عن إدارة بايدن والشرق الأوسط
2020-11-22
إميل أمين
إميل أمين

مع اقتراب العشرين من يناير كانون الثاني المقبل، وتسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جوزيف بايدن مقاليد الحكم، ترتفع في الأفق تساؤلات حول ملامح ومعالم سياسة الإدارة الأميركية القادمة، لا سيما تجاه دول الشرق الأوسط، وكيف ستمضي دفة السفينة الأميركية.

والشاهد أنه لا يمكننا بحال من الأحوال إن أردنا الوصول إلى جواب عقلاني لعلامة الاستفهام المتقدمة، أن نفصل الحاضر عن الماضي، أو نتمحور في اللحظة الآنية من غير التطلع إلى البعد الزمني الثالث أي المستقبل.

منذ نهايات الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة الأميركية شريك فاعل لدول المنطقة بشكل كبير، ولعل العلاقات الأميركية السعودية اتسمت بتميز خاص، منذ لقاء الملك عبد العزيز في البحيرات المرة عند قناة السويس المصرية مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ولا تزال علامة واضحة في مسيرة واشنطن شرق أوسطيا.

مؤخرا تصاعدت في الأفق أيضا تساؤلات حائرة حول تخطيط واشنطن للانسحاب مرة وإلى الأبد من الشرق الأوسط، لكن ذلك في حقيقة الحال غير حقيقي ولا يمكن أن يكون أبدا على هذا النحو.

ليس سرا أن هناك أبواقا بعينها لا تغيب عن ناظري المتابع المحقق والمدقق، تعمل على إثارة الذعر من إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية القادمة، وتهيئ لأصحاب العقول البسيطة ورقيقة الحال فكريا، الاقتناع بأن الرجل قادم بسيف بتار، يبغي الانتقام والثأر، وإقامة المحاكم لمن يخالف واشنطن الرأي، لا سيما بالنسبة لأصدقاء الرئيس ترمب وحلفائه في المنطقة.

المفهوم المتقدم في حقيقة الأمر، ديماجوجي عشوائي، لا يفهم أسس ومنطلقات السياسة الأميركية، وجل ما يريده أنصار تلك الغوغائية، إثارة التراب على الطرقات بهدف واحد موصول بأوهام جماعات الإسلام السياسي، على اختلاف أسمائها وتعدد ولاءاتها.

أصحاب هذا الصخب الدعائي، بدأت بالفعل أكاذيبهم تتردد لخلق حالة نفسية سلبية عكسية تجاه إدارة الرئيس بايدن، وحتى ترسخ لدى بعض من شعوب المنطقة مرتكزات خاطئة تجاه مستقبل العلاقات مع واشنطن من جهة، ومن جهة ثانية بث الأمل الواهي بل المنعدم في إعادة عجلة الزمن إلى الوراء أي زمن إدارة باراك أوباما، والتي شغل فيها بايدن موقع النائب، تلك الإدارة التي تسببت في الكثير من الأهوال للمنطقة عبر الربيع العربي المغشوش، ذاك الذي دعمه وزخمه أوباما، وأفرد له صفحات من كتابه ومذكراته الأخيرة، وهذه لنا معها رجعة عما قريب.

الماضي لا يعود، هذا ما لا يدركه المتآمرون من جهة، وأميركا لا تدار بالولاءات الشخصية أو المشاعر العاطفية، إذ إن البراغماتية هي الحاكم الرئيس لتحقيق أهداف البلاد، وإدراك استراتيجياتها الموضوعة بعناية فائقة وتخطيط مسبق منذ عقود.

تجعل المؤسساتية الأميركية من المستحيل أن تكون الرئاسة الأميركية مجرد أهواء شخصية أو نزعات هوائية لشخص الرئيس أو نائبه، والذين لديهم علم من كتاب رؤية الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، يدركون كيف أنهم جعلوا السلطات الثلاث: التنفيذية الممثلة في الرئيس وإدارته، والتشريعية المتمثلة في الكونغرس، والقضائية عبر المحكمة العليا، في رقابة دائمة الواحدة تجاه الأخرى، وكي لا تنفرد إحداها بمقدرات الأمور، أو تستبد بالمشهد السياسي وتعصف بالآخرين.

الذين يهللون وفي قلوبهم الكثير من الشر تجاه دول المنطقة ويحاولون جاهدين وضع الأسافين مع الإدارة الأميركية الجديدة، هم من القصور العقلي لتصور أن الزمن توقف وتحجر عند العام 2011، وأن ما فعله أوباما يمكن أن يكرره بايدن بصورة نمطية، ذلك أن الشرق الأوسط لم يعد كما كان عليه من قبل عقد من الزمن، وأميركا نفسها ليست هي أميركا التي كانت قبل عشر سنوات.

ينسى أو يتناسى أصحاب المكائد والدسائس أنه وفي قمة حضور أوباما، استطاعت إرادة الشعوب أن تتحدى وتتصدى لمخططات الشر، وهذا ما فعله المصريون في 30 يونيو 2013 حين خرجوا في طوفان بشري هادر مطالبين بإسقاط الجماعة الظلامية التي دعمها أوباما وهيلاري، ووجدت مصر المحروسة من ورائها أشقاء عربا يشدون من أزرها، وإن نسي التاريخ فلن ينسى للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما قامتا به تجاه الكنانة في ذلك الوقت.

الرهان العربي على الحصان الوطني، وليس على جياد غربية أو شرقية، وهذا يمكن للمرء أن يتصوره من خلال مشروعات المستقبل الاستشرافية الطموحة وفي مقدمها رؤية 2030 للمملكة، والتي يقودها بثقة وجسارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

أضحى الرهان العربي على الداخل من خلال التنمية والاستقرار، ومن خلال تعظيم التوافق الوطني، وبلورة مسارات ومساقات مودات إنسانية، تسمح بالتعايش الخلاق والعمل الناهض بالأمم والشعوب.

الوهم الذي يروجه المرجفون قائم على غير أساس، فواشنطن لم تعد شرطي العالم أو دركه، ومربعات النفوذ التي خسرتها في الشرق الأوسط طوال العقد الماضي ومن جراء سياسية أوباما المعروفة بالقيادة من وراء الكواليس، تجعل الماضي لا يمكن أن يعود، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى الاتفاقية التي نجحت الصين في إبرامها مؤخرا بين 15 دولة، أميركا ليست بينها ومنها دول هي من أهم حلفاء أميركا مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، وتشكل التجارة العالمية لهذه الدول تقريبا ربع سكان العالم وقرابة 30 تريليون دولار.

هل يعني ذلك أن أميركا لم يعد لها وزن أو أن دول الشرق الأوسط لا ترغب في التعاطي معها؟

بالقطع لا يمكن أن يكون ذلك كذلك، إذ ستظل واشنطن قيادة عولمية متقدمة، ما يستوجب من القائمين على أمرها إعادة قراءة المشهد الدولي بعين الاحترام وتقدير إرادات الشعوب.

إدارة الرئيس بايدن يكاد المرء يشفق عليها لأسباب عدة، ذلك أنها في أحسن الأحوال إدارة انتقالية بين أجيال، وتقدم سن الرئيس عامل حاسم فيها، أما الأكثر مدعاة للقلق هو حالة أميركا الداخلية اقتصاديا ومجتمعيا، فقد خلفت الانتخابات الأخيرة شقاقا وفراقا يحتاج لأكثر من أربع سنوات لمعالجته.

الخلاصة.. طرح القضايا المصيرية يبدأ من عند الذات وليس من عند الآخرين... فانظر ماذا ترى!.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي