظل قائما.

ولكن الخطر الأكبر هو أن لا يبدي فلاديمير بوتين أي رغبة في التنازل مهما كانت الكلفة بالنسبة لبلده.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
  • نهر نهاية العالَم الجليدي
  • دراما الانتخابات الأميركية





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي