قاموا بتجربة لقاح كورونا عليّ.. أستطيع أن أقول: نحن أمام معجزة حقيقية

2020-11-12

والتر إيزاكسون *

 

حدّقت فيّ الطبيبة من وراء واقي الوجه البلاستيكي وقالت بلهجة آمرة: "انظر إلى عينيّ". كانت عيناها زرقاوين، بلون كمامتها الطبية. وبعد لحظات، بدأت أستدير لأواجه الطبيب الآخر على يساري، الذي غرس إبرة طويلة في عضلات ذراعي اليسرى، إلا أن الطبيبة الأولى صاحت: "لا.. انظر إليّ!".

ثم فسرت الأمر لي؛ لكوني مشاركاً في تجربة سريرية عمياء لتجربة لقاح كوفيد-19، كان عليهم التأكد من أنني ليست لديّ أي فكرة عمّا إذا حُقنت باللقاح الخاضع للاختبار أم جرعة من الدواء الوهمي.

كان ذلك في بدايات شهر أغسطس/آب الماضي، وقد سجلت في التجربة السريرية للقاح الذي يعلنون الآن أنه حقق نتائج واعدة جداً؛ اللقاح الذي طورته شركة فايزر مع الشركة الألمانية BioNTech. وهو نوع جديد من لقاحات الحمض النووي الريبوزي (RNA) لم يُطرح من قبل.

تعمل اللقاحات عن طريق تحفيز الجهاز المناعي للفرد. من الطرق التقليدية للتحصين حقن نسخة ضعيفة جداً من الفيروس الخطير في جسد الشخص السليم، وهي الطريقة التي نقاوم بها الآن الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والجديري المائي. والطريقة الأخرى هي استخدام نسخة أو جزء من الفيروس بعد قتله تماماً.

نجاح لقاح شركة فايزر يعني أن وباء عام 2020 مثل علامة فارقة بدأت فيها اللقاحات الجينية تحل مكان اللقاحات التقليدية. بدلاً من حقن جرعات ضئيلة وآمنة من الفيروس نفسه، أصبحت تلك اللقاحات الجديدة تحقن جزءاً من الترميز الجيني الذي يوجه الخلايا البشرية لإنتاج مكونات الفيروس المستهدف من تلقاء نفسها، ثم تعمل تلك المكونات الآمنة على تحفيز جهاز المناعة البشري.

إنها معجزة أخرى من ابتكارات التكنولوجيا الحيوية، لتصبح بذلك معرفة الترميز الجيني على نفس قدر أهمية الترميز الرقمي، وسوف تصبح الجزيئات بمثابة الرقاقات الدقيقة الجديدة.

انضممت إلى التجربة في مستشفى أوشنر في مسقط رأسي نيو أورلينز، لسببين؛ أولاً لأكون مواطناً صالحاً، ثانياً لأنني أكتب كتاباً عن أداة تعديل جينية اسمها "كريسبر" (CRISPR)، والبطل الرئيسي لهذا الكتاب هو الحمض النووي الريبوزي (RNA). ويستفيد اللقاح الذي طورته شركتا فايزر وBioNTech من معظم الوظائف الأساسية للحمض النووي الريبوزي؛ الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA) الذي يحمل التعليمات الجينية من الحمض النووي (DNA) الموجود داخل نواة الخلية إلى منطقة التصنيع داخل الخلية، حيث يعطي التوجيهات بنوع البروتين المطلوب إنتاجه. وفي حالة لقاح كوفيد-19، يوجه الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA) الخلايا لإنتاج نسخة من النتوء البروتيني الشوكي الموجود على السطح الخارجي لفيروس كورونا. وبعد ذلك يتمكن هذا النتوء البروتيني الشوكي من تحفيز جهاز المناعة لإنتاج الأجسام المضادة التي تحمينا من فيروس كورونا الحقيقي. وبالإضافة إلى لقاح فايزر، تعمل شركة Moderna أيضاً، ومقرها مدينة كامبريدج في ماساتشوستس، على تطوير لقاح mRNA.

عندما تطوعت، قيل لي إن مدة الدراسة قد تطول إلى عامين. وأثار ذلك عدة تساؤلات بداخلي، فسألت المنسقة عما قد يحدث إذا حصل اللقاح على الموافقات اللازمة قبل هذه المدة؟ فأخبرتني أنهم سوف يخبرونني وقتها إن كنت حصلت على اللقاح الحقيقي أم على العلاج الوهمي، وسوف يحقنونني باللقاح الحقيقي إذا لم أحصل عليه في المرة الأولى.

ثم سألت: "ماذا سيحدث إذا حصل لقاح شركة أخرى على الموافقات اللازمة قبل انتهاء تجربة هذا اللقاح؟" فأجابت: "لم يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن بعد".

لذا، توجهت بتلك الأسئلة إلى فرانسيس كولينز، مدير معاهد الصحة الوطنية، التي تمول وتشرف على دراسات اللقاح، فكان جوابه: "لقد طرحت سؤالاً يثير الآن نقاشات جادة بين أعضاء مجموعة عمل اللقاحات". وقبل أيام قليلة فقط، نُشر "تقرير استشاري" حول هذه القضية من إعداد قسم الأخلاقيات الحيوية بمعاهد الصحة الوطنية. وقبل قراءة التقرير، عليّ الاعتراف بأن وجود شيء في معاهد الصحة الوطنية اسمه "قسم الأخلاقيات الحيوية" جعلني أشعر بالارتياح والإعجاب.

كان التقرير مدروساً وواضحاً؛ إذا كنت في تجربة لأحد اللقاحات وحصل هذا اللقاح على اعتماد هيئة الغذاء والدواء، سوف تحصل فوراً على اللقاح الحقيقي إذا كنت في مجموعة الدواء الوهمي. وإذا كنت في تجربة لأحد اللقاحات وحصل لقاح شركة أخرى على الموافقات اللازمة، سوف يُقدم اللقاح الجديد المعتمد لكل أفراد مجموعة العلاج الوهمي في التجارب الأخرى.

ولهذا السبب يعد التطوع في التجارب السريرية فكرة جيدة.

الخبر الجيد بشأن لقاحات الحمض النووي الريبوزي هو إمكانية إعادة برمجتها بسهولة. حتى بعد نهاية وباء كوفيد-19، سوف تظهر فيروسات جديدة. وعندما يحدث ذلك، لن يستغرق الأمر سوى أيام لترميز تسلسل حمض نووي ريبوزي جديد وتطوير لقاح يستهدف هذا التهديد الجديد. سوف تمكننا الأدوات المصنوعة من الحمض النووي الريبوزي (RNA) من تعديل المواد الوراثية وابتكار لقاحات قابلة لإعادة البرمجة بسهولة.

لقد كانت جائحة مروعة وعاماً بائساً، ومن الرائع رؤية نهاية كليهما بفضل الحمض النووي الريبوزي، الجزيء الأساسي الذي ربما يكون مسؤولاً عن وجود الحياة على كوكبنا منذ مليارات السنوات، ومن الرائع أن تنتهي الأزمة بميلاد حقبة جديدة من ابتكارات التكنولوجيا الحيوية.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأمريكية. .

*أستاذ بجامعة تولين، لويزيانا، ومؤلف كتاب "The Code Breaker: Jennifer Doudna, Gene Editing, and the Future of the Human Race"، المتوقع نشره في شهر مارس/آذار المقبل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي