قوة العلامات والتواصل غير اللفظي

تعرفي على لغة الإشارة في العمل

2020-10-16

ينطوي استخدام لغة الإشارة في العمل على الكثير من الفوائد، خاصة إذا علمنا أنه بحلول عام 2015، كان لدى العالم أكثر من 360 مليون شخص يعانون من ضعف السمع، وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، ولك أن تتخيل إلى كم وصل هذا العدد حاليًا، وكم من هؤلاء يعملون في بيئات عمل مختلفة.

ويحمل استخدام لغة الإشارة في العمل رسالتين واضحتين: الأولى هي رسالة داخلية، تشير إلى مدى قيام الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مجتمعها الداخلي (هذا إذا كان لديها موظفون من الصم والبكم)، أما الرسالة الثانية فتتمثل في التزام الشركة بحل مشكلة هذه الشريحة الواسعة من المجتمع.

موضوع يهمك : 6 مهارات .. تعرفي عليها لتكوني قائدة ناجحة في العمل

يُفهم من هذا أن استخدام لغة الإشارة في العمل سيساعد في تحقيق الاندماج بين الموظفين والعملاء _وسنأتي على ذكر هذه المسألة بالتفصيل_ بالإضافة إلى بناء سمعة الشركة في المجتمع المحيط بها.

بيئة عمل إيجابية

تُعد القدرة على استخدام لغة الإشارة للتواصل والتفاعل مع زميل العمل الصم أمرًا ضروريًا؛ لتهيئة مناخ عمل إيجابي، وبناء علاقة قوية بين الموظفين، كما أن تعلمك _أنت الصحيح المعافى_ استخدام لغة الإشارة في العمل سوف يساعدك في تحقيق نوع من التواصل الفعال مع زملائك الآخرين من الصم والبكم.

علاوة على أنه سيعكس مدى احترامك لهم، ورغبتك في التواصل معهم، كما أن وجود هؤلاء الأشخاص في الشركة سيعني تحررها من التحيز والعنصرية، ناهيك عن أنها سوف تكسب تعاطف ليس مجتمع الصم والبكم فقط (وهو مجتمع شديد التضامن والترابط بالمناسبة) ولكن المجتمع بشكل عام.

ومن خلال توظيف ذوي الكفاءة في لغة الإشارة، قد تنشأ فرصة تدريب للموظفين الآخرين، ويمكن لأصحاب العمل استغلال هذا الوقت لتطوير أي فرد من موظفيهم على استعداد لتعلم هذه اللغة.

لا يعكس هذا أخلاقيات الشركة فحسب، بل يوضح أيضًا أنها تهتم بفرص تدريب موظفيها ويظهر أولوية عالية لسلامة مكان العمل واحتياجات الموظفين.

صنع العميل الأصم

تركز الطرح السابق على التواصل الداخلي مع زملاء العمل من الصم والبكم، لكن من الأهمية بمكان، أيضًا، أن يتعلم الأشخاص لغة الإشارة في العمل، خاصة أولئك الذين يعملون في بيئات مثل المطاعم والمستشفيات وشركات البيع بالتجزئة.

ولك أن تخيل رد الفعل الذي قد يتخذه الشخص الأصم إذا دخل في مؤسستك لإجراء عملية شراء، أو لطلب المساعدة، ووجدك ترحب به على طريقته وتقوله له باللغة التي يفهمها: “مرحبًا. كيف حالكم؟”، أو “مرحبًا، هل يمكنني مساعدتك؟” كيف سيكون رد فعله وامتنانه لك؛ نظير ما قدمته له من اهتمام فقط عبر استخدام لغة الإشارة في العمل .

لا تحتاج، بطبيعة الحال، إلى أن تكون بارعًا في لغة الإشارة لمساعدة عميل أصم، يمكنك ببساطة تعلم بعض العلامات والجمل الأساسية لمساعدة هذا الشخص، خاصة إذا كانت العلامات مرتبطة بمجال عملك.

قوة العلامات أو الصوت والضجيج

قد لا يكون مفاجئًا أن تعلم أن هناك علمًا كاملًا يدرس الحركات والإشارات اللغوية منها وغير اللغوية وهو «علم العلامات»، ومن فرديناند دو سوسير وصولًا إلى رولان بارت وجاك دريدا هناك إسهاب كبير في التأمل النظري والشروحات حول قوة العلامات وهيمنتها على حياتنا.

أما المفاجئ حقًا فهو أن تعلم أن ما تقوله غير مهم _وأحيلك هنا لتأمل أكثر عمقًا إلى كتاب «الضجيج: تاريخ إنساني للصوت والإصغاء» لمؤلفه ديفيد هندي_ ولكن المهم هو حركاتك، وإيماءاتك، فماذا نفعل بقولك إذا كانت تعبيرات وجهك تفصح عن شيء آخر بخلاف ما تقول؟!

يدرس المهتمون بلغة الجسد وعلماء الاجتماع من أصحاب نظرية التفاعلية الرمزية مثل هذه الحركات والإيماءات، لكني لا أريد بسط آرائهم في هذا الصدد، فما يعنينا هنا هو الإشارة إلى أن التواصل البناء يقوم على الحركة/ الإيماءة أكثر منه على الكلمة المنطوقة. ومن هنا تبرز أهمية استخدام لغة الإشارة في العمل أو حتى الحياة الشخصية، لكن شرط أن تفهم لغة الإشارة بالمعنى الواسع للمفهوم.

التواصل البنّاء

لا يتعلق استخدام لغة الإشارة في العمل بالتعامل مع الصم والبكم فحسب، بل هناك عشرات الاستخدامات لهذه اللغة؛ حيث تساعدك هذه اللغة، بشكل عام، في إعطاء صوت للأشخاص الذين يجدون صعوبة في التواصل اللفظي، مثل المصابين بالتوحد.

وثمة فضيلة أخرى للتواصل غير اللفظي وهو كونه يحررنا من «سجن اللغة»، فعدم إلمامي باللغة التي تتحدث بها معي لن يقف حائلًا بيني وبين التواصل البناء معك، طالما أنني انتويت استخدام لغة الإشارة.

إن الحديث عن لغة الإشارة في العمل يدفعنا إلى استحضار ذاك التراث الصوفي العريق والذي يقدّم «الإشارة» على «العبارة»، لا أريد طبعًا أن أقول إن لغة الإشارة بدأت من الصوفية، ولا حتى أن أحصر الإشارة في حدود ذاك الفهم الضيق، ولكن ما ابتغينا قوله هو أن التواصل غير اللفظي أهم وأجدى من التواصل بالكلمات. في الواقع نحن نلجأ إلى الكلام حين لا نجد له بديلًا، في البدء كان الصمت، واكتشاف اللغة المنطوقة فعل تالٍ للتواصل أصلًا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي