كبار وإن صغُرت بلدانهم
2020-11-13
سمير عطا الله
سمير عطا الله

يقال «المخضرمون» للذين عاشوا في الجاهلية وأدركوا الإسلام. خليفة بن سلمان من الرعيل الذي مارس المسؤولية الرسمية قبل وبعد استقلال البحرين.

وارتبط اسمه بمرحلة عالية من مراحل النشوء والارتقاء التي عرفها الخليج في القرن الماضي، من بلدان تواجه صعوبتي الصحراء والبحر، إلى دول حديثة الاقتصاد، متعددة المصادر.

الشيخ خليفة بن سلمان كان نموذجاً من نماذج المسؤولين الذين أداروا في بلادهم أهم المراحل التي مرت بها الجزيرة العربية. رجل لا يعرف شيئا سوى العمل، في صمت وفي حزم، صلب لا يلين، ومثابر لا يتعب. وبهذا المعنى مارس مسؤوليته التنفيذية كرئيس للوزراء، على نحو مشهود.

كان الشيخ خليفة مخضرماً أيضا بين الإرث والحداثة. والذين رافقوا نمو البحرين شهدوا كيف انتقلت من ساحة قديمة ودكاكين تبيع اللؤلؤ وموسم الغوص الصعب، إلى سوق مالية مزدحمة بناطحات السحاب. وفي ظل عيسى بن سلمان، ثم حمد بن عيسى، تولى العمل الإداري في جدية تامة. وكان الشيخ خليفة متابعاً، دؤوباً للسياستين، العربية والدولية.

وكان يقول إن الدول في وعيها لا في حجمها. ومنذ أيام الشاه كان هاجس البحرين إيران ومطامعها المعلنة وجلافتها في التعاطي مع هذه الجزيرة الصغيرة. وأضيف إلى ذلك أمر لم يخطر لأحد هو مطالبة قطر بجزر حوار. لكن محكمة العدل الدولية حسمت في ذلك، واضعة حداً لأسوأ عملية تنمر في تاريخ الخليج.

يخلف الشيخ خليفة بن سلمان، الجيل الثالث، الشيخ سلمان بن حمد. ولا تزال التحديات الداخلية والخارجية نفسها، أو هي زادت. غير أن الشيخ سلمان تهيأ في مدرسة سياسية عريقة، وتخرج من جامعة كمبريدج في الفلسفة والعلوم السياسية.

ولعل الاستمرارية باقية كما هي في القضايا الجوهرية، وخصوصاً في الموقف الخليجي. وفي خطوة ذات دلالة واضحة كانت البحرين قد عينت أمين عام مجلس التعاون السابق عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزيراً للخارجية، بعد تجربة طويلة في سياسات المجلس. واللافت أيضا أنه عسكري سابق، أي أنه يرفد خبرته الدبلوماسية بخبرة عسكرية طويلة.

غيرت السياسات الإيرانية في الطمأنينة التي عرفها الخليج ودفعت به إلى البحث عن سبل الحماية الخارجية والتحصين الداخلي. وكان الراحل الشيخ خليفة معروفاً بتشدده في الحفاظ على الأمن، معلناً أن التساهل ممكن في كل شيء، إلا في الأمن، فهو خيانة للأمانة الوطنية.

ولذلك، فتح أبواب العودة أمام المعارضين السياسيين، لكنه واجه الشغب والتخريب بالحزم الكلي.

وكانت له صورة الرجل القوي الصلب، لكن عند الذين لا يعرفون الفرق بين التسامح والإهمال. هو، لم يكن يهمل تفصيلاً واحداً. وكان يكرر أنه ليس هناك خطأ صغير وخطأ كبير، وإنما خطأ أو صواب.

 

  • كاتب وصحافيّ لبناني

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • شيخ المستعربين
  • ما بعد غزة كما ما بعد السويس
  • سلام دون انتصار





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي