طالبان يا أميركا الزمان!
2021-07-09
أحمد الفيتوري
أحمد الفيتوري

زكريا: الفيل يا ملك الزمان

الملك: وما خبر الفيل؟

زكريا: الفيل يا ملك الزمان

الملك: كاد صبري ينفد، ما خطب الفيل؟

التفت زكريا إلى الناس من حوله، فإذا هم صم بكم لا ينطقون، وخوفاً من زكريا أن يُقطع رأسه، قال: الفيل بحاجة إلى فيلة، تخفف وحدته، وتنجب عشرات بل مئات الفيلة.

الملك (مقهقهاً): كنت أقول دائماً إنني محظوظ برعيتي.

- من مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" للكاتب سعد الله ونوس.

طالبان، الحركة التي فشلت أميركا، في القضاء عليها، فاوضتها بعد 19 عاماً من الحرب. وبموجب اتفاق مع طالبان، وافقت الولايات المتحدة، وحلفاؤها في الناتو، على سحب جميع القوات، مقابل التزام الحركة، بعدم السماح للقاعدة، أو أي جماعة متطرفة أخرى، بالعمل في المناطق التي يسيطرون عليها. وحدّد الرئيس الأميركي جو بايدن، موعداً نهائياً في 11 سبتمبر (أيلول)، التي تصادف الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، للانسحاب الكامل للقوات الأميركية، لكن التقارير تشير، إلى أن الانسحاب، يكتمل في غضون أيام. وقالت حركة طالبان لـ"بي بي سي"، إن أي قوات أجنبية، تبقى في أفغانستان، بعد الموعد النهائي لانسحاب الناتو في سبتمبر، ستكون معرّضة للخطر، بصفتها "محتلة". ويتزايد القلق بشأن مستقبل كابول، في الوقت الذي تستعد القوات الأفغانية، لتولي مسؤولية الأمن في البلاد منفردة.

- من تقرير إخباري لمحطة "بي بي سي"

انتصار طالبان أم هزيمة أميركا، لم أحزر ما يحدث، بدأت كمَن يشاهد فيلماً أميركياً، فيه كل شيء واضح، لكنه لهذا السبب ملتبساً وأكثر غموضاً. لعل مَن كتب قصة "فيلم كابول"، الأميركي إدغار آلان بو (1809-1849)، الذي اشتهرت حكاياته بالأسرار، وبأنها مروعة ومن خيال التحري.

ولم يبدد تشككي في ما أسمع وأرى، بما يخص "اتفاق أميركا وطالبان"، غير تخيلات هبت عليّ، من حيث أردت أن أعرف وأتيقن. كنت كلما تابعت، ما تصدره دولة الولايات المتحدة، وكل مؤسستها الرسمية، أتيقن أن الفعل الأميركي الصرف، عمل فني أدبي فانتازي. وأن يجب ما يجب: تلقيه بالمخيال وليس العقل، باعتباره عملاً إبداعياً، وقد يكون لا مثيل له، ككل عمل إبداعي مميز.

القارئ المتعقل والصبور، متأنٍ معي لأكتب شيئاً واضحاً، عن أمر غير واضح، فالقارئ الفطن، كانت له مقاربات عدة مع المسألة الإفغانية منذ عام ، وقد قاربت مدة الحرب الأميركية فقط عشرين سنة، منذ ما عُرف في كابول، بـ"غزوة نيويورك" في سبتمبر 2001.

هذا القارئ الحصيف، يتابع بالضرورة، وغالباً غصباً، السياسة الأميركية، التي منذ خرجت منتصرةً، على العدو والحليف في الحرب الكبرى الثانية، تمارس السياسة بالحرب. فكانت الحرب الباردة على طريقة: الحرب الكورية، الحرب الفيتنامية، الحروب الأميركية اللاتينية، الحرب اللبنانية، الحرب الصومالية، الحرب العراقية. فالحرب الإفغانية، التي تبدو كما مسبار كاشف: أنه لا يمكن الجزم القاطع بأن جيوش الولايات المتحدة خرجت منتصرة أو مهزومة، في أي حرب تذكرناها أو نسيناها. لقد اخترعت الدولة الأميركية القنبلة الذرية، فكانت إله الرعب الذي لا مثيل له، وإضافة إلى هذا الاختراع، أبدعت الإدارة الأميركية استراتيجية غامضة حول النصر المهزوم، الهزيمة المنتصرة!

المواطن الأميركي يولد جندياً، تنتهي مهمته كغازٍ منسحب، وأعتقد أن هذا ما يوصم كل ذاكرة أميركية، وأن تقريباً لكل أسرة أميركية ذاكرة موشومة بالغازي المنسحب. من دون أي توكيد في هذه الذاكرة لنصر أو هزيمة، وكأنما عظمة أميركا مستخلص جدل لا مثيل له. وإن ذهبنا إلى مقاربة أخرى، تخص التاريخ الأميركي، وأعني انتصارها في الحرب الكبرى الثانية، فاحتلالها لليابان وألمانيا الغربية، فإنني في هذا أيضاً، أجدني أشاهد فيلماً أميركياً بامتياز، فمَن المنتصر ومَن المهزوم في هذا الفيلم؟

الطريق إلى كابول، مسفلت بقطران، مهمة دينية ضد دولة كافرة، فكانت الحرب الأفغانية عقب الغزو السوفياتي في عام 1978، كما استعادة للحروب الصليبية، التي تواصلت بنفس الوتيرة، حتى هزيمة السوفيات الملاحدة. لتنسحب الولايات المتحدة، من هذه "الحرب المقدسة"، عقب هذا الانتصار، ما أذن بإنهيار الإمبراطورية السوفياتية.

الطريق إلى كابول، بعيد هزيمة الدولة الملحدة، وانسحاب الدولة الكبرى المؤمنة، أنتج حرب الإخوة المسلمين الأعداء، التي توّجت بـ"الملا عمر" أميراً لكابول، وأسست طالبان "إمارة أفغانستان الإسلامية". هذه الإمارة أسهم الأميركيون في بزوغ شمسها، حين أسهموا في إظلام كابول، وذات الإمارة أسهموا في هدمها، حين حدثت "غزوة نيويورك"، وبعد 20 حولاً من محاربتها، مهدوا لها الطريق إلى كابول.

 

*كاتب ليبي

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • ما بعد الجائحة
  • أنت لمن؟
  • الخطر شرقاوي وليس إسلاميا





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي