سُلطة التغريدة
2021-02-11
ضحى الزهيري
ضحى الزهيري

جاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بصخب، ورحل بأزمة. وما بين الصخب والأزمة جرت في نهر السياسة الأميركية مياه كثيرة داخلياً وخارجياً.

لكن بعيداً عن سياسات الرجل ـ إذا جاز لنا أن نسميها كذلك - لا يستطيع أحد أن ينكر أن ترمب أعطى زخما وبعدا وتأثيرا مختلفا لمنصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر.

إذا كانت بعض الشعوب عرفت فيسبوك وطرحت القضايا وحشدت المظاهرات عبره، وإذا كان بعض قادة هذه الدول استشعروا خطر هذا السلاح، بعد ما رأوه يسقط أنظمة أمام أعينهم وجيوشهم، فإن شخصا واحدا لم يهابه بل استخدمه ضد منافسيه ولصالح مُريديه، ترمب الرئيس "المختلف" للولايات المتحدة.

ترمب كان سباقا في استخدام تويتر بمنظور مختلف. قرارات مهمة كان يكشف عنها مغردا "بنفسه" على حسابه على تويتر حتى قبل أن تصرح بها إدارته رسميا..

هاجم، وعيّن، وأقال مسؤولين، كثير منهم عرفوا بقراراته تلك عبر تويتر - تخيل الشعور بالإهانة ـ وقبل أن تأتيهم القرارات بشكل رسمي من قنواتها المتعارف عليها داخل الإدارة الأميركية، وهذا عكس كل التقاليد والأعراف المتبعة لمؤسسة الرئاسة.

صدم الرجل متابعيه، مؤيدين ومعارضين، حينما غرد مستخدما هذه كلمة Terminated أو" المُنتهي" حينما أنهى خدمة أحد أهم وزراء إدارته. وزير دفاعه مارك إسبر، وقبله عزل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ليعين مايك بومبيو خلفا له. الرجلان عرفا القرار عبر تويتر.

في يوم آخر غرد ترمب بالقول إنه آن الأوان لوليام بار المدعي العام الأميركي لأن يرحل ويقضي وقتا مع عائلته، بعد أن صرح بار بأن وزارة العدل لم تجد ما يشير إلى انتشار التزوير في انتخابات 2020 الانتخابات التي يصر ترمب على أنه خسرها بسبب التزوير.

كل هذا حدث على تويتر

الرئيس (السابق) دونالد ترمب لديه ما يقارب التسعين مليون متابع على تويتر، وهو أول من أوحى لكثير من الرؤساء بإصدار القرارات المهمة أو الإعلان عنها عبر تويتر، عوقب على نفس المنصة التي كان له الفضل في منحها زخما وبعدا لم يسبق لأي قائد أو رئيس أن أعطاها إياهما. وهنا تكمن المفارقة على طريقة "من عاش بالسيف مات به".

ما فعله ترمب عكس ما يحدث في بعض دول ما تسمى بالربيع العربي، لأننا كثيراً رأينا ما هدد قادة بعض هذه الدول عبر مسؤوليهم أو معارضيهم المستأنسين بحظر هذه الوسائل بدعوى أنها خطر على الأمن القومي وكثيرا ما دافعت نفس هذه المنصات عن حرية الرأي والتعبير وأن فضاءاتها متاحة للجميع.

شخص واحد قلب هذه الصورة أيضا، ترمب

تويتر حكم، وأزال، بعضا من تغريدات ترمب بعد أن حكم عليها بانتهاك قواعد تويتر وتضر بالمصلحة العامة، وهي تهمة أو ادعاء يشبهان كثيرا اتهامات فضفاضة اعتادت بعض أجهزة الأنظمة السلطوية توجيهها متى أرادت أن تحاسب شخصا أو جهة أو حزبا معارضا بدعوى الخطر على الأمن القومي تارة، والحفاظ على قيم الأسرة ـ التي لا يُعرفها القانون ولا يعرفها المجتمع ـ تارة أخرى!!

تويتر عاقب ترمب وللأبد، وإصدار حُكمه على من كان رئيس أقوى دولة في العالم لم يدم أكثر من ساعات قليلة، في حين فشل الكونغرس بنفس هذه الدولة الكبرى في هذه الخطوة في المحاولة الأولى، وتقول كل المؤشرات إن المساءلة الثانية لإدانة ترمب أيضا ستفشل وستنتهي بعدم إدانته في الاتهام الموجه له بتحريض مؤيديه على اقتحام الكونغرس.

على من يظن أن محاكمة ترمب بدأت الآن، أو حتى حينما تمت مساءلته في الكونغرس في ديسمبر 2019، مراجعة نفسه، فمحاكمة ترمب الحقيقية كانت من تويتر والعقوبة كانت عزله عن المنصة حينما حُرم من التغريد.

والسؤال ماذا سيحدث إذا لم يُدن مجلس الشيوخ ترمب للمرة الثانية؟ هل يعفو عنه تويتر؟ أم أنّ للموقع هذا سلطة لها قوانينها الخاصة؟

إذا كان مصطلح السلطة الرابعة يطلق على الإعلام عموما وعلى الصحافة خصوصا فماذا عن منصات التواصل الاجتماعي؟ وإذا كان دور السلطة الرابعة اقتصر على التوعية وأحيانا كثيرة توجيه وتشكيل الرأي العام، فماذا عن سلطة تويتر التي عاقبت رئيس أكبر دولة في العالم؟!

المؤكد أن سطوة وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف توجهاتها تتسع يوما بعد يوم، وتأثيرها يعصف بمسؤولين، ويصنع نجوما، ما كان لهم أن يشتهروا. وهو ما يعني أن تأثير هذه السلطة بات واقعا وعلينا التعامل معه بحذر.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • أول امرأة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي