لقاء مع القراء (1): طيران من النجف إلى كاليفورنيا!
2020-01-04
غادة السمان
غادة السمان

أحببت ردة فعل أفانين كبة على رحيل الأديبة اللبنانية والإعلامية مي منسى، فقد اشترت كتبها وطالعتها وأعجبتها، وكتبت ذلك في تعقيبها على مقال لأمير تاج السر.

وهذه ردة فعل حضارية وإنسانية على موت الصديقة مي منسى، إذ أعادت الأديبة مي منسى إلى الحياة خلال مطالعتها لكتبها بعد موتها. قد لا يحظر ببال القارئ أنه يعيد إلى الحياة هذه الكاتبة/ الكاتب حين يطالعه بعد موته. ولعلنا سراً نكتب كي لا نموت بل لنحيا من جديد كلما أعادنا إلى الحياة قارئ بمطالعته لنا، ومحبته لحروفنا.

 القارئ ذاكرة الكاتب

مي منسى تتقن العربية بجمالية استثنائية، والطريف أن شقيقتها فينوس خوري تكتب بالفرنسية فقط وتعيش في باريس، ولكنها مبدعة كأختها، وقد فازت بجائزة أدبية فرنسية رفيعة «الغونكورد» منذ أعوام.

أفانين كبة فنانة تشكيلية، ولكنها فنانة قراءة ومدمنة أبجدية.. ولن أنسى أنني حين نسيت اسم كتابي الذي سطرت فيه حزني على رحيل صديقتي العراقية الحبيبة بلقيس الراوي (زوجة قريبي الشاعر نزار قباني رحمهما الله) ما كان من أفانين إلا وزودتني بذلك، بل وبرقم الصفحة أيضاً. كأن القارئ المحب للأدب يستطيع أن يصير ذاكرة الكاتب!

للكلمة المبدعة أجنحة!

يوم زرت كربلاء والكوفة والنجف برفقة الصديقين الراحل أمير الحلو والعزيزة ابتسام عبد الله، توقفت طويلاً أمام دكان صغير لمصور شعبي في النجف؛ لأقرأ عبارة بخط اليد على زجاج الحانوت المغبر تقول «الحياة فقاعة، فصورها قبل أن تنفجر!».

للعبارة المبدعة سحرها الخاص الذي يسمرك. وهكذا تسمرت أمام العبارة ودونتها في دفتر صغير أحمله معي باستمرار، وجعلت منها وسواها استهلالاً لكتابي الذي صدر بعد تلك الزيارة وعنوانه «اعتقال لحظة هاربة».

ومنذ شهر وصلني كتاب الترجمة الإنكليزي لـ «اعتقال لحظة هاربة» وفوجئت بكل سرور بأن عبارة «الحياة فقاعة» التي نقلتها من واجهة حانوت المصور في النجف طارت إلى كتابي الذي صدر في كاليفورنيا. فالكتاب المترجم لي تم افتتاحة في صفحته الأولى التي نقلتها عن واجهة دكان مصور النجف الكبير، أي بعبارة «الحياة فقاعة…».

للعبارة المبدعة أجنحة تطير بها عبر القارات والأزمنة واللغات، وما زلت نادمة لأنني يوم زرت النجف لم أدخل لأقول للفنان المصور، أي لكاتبها، كم هي رائعة! للإبداع أجنحة تعبر القارات واللغات والقلوب كما طارت العبارة «الحياة فقاعة..» من النجف إلى كاليفورنيا، لتتصدر كتاباً لي مترجماً إلى الإنكليزية. ترجمته الدكتورتان ريم ورزان زهرا، الأستاذتان في جامعات كاليفورنيا (وهما من أصل سوري).

 عمرو يلتقي شبحي في بيروت

عمرو ـ سلطنة عمان، الذي لا أجهل اسمه ككاتب معروف، كما أعرف اسم الإعلامي الكبير الذي يوقع لي باسم «سوري»، ولكنني أكتفي بذكر اسمهما المختزل، وذلك احتراماً لاختيارهما التوقيع المختزل في رسائلهما تعليقاً على ما أخطه.

عمرو كان في لبنان خلال أحداثنا الأخيرة، وربما حين كنت هناك، وحسناً فعل بالإقامة وقتها في برمانا على الرغم من أنف قطع الطرقات بينها وسواها وبيروت. وقد هزني أنه ذهب إلى حيث كنت أقيم في بيروت وشاهد غرفة المكتبة التي احترقت في الحرب وأعدنا بناءها (بعدما أصابها صاروخ). أيام سطرت (كوابيس بيروت).

أما الدكتورة السورية الأستاذة الجامعية ماجدة حمود، فقد كتبت لي أنها انطلاقاً من روايتي «فسيفساء دمشقية» عن مسقط رأسي وقلبي دمشق ذهبت بحثاً عن «زقاق الياسمين» خلف الجامع الأموي الذي جاء ذكره في روايتي.

يا عزيزي عمرو وعزيزتي د. حمود، شبحي ما زال يهيم في أماكن القلب اليوم وحتى بعد موتي. فأنا أخلف جزءاً مني مع كل مكان كتبت عنه حتى لو كنت قد اخترعته روائياً! ويا عزيزتي الأستاذة الجامعية الدكتورة ماجدة حمود، إذا مررت ليلاً ببيتي القديم في دمشق سترين شبحي خلف النافذة.. أما العزيز عمرو فأنصحه بقضاء إجازته في مكان آخر غير لبنان هذه الأيام، لأن عرافتي خاتون التي تنبأت في روايتي «بيروت 75» بالحرب الأهلية في لبنان وصحّت نبوءتها، تقول لي الكثير حول انفجار ما ثانية في لبنان.. وأعتقد أن قتلي لعرافتي خاتون في روايتي المقبلة لن يبدل من تاريخ لبنان شيئاً، وكدت أنسى القول: سأحمل دوماً في قلبي ما كتبه نجم الدراجي وعمرو مجدح في مقالهما عن والدي الحبيب «الدمشقي العتيق» كما سمياه بحق.. كم أنا ممتنة لهما، فوالدي الرائع يستحق كل كلمة كتباها عن ذلك الدمشقي الحبيب الرائع اللامنسي.

 غادة الشاويش ورؤوف بدران: الثأر لفلسطين

تكتب غادة الشاويش بلغة جميلة ما يلي: «لن تقوى دهور على بعثرتي، فالثأر محفور في جسدي شظايا رصاص، وفي روحي عاصفة ثأر، وفي أيامي المقبلة قدراً محملاً بالقنابل».

يسعدني أن معظم القارئات والقراء الذين يعلقون على ما أخطه هم أيضاً أدباء، وأحرضك يا غادة الشاويش كما أحرض بعضهم، على كتابة جراحكم الفلسطينية في كتب أو مذكرات على الأقل. ولم لا؟

يكتب رؤوف بدران -فلسطين- معلقاً على ما كتبته حول ابن القدس الراحل د.عيسى عيسى بلاطة، الذي كان ذلك الأستاذ اللامع في جامعة ماكجيل- كندا: «مئات آلاف الفلسطينيين هُجروا أو طردوا.. أهلكهم الانتظار في الغربة، أفناهم شوقهم والحنين».

كم ذلك صحيح وأليم.. وأحيي صمودك في بلدك فلسطين التي ما زالت في قلبي القضية المركزية لنا كعرب، ولعل تشرذم العرب اليوم وحروبهم المحلية تعود جزئياً إلى ضياع البوصلة التي تؤشر إبرتها صوب فلسطين المحتلة. شعار إسرائيل: من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل.

وإذا ثابرنا على الاستهتار بمخاطر التاريخ قد نجد أنفسنا ذات يوم من أبناء «الأرض المحتلة»!

 بيروت عاصمة الحرية العربية: غدير ماهر

أحببت هذه الكلمات الصادقة من غدير ماهر: «بيروت ستظل دائماً عاصمة الحرية العربية وسانادي، كما نادت السمان بلبننة العالم العربي».

كلمات غدير ماهر يرددها اللبناني الذي يعاني أيضاً من القلق مما هو آت، وتلخصه كلمات غدير ماهر بالقول: «للأسف، اللبنانيون جاهزون للحرب، ولكن ينتظرون الشعلة التي ستفجرها.. ونرجو ألا يحدث ذلك.. لبنان لا يستحق ذلك».

واليوم نشعر أكثر من أي وقت مضى بالخوف على لبنان.

وإلى اللقاء مع القراء في الأسبوع المقبل أيضاً.



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي