بالتمثيل الكيميائي.. الميكروبات تستغني عن الأكسجين وتعيش على الهيدروجين

2020-12-27

يمكن للحياة الميكروبية أن تنشأ وتزدهر اعتمادا على الهيدروجين 

محمد شعبان: كيف تتشكل الحياة وتزدهر؟ سعى علماء الفلك طيلة عقود للحصول على إجابات لهذا السؤال، وذلك باستكشاف إمكانية وجود حيوات أخرى خارج الأرض، لكنهم لم يجمعوا سوى أجزاء صغيرة من هذه الأحجية الكونية الكبرى.

هناك عناصر ضرورية ساعدت في تشكل الحياة على الأرض تتمثل في الماء، والغلاف الجوي، ومصدر الطاقة، وكمية مناسبة من الحرارة والإشعاع والضوء القادمين من الشمس. وعادة ما يوجه العلماء اهتمامهم للبحث عن مثل هذه العناصر على الكواكب الأخرى لتكون بمثابة دليل على وجود حياة هناك.

لكن، وفي رحلتنا للبحث عن الحياة، علينا أن نتصالح مع الاعتقاد بأن شكل هذه الحياة قد يكون مختلفا تماما عما هي عليه هنا على الأرض.

حياة ميكروبية جديدة

حيث أشارت دراسة حديثة نُشرت نتائجها في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) في 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري أن حياة ميكروبية يمكنها أن تنشأ وتزدهر اعتمادا على الهيدروجين وحده، دون الحاجة إلى ضوء الشمس.

وقام العلماء في جامعة ولاية مونتانا (Montana State University) في الولايات المتحدة بقياس تركيزات الهيدروجين في المياه الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية في جنوب آيسلندا وكندا.

ولاحظ العلماء وجود تركيزات أعلى من الهيدروجين أثناء مرور المياه فوق الصخور البازلتية مقارنة بمرورها فوق الصخور الكربونية.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجامعة تعقيبا على الدراسة، يقول إريك بويد قائد الدراسة "لم نعرف في البداية مصدر انبعاثات غاز الهيدروجين تلك، إلا أننا عثرنا على كائنات ميكروبية في هذه البيئات تعتمد على الهيدروجين".

اكتشف العلماء لاحقا أن هناك سلسلة من العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تُنتِج غاز الهيدروجين، إذ تتسبب الطبقات الجليدية في تفتت الصخور الغنية بالسيليكا الموجودة أسفل منها إلى جسيمات معدنية صغيرة. وعندما تذوب هذه الجسيمات في المياه الجليدية تطلق غاز الهيدروجين في نهاية المطاف.

تركيزات الهيدروجين كانت أكبر في الأنهار التي تغطي الصخور البازلتية (بيكساباي)

أيض الهيدروجين

إلا أن الأمر الأكثر إثارة كان يكمن في قدرة المجتمعات الميكروبية الموجودة تحت الأنهار الجليدية على استخدام غاز الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون لإنتاج المزيد من المواد العضوية. وتُعرف هذه العملية باسم التمثيل الكيميائي، وهي عملية شبيهة بعملية التمثيل الضوئي التي يبني بها النبات الكتلة الحيوية مستخدما غاز ثاني أكسيد الكربون، غير أنها لا تتطلب ضوء الشمس.

ولدراسة هذه الميكروبات القادرة على القيام بعملية التمثيل الكيميائي، قام الفريق باستزراع عينات من هذه الكائنات -التي جمعت من رواسب الأنهار الجليدية في كل من كندا وآيسلندا- في بيئة مختبرية تحاكي بيئتها الأصلية، ومن ثم قاموا بمتابعتها لعدة أشهر لمعرفة كيفية نموها وازدهارها.

ولاحظ العلماء أن الميكروبات التي جُمعت من أحد الأنهار الجليدية في آيسلندا والتي تغطي طبقة من الصخور البازلتية كانت أكثر قدرة على أيض الهيدروجين مقارنة بالميكروبات التي جمعت من نهر جليدي آخر في كندا والذي يغطي طبقة من الصخور الكربونية.

الجليد المُغطّي لقمر تيتان قد يحتوي على ميكروبات مماثلة (ناسا)

كائنات ذاتية الاستدامة

وعن هذه الآلية يضيف بويد، "تستخدم هذه الكائنات الهيدروجين لتوليد الطاقة، كما تقوم بسحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتوليد الكتلة الحيوية اللازمة لنموها وتكاثرها". ويمضي في القول إلى أن "قدرة هذه الكائنات على ضبط نسبة الكربون تعد بمثابة آلية مناخية مهمة، بالمثل كما هي الحال في عملية التمثيل الضوئي بالنباتات".

تغطي الأنهار الجليدية حوالي 10% من عالمنا اليوم، وبالطبع كانت تغطي نسبة أكبر من ذلك بكثير في الماضي، لذا فإنه من المحتمل أن يكون لمثل هذه الأنشطة الميكروبية تأثير كبير على مناخ الأرض حاليا. كما أن هذه الميكروبات قادرة على توليد الكربون الذي تحتاجه دون الحاجة إلى ضوء الشمس للقيام بذلك، وهو ما يجعلها ذاتية الاستدامة بشكل يختلف عن بقية الأحياء.

ويشير بويد إلى أن "هناك أدلة على وجود الجليد على كواكب أخرى. إلا أننا لا نعرف إن كانت هذه الكواكب صالحة للسكن أم لا"، فهل من الممكن أن تحوي الصفائح الجليدية الموجودة في تلك الكواكب مجتمعات ميكروبية ذاتية الاستدامة، كتلك التي توصلت إليها هذه الدراسة؟ "بالطبع، هذا أمر وارد" كما يجيب بويد.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي