وحتى إذا كان النظام الإيراني قدم ضمانات سرية بإمكانية العودة إلى طاولة التفاوض للتفاهم مع المجتمع الدولي حول موضوع البرنامج الصاروخي ودور والنفوذ الإقليميين، إلا أن المرحلة الفاصلة ما بين العودة إلى تفعيل الاتفاق وإلغاء العقوبات الاقتصادية من جهة، وانطلاق مثل هذه المفاوضات المفترضة من جهة أخرى، فإن النظام الإيراني سيعمد إلى تفعيل نشاطاته على هذين المستويين كما فعل في عملية رفع مستوى تخصيب اليورانيوم واستخدامها كورقة ضغط على طاولة التفاوض لإجبار الأطراف الدولية الاستجابة إلى مطالبه، أي أنه من المتوقع أن تشهد المنطقة في المرحلة المقبلة عودة مختلفة لإيران وحلفائها من أجل فرض شروط جديدة أو على الأقل تثبيت مواقعها في الإقليم وترميم ما لحق بها من خلل في السنتين الماضيتين، خصوصاً بعد عملية اغتيال رأس مشروعها الإقليمي الجنرال قاسم سليماني في بغداد فجر الثالث من يناير (كانون ثاني) 2020.
القبول الأميركي بإسقاط مخاوف دول الجوار الإيراني، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، التي تمسكت بمطلب الدخول إلى مجموعة دول التفاوض كعضو معني مباشرة بالأزمة الإيرانية، وعدم الأخذ في الاعتبار عينه حساسياتها الكبيرة من التهديد الذي يشكله البرنامج الصاروخي الإيراني لأمنها واستقرارها، إلى جانب الآثار السلبية الناتجة عما تتحدث عنه من تدخلات إيرانية في شؤون هذه الدول الداخلية واستخدام جماعات موالية لها بهدف زعزعة أمنها واستقرارها وسيادتها. كل ذلك يعني أن المنطقة مقبلة على حالة تشبه مرحلة ما بعد اتفاق عام 2015 الذي أطلق يد إيران في المنطقة على حساب الدول الأخرى.
واذا كانت طهران وضعت عملية رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المئة، في خانة الرد على ما اعتبرته اعتداء إسرائيلياً على منشأة نطنز وتدمير آلاف عدة من أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول، " IR1"، فمن المتوقع أن تسعى إيران إلى تحويل أزمتها مع إسرائيل والمواجهة المفتوحة التي بدأت تلوح في الأفق بين الطرفين بعد تصاعد حرب الناقلات بينهما وصولاً إلى عدم تنصل تل أبيب من مسؤولية تفجير نطنز، ستسعى لتحويل هذا التوتر إلى أزمة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال رفع مستوى التهديد بالانتقام من الأخيرة لحض واشنطن على التعامل مع المخاوف الإسرائيلية التي ازدادت مع ظهور بوادر التوصل إلى اتفاق جديد في فيينا، خصوصاً وأن طهران تعتبر تمسكها بمبدأ التفاوض وتدوير الزوايا لتسهيل عملية التوصل إلى تفاهمات جدية تشكل خسارة لإسرائيل التي فشلت في عرقلة هذه المفاوضات، إن عبر الضغط على الدول المفاوِضة، أو من خلال استهداف البرنامج الإيراني ودفع طهران إلى اتخاذ خطوات انفعالية وإعلان انسحابها من التفاوض.
وأمام كل هذه الاحتمالات، هل تخلت واشنطن عن شروطها ورضيت باتفاق بالحد الأدنى مع طهران من أجل التفرغ لملفات في مناطق أخرى من العالم، وهل تركت حلفاءها في المنطقة، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي ليبحثوا بأنفسهم عن مخارج لأزمتهم مع إيران من دون التوقف عند الآثار السلبية والثقة العربية بواشنطن كشريك حقيقي يمكن الاعتماد عليه؟ أسئلة لا بد من البحث عن أجوبة لها في القريب العاجل.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع