بايدن وعرب أميركا في رمضان
2021-04-17
إميل أمين
إميل أمين

في لفتة لها معناها ومغزاها التصالحي، وجّه الرئيس الأميركي جوزيف بايدن رسالة للجالية العربية والإسلامية في الداخل الأميركي، التي عاشت فترة مزعجة قبل بضع سنوات، تعرضت فيها لتضييق واضح.
كلمة الرئيس بايدن جاءت بمناسبة بداية شهر رمضان الكريم، حيث كثيرون يركزون على تعزيز وعيهم بوجود الله في حياتهم وإعادة تأكيد التزامهم بخدمة الآخرين التي يفرضها عليهم إيمانهم، والتعبير عن امتنانهم للبركات التي يتمتعون بها كالصحة والرفاه والحياة نفسها، بحسب تعبير الرئيس بايدن.
قبل كلمة بايدن وفي أوائل شهر أبريل (نيسان) الحالي، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، عن تخصيص الشهر الميلادي للاحتفال والاحتفاء بـ«التراث العربي»، في الولايات المتحدة.
هل هي صحوة أميركية في مواجهة حركات العنصرية والمد اليميني الجاكسوني، صاحب دعوة العودة إلى تفكيك أميركا ارتكازاً على دعوات هوياتية متناحرة ومتصارعة؟
لا شك، يمكن أن تصب فكرة الاهتمام بالعرب في أبريل، وحيث شهر رمضان، في سياق رؤية مغايرة للعرب والمسلمين، وبخاصة في ظل رئاسة الرئيس بايدن، لا سيما أن تلك الجالية تعد قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، يمثلون مجموعة متنوعة من الثقافات والتقاليد، فيها من الغنى الإنساني والوجداني ما يعزز روح بوتقة الانصهار الأميركية التاريخية.
من أفضل العبارات التي يمكن لعربي أميركي أن يستمع إليها القول بأن الأميركيين من أصول عربية هم جزء لا يتجزأ من نسيج هذه الأمة، وقد ساهموا في جميع المجالات والمهن، وكثير منهم، في الواقع يخدمون في مؤسسات أميركية متقدمة، مثل وزارة الخارجية.
وصل الأميركيون العرب باكراً جداً إلى الولايات المتحدة، بعضهم في أواخر القرن التاسع عشر، والبعض الآخر أوائل القرن العشرين، وقد برعوا في مجالات المال والأعمال، وبزغ من بينهم المهرة في الطب والفلك، وها نحن نشهد صحوة في أوساط الجالية العربية والإسلامية مؤخراً، أسفرت عن بروز أعضاء جدد في الكونغرس الأميركي، ومشاركة ناجزة فاعلة من غير دونية أو صغر ذات مع نظرائهم من بقية الأميركيين الذين هم في الأصل مهاجرون بدورهم.
في السنوات الماضية، جرى العرف أن تحتفل بعض الولايات مثل أركنسو وميشيغان ونيويورك وكارولينا الشمالية بمثل هذه المناسبات، غير أنه في هذا العام يبدو تكريس البلاد برمتها لإحياء فكرة الانفتاح على الثقافة والتراث العربي، فكرة جيدة للغاية، بل تعتبر من قبيل نسمة الهواء النقي التي ستمنح المجتمع الأميركي برمته إحساساً بالفخر، وستكون فرصة لإظهار ما يدور حوله ولتثقيف الناس وتبديد الصور النمطية التي انسحبت في العقدين الأخيرين تحديداً على المسلمين العرب.
ليس سراً أن المسلمين في الولايات المتحدة يواجهون ضروباً من التحديات، تشبه في كثير منها ما واجهته جماعات الأقليات الأخرى.
بيد أن المسلمين يواجهون أيضاً تحديات وفرصاً مرتبطة بطابع الإسلام الإيماني والوجداني؛ إذ تنطوي العقيدة وممارستها على التزامات ومسؤوليات خاصة تشكل الطريقة التي يستجيب بها المسلمون كأفراد وكمجموعة لظروف المجتمع الأميركي.
وكثيراً ما ينغمس الناس في فحص القضايا الأميركية التي تواجه جماعات أقلية ومتمايزة في الولايات المتحدة، غافلين عن أن الصفات الخاصة للجماعات لها أهميتها هي الأخرى، وتنطوي حياة المسلمين في أميركا على قضايا إسلامية ذات شأن، علاوة على القضايا الأميركية المهمة.
والشاهد، أن كلمة الرئيس بايدن الرمضانية جاءت لتضع الكثير من النقاط على الحروف؛ إذ اعترف سيد البيت الأبيض بأن المسلمين الأميركيين قد أثروا أميركا منذ تأسيسها، ووصفهم بأنهم متنوعون وحيويون مثل الولايات المتحدة التي ساعدوا في بنائها.
يقرّ بايدن بأن مسلمي أميركا يقودون اليوم جهوداً ضمن صفوف الأميركيين لمكافحة فيروس «كوفيد - 19 المستجد»، ويلعبون دوراً رائداً في مجال تطوير اللقاحات وكعاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية. نجاحات الأميركيين العرب تمضي بخطوات واثقة في عالم المال والأعمال؛ فهم يخلقون الوظائف كرواد أعمال وأصحاب عمل، ويخاطرون بحياتهم كأول مستجيبين، ويقومون بالتدريس في المدارس الأميركية، ويعملون موظفين في الخدمة بشكل متميز في مختلف أنحاء البلاد، بل ويلعبون دوراً رائداً في النضال المستمر من أجل المساواة العرقية والعدالة الاجتماعية.
يمكن القطع أن رئيساً أميركياً لم يقرّ مثل هذا الواقع من قبل كما فعل الرئيس بايدن؛ الأمر الذي لقي ولا شك استحساناً في الداخلي الأميركي، وفي العالم العربي البعيد جغرافياً، والقريب عولمياً مما يجري داخل الإمبراطورية الأميركية المثيرة للتفكر والتدبر.
أصدق ما في كلمات الرئيس بايدن هو إقراره بأن المسلمين الأميركيين لا يزالون، بصورة أو بأخرى، هدفاً للتنمر والتعصب وجرائم الكراهية. هنا قد يحاجج البعض بأن العنصرية تعاود من جديد لتضرب كل الأميركيين وليس العرب أو المسلمين الأميركيين تحديداً، إلا أن هذا قول مردود عليه بأن الأقليات العددية عادة ما تدفع الأكلاف مضاعفة، وبخاصة إذا كان في المشهد مسحة دوغمائية مغايرة كما الحال مع الذين يصلّون خمس مرات في اليوم، ويصومون شهراً كاملاً، ولهم نسقهم العقدي غير المفهوم ربما من الكثرة الكثيرة هناك.
بايدن يرى أن مثل تلك الأعمال خاطئة وغير مقبولة، ويجب أن تتوقف، وأنه لا ينبغي أن يعيش أحد في الولايات المتحدة في ظل الخوف من التعبير عن إيمانه، ويؤكد أن إدارته ستعمل بلا كلل لحماية حقوق كل الناس وسلامتهم، وهذا أمر يحمد له في كل حال.
غير أن الأميركيين العرب تقع على عاتقهم مسؤولية كونهم جذوراً وجسوراً، مرآة مصقولة لامعة، ينبغي أن تقدم صورة تراثية خالدة عن الماضي، وتشارك في صناعة مجد الحاضر من غير خجل ولا وجل.
رمضان كريم.

* كاتب مصري
 



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي