ماذا حدث لمسلمي كشمير في مثل هذا اليوم؟
2020-08-05
محمد سرحان
محمد سرحان

تزامناً مع الذكرى الأولى لإنهاء الحكم شبه الذاتي لولاية جامو وكشمير، والذي ألغي في الخامس من أغسطس/آب 2019، فرضت السلطات الهندية حظراً للتجول بالولاية، خاصة أنها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، خشية أن تعكر احتجاجات سكانها صفو احتفالات الهندوس مع رئيس الوزراء الهندي بوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي على أنقاض مسجد البابري التاريخي، فضلاً عن أن سكان الولاية في الأساس يخضعون لحظر شبه مستمر بفعل فيروس كورونا.

والصمت المطبق الذي يخيم على شوارع ومدن جامو وكشمير يشبه تماماً ما كانت عليه الولاية قبل عام، عندما تم منع الأهالي من الخروج من المنازل وقُطعت الاتصالات وشبكات الإنترنت، وأُغلقت الأسواق وسيق مئات الأشخاص إلى المعتقلات، قبيل إلغاء الحكم شبه الذاتي لكشمير، فماذا تعرف عن هذا الحدث؟

خصوصية ولاية جامو وكشمير

كانت المادة 370 من الدستور الهندي والخاصة بجامو وكشمير تشمل نصاً يحمل اسم "35 A" تمت إضافته عام 1954 يمنح ولاية جامو وكشمير صلاحيات وضع قوانينها، وعلَماً خاصاً واستقلالية في إدارة كل شؤونها ما عدا الخارجية والدفاع، كما يسمح للسلطة التشريعية فيها بتحديد "المقيمين الدائمين" في الولاية، وهو ما يمنحهم امتيازات في الوظائف والتعليم وحق التملك، وهو ما كان يضمن عدم قدرة الهند على التغيير في التركيبة السكانية للولاية على حساب الأغلبية المسلمة.

لكن في الخامس من أغسطس/آب 2019 وقف وزير الداخلية الهندي أميت شاه أمام البرلمان يعلن قرار الحكومة إلغاء المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل حكماً شبه ذاتي لولاية جامو وكشمير ومن ثم تقسيم الولاية إلى منطقتين، وفي ذات الجلسة وافق البرلمان على قرار تقسيم الولاية، وصدّق على مشروع إلغاء وضع الحكم الذاتي للولاية، ونشرت وزارة العدل نسخة من نص المرسوم وأعلنت دخوله حيز التنفيذ.

تغيير ديموغرافي

بعد إلغاء الحكم الذاتي، أصدرت نيودلهي تشريعات في أبريل/نيسان تمنح مواطنين هنوداً عاشوا في جامو وكشمير لمدة 15 عاماً، صفة "مواطن محلي"، لتمكينهم من امتلاك أراض والإقامة والعمل في المنطقة، إضافة إلى تقلّد مناصب عامة، الأمر الذي أعقبه منح شهادة "مواطن محلي" لأكثر من 25 ألف شخص خلال مايو/أيار، وهو المسعى الذي يهدد التركيبة السكانية في الولاية ذات الأغلبية المسلمة، إذ يشكل المسلمون نحو 69% والهندوس حوالي 29% من إجمالي السكان البالغ 12.5 مليون والبقية من السيخ والمسيحيون، وفق إحصاء رسمي أجرته الهند عام 2011.

خلفية كشمير التاريخية

كشمير تقع بين كل من الهند وباكستان وأفغانستان والصين، وتنقسم إلى ثلاثة مناطق هي: وادي جامو وكشمير ذو أغلبية مسلمة وهو الجزء الخاضع لسيطرة الهند، وكشمير الحرة خاضعة لباكستان، ولداخ خاضعة للصين وهي تقع بين مرتفعات كاراكوروم وباكستان والصين، وهي ذات غالبية بوذية، عملياً تابعة لجامو وكشمير.

يسكن كشمير في الجانبين الهندي والباكستاني نحو 15 مليون نسمة من أجناس متعددة منها آريون ومغول وأتراك وأفغان.

خطة شيطانية

في 17 يوليو/تموز 1947، أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند الذي أنهى نحو 173 عاماً من الحكم البريطاني لها، وفي 15 أغسطس/آب من نفس العام أنزلت أعلام الإنجليز، لكن رحيل الاحتلال لم يكن بريئاً وإنما أعد خطة شيطانية رسمها المحامي الإنجليزي سيريل رادكليف تقضي بتقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين هما باكستان والهند على أن تضم الأولى الولايات ذات الأغلبية المسلمة، بينما تشمل الهند غير المسلمين، مع مراعاة التقسيمات الجغرافية في كل منطقة، لكن هذه الخطة تمت على أشلاء مئات الآلاف وتشريد الملايين، رغم أنهم جميعاً كانوا معاً يحررون بلادهم من المحتل الإنجليزي.

آنذاك وقعت أزمة تقسيم في بعض الولايات منها حيدر آباد وجوناغاد وكشمير ففي ولاية جوناغاد أراد حاكمها المسلم الانضمام إلى باكستان فعارضته الأغلبية الهندوسية بالولاية، وهنا تدخلت الهند بقواتها ونظمت استفتاء انتهى بانضمامها جوناغاد إلى الهند، الأمر نفسه تكرر مع ولاية حيدر آباد التي دخلتها القوات الهندية في 13 سبتمبر/أيلول 1948 وضمتها بالقوة.

أما كشمير فحاول حاكمها الهندوسي حينها المهراجا هاري سينج المضيّ بها نحو الاستقلال عن كل من باكستان والهند، بينما كانت الأغلبية المسلمة ترغب في الانضمام إلى باكستان، وهو ما دفع سينج إلى أن يلجأ إلى الهند والتي لم تفوت الفرصة لكنها اشترطت عليه ضم الولاية إليها، بعكس قواعد التقسيم، فازداد التوتر بالولاية، وتدخلت الهند عسكرياً واحتلت ثلثي كشمير في أكتوبر/تشرين الأول 1947، تبع ذلك تدخلاً أممياً وأصدر مجلس الأمن قراراً في 18 أغسطس/آب 1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، لكنه لم يتم حتى الآن.

الصين تدخل على الخط

في عام 1962 دخلت الصين على الخط رغبة منها في نيل نصيبها من كعكة كشمير فحصلت مواجهة بينها وبين الهند، وسيطرت الصين على جزء من كشمير هو "أكساي تشين".

في عام 1965 تجددت المواجهة بين الجيشين الهندي والباكستاني غير أن الجهود الدولية نجحت في وقف القتال بينهما، لكن المواجهة عادت لتتكرر في بداية عام 1971 عندما اتهمت وقتها باكستان الهند بدعم باكستان الشرقية "بنغلاديش" التي انفصلت لاحقاً في العام نفسه عن باكستان.

اتفاقية شِملا

وقعت معاهدة "شِملا" في سنة 1972 بين الهند وباكستان، ونصت على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 ديسمبر/كانون الأول 1971 هو خط هدنة بين الهند وباكستان، وأصبح الشطر الهندي من كشمير نحو 53 ألف كم، ويسمى "جامو وكشمير"، أما الشطر الباكستاني فيزيد قليلاً عن 32 ألف كم، ويُعرف باسم "ولاية كشمير الحرة آزاد كشمير".

تحت سيطرة الهند عانى سكان كشمير طويلاً، حتى إن مصادر من داخل جامو وكشمير تقدر عدد ضحايا الاعتداءات الهندية منذ 1989، بأكثر من 100 ألف كشميري، وتعرض أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب، ويشار إلى أن القانون الهندي يمنح القوات العسكرية بالولاية سلطة الاعتقال بدون إبداء أسباب أو الخضوع لمساءلة، بحجة الحفاظ على السلم العام، وهو ما خلّف عشرات الآلاف من المعتقلين.

أهمية استراتيجية

كشمير تعد المصدر الرئيس للمياه في المنطقة، فهي مصدر المياه لباكستان، وغنية بثروات كثيرة منها الغابات والمعادن، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي، بينما تنظر لها الهند باعتبارها عمقاً استراتيجياً لها أمام الصين وباكستان.

صخب في الشمال

يقابل هذا الصمت المطبق في كشمير، صخب حاد في الشمال وتحديداً في ولاية "أوتار براديش"، إذ يقام في اليوم 5 أغسطس/آب احتفال كبير بحضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي لوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري التاريخي، وسط حالة استنفار الأمني يخيل للهندوس أن المسلمين مصدر تهديد، وهي ذات السياسة التي يلعب عليها المتعصبون الهندوس في التفريق بين أبناء الشعب الواحد، ويسعون لرسم خريطة اللون الواحد تمهيداً لإقامة الدولة الهندوسية.

هذا المخطط الهندوسي يستلزم نزع الشرعية عن المسلمين ونزع أي بعد حضاري لهم في البلاد، ومن هنا يتم نزع المساجد التاريخية من ملكية المسلمين من خلال العصابات الهندوسية والقضاء، بحجة أنها أقيمت على أنقاض معابد لغير المسلمين، مثل "مسجد بابري" الذي بناه السلطان المغولي المسلم "ظهير الدين محمد بابر" عام 1528، ثم هدمه الهندوس في 6 ديسمبر 1992، وكذلك مسجد "كيان وابي" بمدينة واراناسي والذي بناه الإمبراطور المغولي "أورانك ذيب" عام 1664 وهو الآن على خطى مسجد بابري إذ تنظر المحكمة العليا الخلاف عليه بين المسلمين والهندوس.

يمتد المخطط أيضاً إلى محو أي إرث حضاري للمسلمين في البلاد، فيتم تغيير أسماء المدن ذات الدلالة الإسلامية إلى أسماء جديدة مثل مدينة "إله آباد" والتي أصبحت "برياغ راج" وملعب "فيروز شاه" أصبح باسم "أرون جيتلي".

قانون الجنسية

في أواخر 2019 مررت الحكومة الهندية قانون المواطنة الجديد "CAB bill"  والذي نص على منح الجنسية لأبناء 6 أقليات دينية هي "الهندوسية والسيخ والبوذية والجينية والزرادشتية والمسيحية" من دول الجوار المسلمة ( باكستان وأفغانستان وبنغلاديش)، بشرط أن يكونوا يقيمون في الهند قبل نهاية 2014، بحجة أنهم يعانون من الاضطهاد في هذه البلاد المسلمة، والتشريع الجديد يعتبر تعديل لقانون المواطنة المعمول به منذ عام 1955م، بينما يحظر الدستور التمييز على أساس الدين.

السجل الوطني

من ضمن مخطط تهميش المسلمين بالهند، العمل بالسجل القومي للمواطنين والذي تمت تجربته في ولاية "آسام" إذ طالبت السلطات مواطني الولاية بتقديم وثائق تثبت إقامتهم فيها قبل 24 مارس/آذار 1971 وهو تاريخ إنشاء دولة بنغلاديش، وشملت القائمة النهائية للمستبعدين من المواطنة 1.9 مليون شخص من بينهم 400 ألف مسلم، والباقي من غير المسلمين، ومن المقرر تعميم العمل بالسجل القومي في عموم الهند، وبناء على قانون المواطنة الجديد فإن من يفشل من غير المسلمين في تقديم وثائق تثبت مواطنته فإنه سيتم منحه الجنسية مجدداً بموجب قانون المواطنة، ويبقى المسلمون وحدهم ضحية سياسات نزع الشرعية عن وجوهم وبالتالي حرمانهم من حقوقهم كمواطنين فيصبحون مواطنين من الدرجة الثانية.

 

*كاتب مصري



مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب





كاريكاتير

إستطلاعات الرأي