سباق سياسي ومالي على أرض كورونا
2020-09-12
رفيق خوري
رفيق خوري

"لا أحد يستطيع خداع فيروس"، يقول غاري كاسباروف المعارض الروسي وبطل الشطرنج سابقاً، لكن الصين فعلت ذلك مرتين: في المرة الأولى، كما تروي فانغ فانغ في كتاب "يوميات ووهان"، أخفت السلطات الحقائق ثلاثة أسابيع، ثم قالت لنا في بداية الحجر "الفيروس ليس قابلاً للانتشار بين البشر، ومن الممكن السيطرة عليه بسهولة فلا تقلقوا".

وفي المرة الثانية احتفلت أخيراً بـ "الانتصار" على كورونا الذي تركته ينتشر في العالم، وقدم رئيسها شي جين بينغ المداليات لأبطال الطاقم الطبي قائلاً، "قدنا معركة كبيرة واجتزنا اختباراً تاريخياً"، وليس قادة كثير من بلدان العالم أقل من القادة الصينيين رغبة في خداع النفس والشعوب واللعب مع كورونا، عبر الادعاء بوجود لقاحات جاهزة.

الرئيس فلاديمير بوتين أمر بتوزيع لقاح روسي قبل أن يكمل التجارب في مرحلته الثالثة، الرئيس دونالد ترمب يطلب توزيع لقاح أميركي قبل يوم من الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، وقادة بريطانيا وأستراليا يراهنون على توزيع لقاح أوكسفورد في نهاية العام الحالي، غير أن منظمة الصحة العالمية تحذر من أنها لن تعترف بأي لقاح قبل أن تثبت فعاليته في الاختبارات، وتؤكد أنها لا تتوقع لقاحاً ناجحاً قبل منتصف العام المقبل.

لقاح فعال

وكل شيء بالطبع يستدعي استعجال الحصول على لقاح فعال: الناس، الاقتصاد، والحياة، لكن الاستعجال الحالي، بصرف النظر عن النيات الحسنة، هو فصل من سباق سياسي ومالي لتحقيق أهداف خارج الهموم الصحية. السباق السياسي، هو في موسكو لتعزيز النفوذ الروسي من خلال القوة الناعمة بعد كثير من استخدام القوة الخشنة في جورجيا وأوكرانيا وسوريا. وهو في واشنطن من ضمن الوسائل التي يتصور ترمب أنها تضمن له الفوز في الانتخابات، أما في أوروبا، فإنه ردّ على الاستهتار الأميركي والروسي والصيني بالقارة العجوز، وإعادة التذكير بأن أوروبا لا تزال رائدة في البحث العلمي والطبي، وأما في الصين من خلال الإعلان عن "الانتصار" على كورونا، فإنه النظر من فوق إلى العالم الغارق تحت أثقال الوباء الذي ولد في الصين.

والسباق المالي يعني الحديث عن مليارات وحتى تريليونات الدولارات التي سيربحها من يبدأ في إنتاج اللقاح أولاً وبيعه في العالم كله. وأقل ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" هو التجسس الصيني والروسي على المختبرات وشركات الأدوية لمعرفة الأسرار التي جرى التوصل إليها، وحرص كل أجهزة الاستخبارات في العالم على معرفة ما توصل إليه الآخرون في الأبحاث والاختبارات المتعلقة باللقاح ثم العلاج.

أقوى من الجميع

غير أن الوباء لا يزال أقوى من الجميع، وفي الطليعة الكبار بكل ما يملكون من تكنولوجيا وعقول ومختبرات، فلا التوقعات حول اقتراب الخلاص من الجائحة صحّت، ولا الأحاديث والأحلام عن مرحلة ما بعد كورونا وجدت لها خطوة عملية في الواقع، فالوباء ضرب حتى الآن 27 مليون إنسان في العالم، بينهم 6.25 مليون في أميركا و4.2 في الهند و4.12 في البرازيل، والذين ودعوا الحياة حتى الآن بسبب الإصابة بالوباء 900 ألف، ولا أحد يعرف متى نصبح بالفعل في عالم ما بعد كورونا، غير أن الواضح أمامنا هو أن علينا "التكيّف" مع عالم كورونا إلى زمن طويل.

ومن التكيّف تغيير أنماط كثيرة في الحياة والسلوك، من معادلة التوازن الذي لم يتحقق بين الحرص على الاقتصاد والحرص على الصحة إلى نظريات التغيير الشامل في كل شيء في سلوك حكامها، فليس قليلاً عدد الذين تصوروا أن تأثير كورونا سيكون أكبر من تأثير الحرب التي قال هيغل إنها "الريح الضرورية التي تحرك المياه الأسنة من أجل التطور التاريخي للمجتمعات الانسانية" ثم خاب أملهم.

الحديث عن الكوارث

وكثيرون عادوا إلى قراءة الكتب القديمة والحديثة عن الكوارث، وفي طليعتها "الحب في زمن الكوليرا" و"مئة عام من العزلة " لغابرييل غارسيا ماركيز، و"الطاعون" لألبير كامي الذي قال "الغباء يحمل معه العناد"، وقلة أصدرت كتباً عن كورونا وسط بقاء نظريات "المؤامرة على العالم" وراء الوباء، ومن الآراء المعبرة قول الكاتبة ياسمين رضا "أنا أكتب حين لا تكون الحياة كافية"، لكن الإبداع ليس بسبب نقص الحياة، ومن باب التبسيط القول إن "كل مشاكل الإنسانية تأتي من عدم قابلية الرجل للجلوس بهدوء وحيداً في غرفة".

 

*كاتب لبناني



مقالات أخرى للكاتب

  • صراع غير متكافئ على روح لبنان
  • "الربيع العربي".. ما قبل وما بعد    
  • زمن الذكاء الاصطناعي: خطورة وحش آلي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي