إغواء الأبرياء: أطفالنا في مواجهة تسونامي خطير
2021-10-14
ندى حطيط
ندى حطيط

بداية هذا الأسبوع أعلنت «دي سي كوميك» الشركة المالكة لحقوق شخصيّة القصص المصورة الشهرية «سوبرمان» عن أنّ سلسلتها الجديدة «سوبرمان: ابن كال- إل» والتي تنسج حكاياها حول الجيل الثاني من النسل الجبّار، ستذهب قريباً إلى الكشف عن أنّ جوناثان كينت – وهو ابن الشخصيتين الكلاسيكيتين في عالم الكوميكس، كلارك كينت ولويس لين – على علاقة عاطفية حميمة بصديق ذكر، على أن تكون تلك العلاقة الجنسية المثلية واحدة من المساحات التي سيحاول فيها جوناثان أن يثبت لنفسه ولمتابعيه بأنّه مختلف عن والده الشهير. وهو في الحقيقة منذ إطلاق السلسلة (الجديدة في يوليو/ تموز الماضي) ينخرط بشكل شخصي ومكثّف في التعامل مع قضايا عصريّة متداولة في إطار النقاش العام داخل المجتمع الأمريكي: فيكافح حرائق الغابات النّاجمة عن تغيّر المناخ، ويحبط محاولة إطلاق نار في مدرسة ثانوية، ويحتج على ترحيل اللاجئين في «متروبوليس» ولا يخشى اتخاذ مواقف سياسيّة من الأحداث.
وسيضاف التحاقه بما يسمى (مجتمع الميم: المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية) إلى هذه القائمة اعتباراً من العدد المقبل (نوفمبر/تشرين الثاني 2021) فيما نشرت الصحف والمواقع الأمريكيّة المتخصصة رسماً من ذلك العدد يظهر سوبرمان الجديد وهو يتبادل قبلة ساخنة مع صديقه المقرّب.
وحسب القائمين على إصدار «سوبرمان: ابن كال -إل» فإنّهم يريدون لسوبرمان الابن «أن يخوض معارك جديدة غير التي خاضها والده، وأن يتعامل مع مشاكل نواجهها في العالم الحقيقي».
ومن المعروف أن السلسلة المطبوعة تتحوّل تالياً إلى مادة خام لإطلاق مسلسلات تلفزيونيّة وأفلام سينمائيّة ومطبوعات، إضافة إلى مئات التطبيقات التجاريّة الأخرى مثل ألعاب الفيديو، والشنط المدرسيّة والدمى والملابس وغيرها، مما يعني أن «سوبرمان الجديد» سيحل ضيفاً على غرف الأطفال الأمريكيين، وبالتبعيّة، وبحكم العولمة الثقافيّة المتصاعدة، غرف أطفال العالم الشره لاستهلاك المنتجات الثقافيّة الآتية من الغرب.

الترفيه أو سلطة تشكيل للوعي

هذه (الخبريّة) أثارت مجدداً مخاوف كثير من الآباء والأمهات، في الغرب، كما في الشرق، حول موجة تعميم الاتجاهات الجنسيّة التحريريّة التي تتعاظم يوميّاً، وشرعت تتسرب بشكل مباشر أو عرضي إلى معظم أعمال الترفيه المعاصر، وفق توجه مقصود وعلنيّ، وأحيت ذلك الجدل القديم حول الدّور الذي تلعبه وسائل الترفيه الجماهيريّ من تلفزيون وسينما ومطبوعات ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع على الشبكة السيبيريّة وألعاب الفيديو وغيرها في تشكيل وعي الأشخاص بعالمهم وفي ما إذا كانت المحفّز للتغييرات المجتمعيّة أم أن محتواها مجرّد مرآة تعكس تطوّر الصيغ والقيم المقبولة من قبل المجتمع في مرحلة تاريخيّة معينة. وعلى الرّغم من أن هذه الجدليّة تظل قائمة دون حاجة إلى حسمها، فإن الأمور قد تكون أكثر وضوحاً عندما يتعلّق الأمر بالمواد المقدّمة للمراهقين والأطفال، الذين تشكّل وسائل الترفيه، بمجموعها، حصّة وازنة من وعيهم الجمعيّ ما تلبث تتضّخم على حساب وسائل التنشئة الاجتماعيّة الأخرى التي يتعرّضون لها في صغرهم بما فيها البيت والمدرسة، وتنعكس بشكل عميق على نظرتهم إلى ذواتهم، وعلاقاتهم مع محيطهم على تدرّجها من الأسرة المباشرة إلى المجتمع الإنسانيّ وما بينهما.

تدرّج سقيم: سوبرمان ليس أولهم ولا آخرهم

والواقع أن «سوبرمان» ليس أول أبطال الشخصيات الخارقة في صناعة الترفيه الأمريكيّة الذي ينتهي إلى تموضع متحرر جنسيّاً، إذ سبق أن اعترف روبن، صديق باتمان بمشاعر رومانسيّة تجاه رفيق ذكر، كما أن نجم أكوامان الجديد رجل مثليّ الجنس، وكذلك بطل نورث ستار، وهناك شخصيّة جديدة سيتم إطلاقها مثلية الميول أيضاً. وإذا أضفت ذلك إلى الشخصيات المتحررة جنسياً التي بات ظهورها وكأنّه ضريبة لازمة على كل برنامج تلفزيوني دراميّ أو تلفزيون واقع، وتسيّد مثليين يجاهرون بميولهم الجنسيّة كمكوّن أساسي من هويتهم في شرائط الفيديو المذاعة على قناة «يو تيوب» وغيرها مما يجعل أمر تجنّبها اختياراً غير ممكن عمليّاً.
ومهما تجاهلنا ذلك كآباء ومسؤولين عن مراهقين وصغار فإن المحصّلة تشير إلى وجود صلّة وثيقة بين تعرّض الأصغر سناً لمشاهد الجنس المثلي أو العنف من خلال الترفيه بسلوكيّات الأحداث وجنوحهم وتورطهم في علاقات مشبوهة أو جرائم أو إصابتهم بمشاكل نفسيّة عميقة.
وهو أمر كان أشار إليه مبكراً عالم نفس ألماني – أمريكي يدعى فريدريك فيرثام في كتابه «إغراء الأبرياء – 1954» والذي سببت حينها في ضغوط على الكونغرس لفرض تشريعات تحدّ من قدرة تجّار الكوميكس على إصدار مواد ترفيه تتضمن تحرراً جنسياً أو عنفاً مفرطاً، وأُنشأ لذلك تجمع تطوعيّ لمنتجي المطبوعات الموجهة إلى الفئات الأصغر عمراً تولّى تأسيس معايير ذاتيّة حول ما يفترض بمنتجي الكوميكس تجنّب تضمينه في أعمالهم.
لكن ذلك التجمع، وبحكم منطقه كمنظمة تطوعيّة لم ينجح في السيطرة التامّة على ما يطرح في الأسواق من منتجات، وبدأت لذلك شذرات مثليّة بالظهور مجدداً في منتجات الترفيه الموجهة للأصغر عمراً اعتباراً من العام 1980، لتصل في العقد الثاني من القرن الحالي وكأنّها جزء لا يجزأ من انتاجها السنويّ.

لا أحد يقف في وجه التسونامي

وهكذا فإن العائلات في الغرب، التي لا ترغب في تعريض أبنائها لمثل هذه المواد أصبحت كمن يواجه تسونامي بيديه. إذ لا يعقل بالطبع منع الأبناء من متابعة البرامج والقصص الترفيهيّة، سواء على التلفزيون أو في السينما، ناهيك عن قنوات الوصول التي تقدّمها الإنترنت، فيما تخشى السلطات من فرض أيّة تشريعات قد تعتبر نوعاً من الرّقابة المسبقة على الفنون والآداب أو استهدافاً لفئة دون أخرى في المجتمع. وهذا كلّه قد لا نرى تأثيراته على المدى القريب، ولكن زرعاً مثل هذا الذي نرى سيثمر دون شكّ في المدى الأبعد، وعندها لن يكون الحصاد إلا مرّاً.

 

*إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن - القدس العربي



مقالات أخرى للكاتب

  • 18+، 15+، 13+: تصنيفات الغرب: مايشاهده أبناؤهم لا يصلح لأبنائنا





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي