
الْكَلَامُ كَالصَّمْتِ
(بِإيمَاءَاتِهِ وَإِشَارَاتِهِ وَبَرَاءَاتِهِ)
وَاضِحٌ وَجَلِيٌّ
لَوْلَا غُمُوضُ الْقَارِئِ.
مَسْأَلَةُ وَقْتٍ لَا أَكْثَرَ،
وَيَعْصُرُ الْقَمَرُ رَحِيقَ أَنَاهُ
مِنْ قِبَابِ قَبْرِهِ السَّمَاوِيِّ،
وَسَيَبْتَسِمُ هُوَ أَخِيرًا، وَكَثيرًا
(وَدُونَ رَسْمٍ بِلَوْنٍ أَصْفَرَ عَلَى الشِّفَاهِ)
بِاسْتِهْزَاءٍ، وَتَشَفٍّ
أَنِ اخْتَبَأَ طَازَجًا إِلَى حِينِهِ
... هُنَاكَ.
تُحَلِّقُ قُبَّرَتُهُ الْبَيْضَاءُ فَوْقَ رَأْسِهِ الْأَعْلَى
تَبُثُّهُ رَغْبَتَهَا،
وَجُوعَهَا إِلَيْهِ،
وَتَدْعُوهُ مِنْ عَلٍ
إِلَى عَلٍ
أَنْ يَتَأَمَّلَ بَيَاضَ جَنَاحَيْهَا الْعَطِرَيْنِ
مُقَابِلَ سَوَادِ الْأُخْرَيَاتِ الْكَامِلِ.
لَا يَمِيلُ إِزْمِيلُهُ إِلَّا إِلَى ظِلِّ مَرْمَرِهَا؛
يَنْقُشُ فِيهِ أَلْوَانَ طَيْفِهِ السَّاحِرِيَّةَ
فَلَا يَخْدُشُهُ بِحَوَاسِّهِ المُتَصَاعِدَةِ مِنْ طِينِ شَهْوَتِهِ
إِلَى قَرَارِهَا المَكِينِ
مِثْلَ لَبْلَابَةٍ شَبِقَةٍ.
الْجَسَدُ وَحْدَهُ مُمِلٌّ
لَوْلَا سِيَاحَةُ الرُّوحِ فِيهِ..
هكَذَا تُؤَوَّلُ شَهْوَةُ الرَّائِي.
تَمُرُّ الشَّمْسُ عَبْرَ الزُّجَاجِ،
وَيَظَلُّ بِكْرًا،
وَيَمُرُّ صَوْتُهُ عَبْرَ شَفَافِيَّتِهَا،
وَيَخْتَفِي فِيهَا.
تَوَاءَمَا فِي لَحْظَةِ اخْتِلَافٍ؛
فِي غِنَائِهِ سَحَابَةٌ تَنْثُرُ رَذَاذَ جُهْدِهِ عَلَيْهَا،
وَفِي عِطْرِهَا مُوسِيقَى مَلْسَاءُ تَفْرُشُ سَرِيرَ لِقَائِهِمَا..
مَعًا هَبَطَا عَلَى مُدَبَّبَاتِ الْأَرْضِ،
وَلَمَّا تَلْمَسْهُمَا بَعْدً.
يَتِيهُ لَمسَةً عَارِيَةً فِي وَعْيِهَا المَجْهُولِ،
وَلَا يَتَّقِي الْتِصَاقَهُ بِحَوَافِّهَا الْبِدَائِيَّةِ
أَوْ بِجُمَلِ نَظْرَتِهَا الْغَامِضَةِ..
يَتَسَاءَلُ:
هَلْ تَسْرِي كَهْرُبَاءُ مُفَاجَأَتِهِ فِي لَحْظَاتِهَا المُعْتِمَةِ؟
لَيْسَتْ جُثَّةً سَاخِنَةً
هكَذَا يُحِسُّهَا تُحِسُّهُ..
تُرَى:
مَنْ يَشْحَنُ مَنْ
(بِطَاقَتِهِ السَّاكِنَةِ)
فِي وِصَالِ ظِلَّيْهِمَا المُفْتَرِقَيْنِ؟
دَاخِلَ إِطَارِ لَوْحَتِهَا إِطَارٌ آخَرُ،
وَدَاخِلَ الْآخَرِ صُورَةٌ نَافِرَةٌ
بِأَلْوَانِ طَائِرٍ فَادِحٍ،
وَمَا بَيْنَهُمَا
يَخِفُّ لَهَا حَارِسًا
مِنْ بَشَاعَةِ تَفَتُّحِ أَوْرَاقِ بُغْضِ الْعُيُونِ.
إِنَّهَا فِي وُضُوحِ رُؤْيَةِ الْأَعْمَى
إِلَّا أَنَّ جَاذِبِيَّتَهَا تَتَكَاثَرُ دَائِمًا
بِطَعْمِ الْحَامِضِ السَّلِسِ،
وَالْبِهَارِ الرَّنَّانِ؛
سَهْلَةَ الْقِرَاءَةِ،
وَصَعْبَةَ الْحَنِينِ.
صَافِيَةٌ وَبَاهِرَةٌ بِبَاطِنٍ عَذْبٍ
يَتَلَاشَى فِي أَغْوَارِهَا الْحَالِمُ الْعَارِي،
ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ مُتَوَّجًا بِحَرَارَةِ خُلْجَانِهَا
وَلَمْ يَزَلْ يَتَفَوَّهُ الْعَطَشَ.
مَضَتْ فِيهِ؛
نِصْفُ لَيْلَةٍ،
وَنِصْفُ وَرَقَةٍ،
وَنِصْفُ دُوَاةٍ،
وَنِصْفُ مَقْعَدٍ،
وَنِصْفُ طُقُوسِ أَشْيَائِهِ الْحَاضِرَةِ
أَمَامَ جَبَرُوتِ أُلْفَتِهَا الْكَامِلَةِ يَرُدُّهُ
إِلَى
الْبِدَايَةِ.
تَحْفُرُ ظِلَّهَا الصَّارِخَ فِي أَشْيَائِهِ، وَتَمْضِي
بَعِيدًا... إِلَيْه؛
هِيَ رَوْنَقُ الصُّورَةِ،
وَهُوَ أَصْلُ التَّجَلِّي.
لِأَنَّهُ يُحَاوِلُ النُّشُورَ فِي الْكَلَامِ
سَيَسْقُطُ خَرِيفُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهَا
خَاضِعًا مِنْ رَهْبَتِهِ؛
مِثْلَ جَنَّةٍ مُنْتَظَرَةٍ،
وَسَيَرَى أَعْمَالَهُ الطَّهُورَةَ- الْعَذْرَاءَ
فِي مِيزَانِ صَدْرِهَا الْأَبَدِيِّ، وَقَدْ تَسَاوَتْ
رَجْفَةُ ثَمَرَتَيْهِ.
___________________
شاعر من فلسطين