فورين أفيرز: هكذا فشلت أمريكا في محاولاتها لتغيير الأنظمة بالشرق الأوسط

2020-10-11

 

منذ خمسينيات القرن الماضي، حاولت الولايات المتحدة ​​تغيير الحكومات في دول الشرق الأوسط الكبير، وقد فعلت ذلك في إيران وأفغانستان والعراق ومصر وليبيا وسوريا، وهي قائمة لا تتضمن سوى الحالات التي كان فيها تنحية قادة دولة ما وتحويل نظامها السياسي بشكل كامل.

وتباينت الدوافع الكامنة وراء هذه التدخلات على نطاق واسع، وكذلك أساليب واشنطن، حيث شملت في بعض الحالات رعاية انقلاب، وفي حالات أخرى غزو واحتلال دولة، وفي حالات أخرى الاعتماد على الدبلوماسية والخطابات والعقوبات.

ومع ذلك، تشترك كل هذه المحاولات في شيء واحد، فقد فشلت جميعها. وفي كل حالة، بالغ صانعو السياسة الأمريكية في تقدير التهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة، وقللوا من خطورة الإطاحة بالنظام، وروجوا للخطابات المتفائلة من المنفيين أو الجهات الفاعلة المحلية محدودة النفوذ والقوة.

وفي كل حالة، باستثناء سوريا (حيث احتفظ النظام بالسلطة)، أعلنت الولايات المتحدة النصر قبل الأوان، وفشلت في توقع الفوضى التي ستنجم حتما بعد انهيار النظام، ووجدت نفسها في نهاية المطاف تتحمل تكاليف بشرية ومالية ضخمة لعقود من أجل لا شيء.

موضوع يهمك :  هكذا استغل خصوم ترامب الذبابة التي نزلت على رأس نائبه بنس

فلماذا يعتبر تغيير النظام في الشرق الأوسط بهذه الصعوبة؟ ولماذا يستمر قادة ونقاد الولايات المتحدة في التفكير في أنه يمكنهم فهم الأمر بشكل صحيح؟ ولا توجد إجابات سهلة على هذه الأسئلة، ومن المهم الاعتراف أنه في كل حالة، كانت بدائل تغيير النظام غير جذابة.

لكن بينما يفكر صانعو السياسة في الولايات المتحدة في تحديات التعامل مع هذه المنطقة المزعجة، يجب أن يروا أنماط خداع الذات وسوء التقدير التي جعلت تغيير النظام أمرا مغريا للغاية مرارا وتكرارا، قبل أن يظهر في النهاية أنه كارثي للغاية

تضخم الذات 

وفي عام 2011، بينما كان كبار المسؤولين يناقشون ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية ضد الزعيم الليبي "معمر القذافي"، ذكّر وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس"، العضو الأكثر خبرة في فريق الأمن القومي للرئيس "باراك أوباما"، زملاءه بأنه "عندما تبدأ حربا لا تعرف أبدا كيف ستسير الأمور".

وكان تحذير "جيتس" بسيطا، ففي كل حالة فردية، مهما كان الإعداد بعناية، كان لتغيير النظام في الشرق الأوسط عواقب غير متوقعة وغير مرحب بها.

وربما كان أقوى مثال على هذه الظاهرة هو الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عندما أنهت واشنطن حكم "صدام حسين"، لكنها عززت نفوذ إيران في نفس الوقت عن غير قصد، وغذت الجهاد، وأظهرت للديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم القيمة المحتملة لامتلاك أسلحة نووية لردع مثل هذه الغزوات.

وزاد الغزو الشكوك في جميع أنحاء العالم حول القوة الأمريكية العدوانية، وأثار استياء الرأي العام الأمريكي بشأن التدخل العسكري لعقود قادمة.

ولم يكن العراق وحده في هذا، ففي كل حالة أخرى، كانت العواقب غير المقصودة هي الأكثر أهمية. وفي إيران عام 1953، ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية في الإطاحة برئيس الوزراء القومي المثير للجدل "محمد مصدق"، على أمل أنه مع خروج "مصدق" من الصورة، سيكون الشاه الإيراني، "محمد رضا بهلوي"، حليفا إقليميا أكثر موثوقية يبعد إيران عن المعسكر السوفيتي.

لكن فساد الشاه وقمعه القاسي، بتحريض من رعاته في الولايات المتحدة، أدى في النهاية إلى ثورة 1979، التي جلبت إلى السلطة نظاما معاديا بشدة لأمريكا ورعى الإرهاب وزعزع استقرار المنطقة منذ ذلك الحين.

وفي أفغانستان في الثمانينيات، ساعد دعم الولايات المتحدة للمجاهدين الإسلاميين في تقويض الاتحاد السوفيتي، لكنه ساهم أيضا في عقد من الفوضى، والحرب الأهلية، وصعود حكومة طالبان، وتمكين حركة جهادية عالمية، وفي النهاية، التدخل العسكري الأمريكي، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، التي خطط لها قادة "القاعدة" المتمركزون في أفغانستان.

وبعد الانتفاضة الشعبية في مصر عام 2011، استخدمت الولايات المتحدة نفوذها الدبلوماسي للمساعدة في إنهاء الحكم القمعي الذي استمر لعقود من الزمن لـ "حسني مبارك".

 موضوع يهمك : عرضت مكانها أشرطة ملونة.. الصين قطعت البث عن سؤال في مناظرة بنس وهاريس

لكن الوضع تدهور في الأعوام التالية. وفي عام 2012، جلبت الانتخابات إلى السلطة حكومة إسلامية. وفي العام التالي، تمت الإطاحة بتلك الحكومة بعنف واستبدالها بنظام عسكري جديد بقيادة الجنرال "عبد الفتاح السيسي"، الذي أثبت أنه أكثر قمعا من نظام "مبارك".

وفي عام 2011، أدت الإطاحة بـ "القذافي"، بدعم من الولايات المتحدة، والانهيار اللاحق للدولة الليبية، إلى عنف واسع النطاق، وسمح بانتشار الأسلحة في جميع أنحاء المنطقة، وفاقم عدم الاستقرار في تشاد ومالي المجاورتين، وعزز عزم روسيا على عدم السماح مرة أخرى لمجلس الأمن بإصدار قرار من شأنه تسهيل تغيير النظام كما فعل في حالة ليبيا.

وكان المدافعون عن تغيير النظام في ليبيا يأملون في أن تؤدي الإطاحة بـ "القذافي" إلى دفع دكتاتوريين آخرين إلى الموافقة على ترك السلطة بدلا من أن يتعرضوا لنفس مصير "القذافي".

وفي الواقع، كان للتدخل تأثير معاكس. وفي سوريا، على سبيل المثال، شاهد "بشار الأسد" نظيره "القذافي" وهو يُعذب بوحشية ويُقتل على يد الثوار الليبيين، وقرر قمع خصومه بقسوة ما خلق فرصة للجهاديين الذين امتدوا بعد ذلك إلى العراق المجاور وقوضوا الحكومة هناك.

وأثبتت محاولة الولايات المتحدة وغيرها للإطاحة بـ"الأسد"، من خلال دعم متمردي المعارضة، أنها أكثر كارثية. ومع إصرار روسيا وإيران على إبقاء "الأسد" في السلطة، لم تؤد أعوام من المساعدة العسكرية الخارجية للمعارضة السورية إلى الإطاحة بـ"الأسد" على النحو المنشود، بل أدت بدلا من ذلك إلى تعزيز نظامه ورعاته الأجانب، ما أدى إلى تأجيج حرب أهلية شرسة ومأساة إنسانية وتدفقات لجوء عالمية على نطاق لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تسببت بدورها في رد فعل شعبوي عنيف في أوروبا، فضلا عن انفجار "التطرف الجهادي".

وكانت الرغبة في إسقاط "الأسد" القاتل مفهومة. لكن عواقب المحاولة والفشل في القيام بذلك أثبتت أنها أسوأ من عدم المحاولة على الإطلاق.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي