أصلها ياباني واستخدمت في الحرب العالمية الثانية ضد أمريكا.. ما أصل التفجيرات الانتحارية؟
2021-09-28
محمد أمزيل
محمد أمزيل

يعتبر البعض أن "الإرهابيين" يأخذون نصوصهم من القرآن والأحاديث النبوية، وأن على المسلمين ألا يتهربوا من تلك الحقيقة؛ فنصوص الجهاد تملأ صفحات القرآن والسنة النبوية، وهي فريضة واجبة على المسلمين، لهذا فإن الإرهابيين ليسوا سوى أشخاص يستمدُّون الأوامر من النصوص التي يؤمنون بها باعتبارهم مسلمين.

المثير للغرابة أن الذين يتحدثون عن تلك المسائل يعتقدون أنفسهم باحثين نقديين، مع أنهم مجرد أحجار على رقعة شطرنج الاستشراق.

نعلم جيداً أن الاستشراق سعى طويلاً، لإعادة بناء العقلية الإسلامية، انطلاقاً من الانغماس في دراسة الفكر الإسلامي (الفقهي والفلسفي والتربوي والاجتماعي والتاريخي) لإعادة توجيهه بطريقة استعمارية تُبرّر أخلاقياً وإنسانياً وفكرياً الغزو الغربي للحضارة الإسلامية. ولكن وبعد مشروع دام لثلاثة قرون أو أكثر؛ فإن الاستشراق لم ينتهِ بل هو مُستمر.

وحين أتحدث هنا عن الاستشراق فإنني أعني الاستشراق الاستعماري، لأنه كم من مستشرق كان أميناً ونزيهاً في دراسته للحضارة الإسلامية، مثلاً: الألماني تيودور نولدكه، والفرنسي جاك برك، والبريطاني هاملتون جب.

والآن، سندخل في نقاش الأطروحة التي تخلط الإرهاب بالجهاد، مُعتمدة على الفتوى التي يصدرها بعض الفقهاء في هذا الصدد، وأيضاً على الأحداث التي يكون فيها المسلم شخصاً مُفجّراً.

أولاً: الجهاد مُحرَّم ضد المسلمين، بل ضد المنافقين أنفسهم. ونعلم أنه يكفي للشخص أن ينطق بالشهادة ليكون مسلماً. لهذا فأي شخص فعل هذا يبقى مسلماً حتى ولو مارس الكبائر، وهذا عكس ما تفعله داعش.

أي اقتتال بين المسلمين هو ليس جهاداً، فموقعة الصفين أو موقعة الجمل لم تُسميا أبداً في كتب التاريخ جهاداً، وإنما سُمِّيتا فتناً.

وحين كان الحجاج بن يوسف الثقفي يُقاتل الروم كان يُسمي فعله ذاك (جهاداً)، وحين كان يُقاتل الخوارج كان يُسمِّي فعله هذا "القضاء على رؤوس الفتنة". ومثال الحجاج هنا، فقط لتأكيد دقة الكلمة في التاريخ الإسلامي، وليس تبرير الأعمال الوحشية التي كان يقوم بها ضد المسلمين أنفسهم.

ثانياً: العمليات الانتحارية ليست نصاً في القرآن ولا في السُّنة، لأن أغلب العمليات الإرهابية هي عمليات انتحارية، فهل الإسلام هو الذي ربط بين هذه والجهاد؟

في كتابه "الثورة بلا قيادات" يثير "كارن روس" قضية مهمة في التاريخ الراهن للشرق الأوسط، فقد أكد أن العمليات الانتحارية في الشرق الأوسط ليست أبداً إبداعاً للجماعات الإسلامية المسلحة، وإنما هي عقيدة يابانية، استخدمها الجنود اليابانيون في الحرب العالمية الثانية ضد الأسطول الأمريكي، حين أقدموا على توجيه طائراتهم نحو البواخر الأمريكية، بطريقة انتحارية، وسُمِّيت "الكاميكازي".

والعملية الانتحارية هي عقيدة راسخة عند محارب الساموراي؛ يقول الكاتب: "لهذا فإن الكاميكازي هي جزء من ثقافة اليابانيين".

وأضاف المؤلف: "أن طالبان لم تستخدم العمليات الانتحارية ضد الغزو السوفييتي، بينما استخدمها اليساريون في فيتنام وكوريا وفي فلسطين ولبنان وفي العراق أيضاً، واستخدمها أيضاً نمور التاميل ضد الجنود السريلانكيين كما استخدموها أيضاً ضد المدنيين، كما أن الانفصاليين الأيرلنديين يستخدمون التفجيرات الانتحارية ضد بريطانيا".

ولم تستخدم القاعدة وطالبان التفجيرات الانتحارية إلا بعد أن لاحظت مدى تأثيرها على الطرف الآخر، في عمليات الفصائل المسلحة الأخرى، خاصة بعد أن انسحبت إسرائيل من لبنان سنة 2000، بفعل التفجيرات الانتحارية.

التفجيرات الانتحارية ليست أبداً عقيدة في الإسلام، ولا ترتبط أبداً بمصطلح "الجهاد"، ومن يعتقد أن الفتاوى التي تجيز ذلك كافية لتأكيد مدى قرب الإسلام من العمليات الانتحارية. فيمكنني أن أقدم له مثلاً من تاريخ النوازل ليُفرّق بين الاجتهاد (الذي قد يُصيب أو قد يُخطئ) وبين العقيدة (كما هي عند محارب الساموراي في اليابان، وهي عقيدة يفتخر بها اليابانيون بالمناسبة).

في عهد الملك سليمان العلوي في المغرب، قام قاضي فاس ومكناس المشهور أحمد بن عبدالملك العلوي بتحريم "الشاي" واعتبره من المسكرات؛ بل إنه، بوصفه قاضياً، كان لا يقبل شهادة من يشربه. ولو عدنا لدراسة تلك المرحلة لتبين لنا أن القاضي انطلق من واقعه لمواجهة الغزو التجاري الذي تفوق فيه الأوروبيون، وقد قام الملك سليمان العلوي نفسه في العهد نفسه بنهج سياسة حمائية ضد هذا الغزو، واعتبره جهاداً، وبهذا يكون اجتهاد القاضي اجتهاد مرحلي لحماية الوطن من غزو محتمل. (راجع كتاب "من الشاي إلى أتاي" للمؤرخين الخصاصي والسبتي).

ثالثاً: الجهاد في الإسلام، شامل لكل حياة المسلم، فكل مجهود لأجل منفعة جماعية هو جهاد، ولكن الجزء الأكثر شيوعاً هو المرتبط بالقتال (والقتال ليس هو القتل)، فالقتال يعني وجوب وجود معركة، فالمقاومون في تاريخ المغرب كانوا مجاهدين، ولم يكونوا مسالمين ضد العنف (لو كانوا كذلك لأصبحنا قطعة أرضية فرنسية – إسبانية)، والمقاومون في فلسطين مجاهدون.

وحتى لا تختلط عليكم الأمور التاريخية، فإن المجتمعات الإسلامية لم تكن تعتمد فقط على الجيش النظامي؛ بل تعتمد على المواطنين العاديين في حروبها، وحين تحثُّهم على التسلح لمقاتلة العدو، لا تعرض عليهم مقابلاً، وإنما تُخبرهم بأنه جهاد في سبيل الله، فيقوم المسلم المتشبِّع بعقيدة الجهاد لمواجهة العدو حتى لا يغزو وطنه، ويستبيح ممتلكاته وأهله. وما يُسمى "التجنيد الإجباري" في الثقافة الغربية التي سادت العالم، هو حث على الحرب في "سبيل الوطن". فلماذا لا تعتبر هذه أيضاً عقيدة عنيفة تنتشر في دهاليز الدول الغربية التي يعتبرها البعض مسالمة وناشرة للسلم، أم أن الفرق هو الوطنية، فسأقول إن الإسلام شامل، فالمسلم يُجاهد في سبيل الله وليس مقابل أجر لمدافعة الأعداء عن الوطن.

على كل حال، عقيدة الجهاد القتالية لدى المسلمين عبر التاريخ هي جزء من القوة التي حافظت على تماسك حضارتهم وبقائها لمدة طويلة، أمام التهديدات الخارجية، فهي التي تجعل من المسلم شخصاً شجاعاً لا يهاب الموت، ولهذا أظن ما قاله نيتشه في كتابه "نقيض المسيح": "الإسلام يتطلب الرجال".

رابعاً: الجهاد القتالي لا يعني أبداً قتل الكافر لأنه كافر، وإنما يعني مُقاتلة العدو غير المسلم الذي يُهدِّد أرض المسلمين وأوطانهم، وابن تيمية نفسه كتب رسالة لم يهتم بها الناس كثيراً عنوانها "قاعدة في قتال الكفار ومهادنتهم، وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم".

فالجهاد القتالي ليس دوره تخويف الكفار وردعهم حتى يؤمنوا العقيدة نفسها، وإنما دوره دفع العدوان (جهاد الدفع)، وتحقيق قوة هجومية (جهاد الطلب) لا تسمح للآخرين بالهجوم، وهذا نفس فكرة "النظرية الواقعية في سياسة العلاقات الدولية".

وقد فَرَّق المسلمون بين أرض الإسلام وأرض الحرب، وهو تفريق يدل على استراتيجية سياسية ذكية جداً. فأرض الإسلام تعني المساحة التي يمكن لأي مسلم أن يبوح فيها بعقيدته كما يرغب دون أن يخشى أحداً (فحتى لو أتيت من الهند فأنت آمن بممارسة شعائرك – كما على اليهودي والمسيحي أو الصابئة أن يأمَنوا في ممارسة شعائرهم)، أما أرض الحرب، فهي الأرض التي لابد من أن يحيط المسلم نفسه فيها بالحذر عند ممارسة شعائره العقائدية.

فأرض الحرب هي أرض الجهاد إما أرض المسلمين إن حدثت داخلها الحرب، فهي ليست جهاداً وإنما فتنة. وهذا لا يعني أن أرض الإسلام وأرض الحرب لم تكن بينهما علاقات سلمية، كما يحاول البعض تصويره؛ بل كانت هناك التبادلات التجارية بينهما وتبادل الأسرى وتبادل الرسائل كذلك، بل حتى تبادل الأسفار والبعثات الطلابية.

فقد طلب فيليب ملك بافاريا من الخليفة هشام المؤيد في أوائل القرن الـ11 الميلادي، القائم في الأندلس، بأن يسمح له بإرسال بعثة من بلاده إلى الأندلس لاستكشاف مآثر التقدم الحضاري هناك والاستفادة من علومها، فوافق الخليفة بالطبع، فجاءت البعثة التي تألفت من 215 طالباً وطالبة وقد اعتنق بعضهم الإسلام. (راجع كتاب "الأندلس بوابة التواصل الحضاري العربي الإسلامي ـ الأوروبي"، لنهلة شهاب أحمد)

السؤال هو: لماذا لم ينقض المسلمون على هؤلاء لأنهم كفار أتوا من أرض الحرب، ليقتلوهم، كما يفعل بعض المتطرفين وكما يعتقد بعض العلمانيين أن المسلمين هكذا تأمرهم عقيدتهم؟

من هنا يتبين أن ما يتم ترويجه من طرف بعض المسلمين جهلاً، وبعض عوالق الاستعمار هو تشويه خطير جداً ضد الثقافة والحضارة الإسلامية، فإن كان التشويه الأول أخطر، فإن التشويه الثاني مُمنهج ضمن ماكينة ثقافية عالمية عدمية، تحاول الإجهاز على الثقافات المختلفة لتحويلها لمجرد ثقافة همجية.

الأناضول

 



مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب





كاريكاتير

إستطلاعات الرأي