لماذا ينبغي على أمريكا ألا تبيع طائرات إف-35 إلى الإمارات؟

مصدر: Why the United States Shouldn’t Sell Jets to the UAE
2020-10-02

نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالًا للكاتب صموئيل راماني تناول فيه الأسباب التي يجب أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للامتناع عن بيع طائرات إف-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، وحذَّر الكاتب من أن الإقْدَام على هذه الخطوة سيتيح لروسيا إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية ويقوِّض التفوق العسكري الإقليمي لإسرائيل.

القانون الأمريكي يضمن التفوق العسكري لإسرائيل

يستهل الكاتب، المرشح لنيل درجة الدكتوراه في السياسة والعلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، مقاله قائلًا: خلال الشهر الماضي، أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. ورافق هذا الإنجاز، الذي اتَّخذ طابعًا رسميًّا من خلال حفل توقيع للاتفاقية أُقِيم في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، مناقشات حول البيع الوشيك لطائرات أمريكية مقاتلة من طراز إف-35 إلى الإمارات.

وعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا شراء الإمارات طائرات إف-35، لكن إدارة ترامب تعمل على التوصُّل إلى حل وسط يسمح للحكومة الأمريكية ببيع طائرة مقاتلة من الجيل الخامس إلى أبوظبي دون أن يؤدي ذلك إلى تقويض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة.

وكان الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل –ويُقصَد به قدرتها على ردع العدوان من الخصوم الإقليميين من خلال تمتعها بالتفوق التكنولوجي والتكتيكي- مبدأً مُوجِّهًا لسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن الماضي، ومن ثم أصبح مبدأً مُقننًا في القانون الأمريكي منذ عام 2008.

ما أسباب الرفض؟

يذكر الكاتب أن البيع المرتقب لطائرات إف-35 إلى الإمارات واجه مقاومة ورفضًا في الولايات المتحدة. وأثارت جرائم الحرب الإماراتية المتداول أخبارها في ليبيا، والتي تشمل هجومًا على مركز لاحتجاز اللاجئين بالقرب من طرابلس وضربة جوية بطائرة من دون طيار قتلت طلابًا غير مسلحين في مدينة طرابلس في شهر يناير (كانون الثاني)، فضلًا عن إشرافها على مرافق للتعذيب في اليمن، تحدياتٍ أخلاقية ضد الصفقة. كما كانت علاقة الإمارات الوطيدة مع الصين سببًا آخر لانتقاد الصفقة.

وهناك أيضًا مخاوف بشأن إمكانية قيام روسيا والصين بتزويد إيران بتكنولوجيا عسكرية متطورة، من أجل مواجهة تعزيز الإمارات لقدراتها الجوية في حال حيازتها لطائرات إف-35. وفي حين أن هذه العوامل المعاكسة تثير ما يكفي من القلق، توفر أيضًا الشراكة الاستراتيجية المتنامية للإمارات مع روسيا أساسًا منطقيًّا مقنعًا بالقدر نفسه لتعليق مبيعات طائرات إف-35 لأبوظبي.

الشراكة الإماراتية الروسية خطر على التكنولوجيا الأمريكية

يشير الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية الروسية فيما بعد عام 1991 إلى أنه على الرغم من أن الإمارات تُوصَف غالبًا بأنها الشريك الأمريكي الموثوق فيه للغاية في مكافحة الإرهاب في العالم العربي، إلا أن أبوظبي عملت مع روسيا على تعزيز الشرعية الدولية للرئيس السوري بشار الأسد، وتمكين قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر من الهجوم على طرابلس. ويتشابك هذا التعاون العسكري على مستوى الأزمة مع وجود علاقة ثنائية قوية على نطاق واسع.

وفي شهر يونيو (حزيران) عام 2018، وقَّعت روسيا والإمارات أول اتفاقية شراكة استراتيجية بين موسكو ودولة من دول مجلس التعاون الخليجي. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بأنه «صديق قديم» قبيل زيارته للإمارات في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، وأسفرت زيارته عن عقد صفقات تجارية جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار بين البلدين.

وفي ضوء هذه الشراكة المتنامية، يجب على الولايات المتحدة الامتناع عن تصدير طائرات إف-35 إلى الإمارات حتى تتخذ أبوظبي خطواتٍ ملموسة نحو الانفصال عن روسيا. وفي هذا الصدد، نذكر سابقة تعليق مبيعات طائرات إف-35 الأمريكية لتركيا بعد أن اشترت نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400 وأعلنت عن خطط للتعاون مع روسيا في بناء نظام إس-500، ومن ثم يجب تطبيق السابقة نفسها على الإمارات. وما لم تنأَ الإمارات بنفسها عن روسيا، فهناك خطر كبير على نحو غير مقبول من حدوث نقل غير مقصود للتكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا عبر أبوظبي، ومن أن تصبح أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية قابلة للتشغيل البيني مع طائرات إف-35.

وبحسب كاتب المقال، تُعد شراكة روسيا الأمنية مع الإمارات أعمق من علاقتها مع تركيا، نظرًا لأن هذه العلاقة قائمة على مبيعات الأسلحة والتعاون اللوجستي والتعاون النشط في تطوير أنظمة الأسلحة، ولذلك، تصبح المخاطر المرتبطة ببيع طائرات إف-35 إلى تركيا أشد وأنكى في حالة الإمارات. وعلى الرغم من التوترات التي أحدثتها العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي وحركة طالبان والدعم العسكري للثوار الانفصاليين في الشيشان خلال حرب 1994-1996 مع روسيا، كانت الإمارات رابع أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في عام 2000.

وتتناقض مشتريات الإمارات للأسلحة الروسية مع رفض السعودية شراء أسلحة من روسيا، الأمر الذي خلق الأسس لشراكة أمنية قوية بين موسكو وأبوظبي. واستمر تعزيز هذه الشراكة تحت سمع وبصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومنذ عام 2017، اشترت الإمارات أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية بانتسير إس-1 لاستخدامها في ليبيا ونظام الصواريخ المضادة للدبابات كورنيت-إي الذي تبلغ تكلفته 40 مليون دولار، والذي نُشِر في اليمن. ويشير هذا إلى أن الإمارات يمكنها تشغيل طائرات إف-35 جنبًا إلى جنب مع أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية الصنع.

من يشتري طائرات إف-35؟

يذكر الكاتب أن برنامج الطائرات المقاتلة العالمي تَوسَّع ليشمل ثماني دول شريكة وستة عملاء مبيعات عسكرية أجانب منذ بدايته. وتوضح الصورة المنشورة أعلاه أعداد طائرات إف-35 بطُرُزها المختلفة لدى الدول الحائزة لها، وفق ما ورد من معلومات مستقاة من شركة لوكهيد مارتن، أكبر شركة أمريكية للصناعات العسكرية في العالم وبخاصة الطائرات.

ويبلغ إجمالي عدد طائرات القوات الأمريكية الجوية 2.456 طائرة حربية (من طرز إف-35 أ، وإف-35 ب، وإف-35 ج)، بينما تمتلك اليابان 147 طائرة إجمالًا، والمملكة المتحدة 138 طائرة، وأستراليا مائة طائرة، وإيطاليا 90 طائرة، وكندا 88 طائرة، والنرويج 52 طائرة، وإسرائيل 50 طائرة، وهولندا 46 طائرة، وكوريا الجنوبية 40 طائرة، وبلجيكا 34 طائرة، وبولندا 32 طائرة، والدنمارك 27 طائرة، وسنغافورة أربع طائرات.

ولفت الكاتب إلى أن الأمم المتحدة ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أن موجات من الطائرات الروسية والإماراتية قدَّمت أسلحة على نحو غير قانوني إلى قوات حفتر في ليبيا، مما يؤكد تنسيقها اللوجستي في ذلك المسرح (الخاص بعمليات القتال). وأجرى متعاقدون عسكريون خاصون من مجموعة فاجنر الروسية مهامًّا استطلاعية لدعم ضربات الطائرات من دون طيار الإماراتية، وتشارك الإمارات في تجنيد جنود تشاديين وسودانيين للقتال لصالح مجموعة فاجنر. كما تتبادل روسيا والإمارات على نحو منتظم معلومات استخبارية حول عمليات مكافحة التمرد في سوريا، مما يعزز قبضة الأسد على السلطة.

هل تتعرف روسيا على نقاط ضعف طائرات إف-35؟

وألمح الكاتب إلى أن تواتر المشاورات الروسية الإماراتية بشأن القضايا الأمنية من شأنه أن يؤدي إلى سيناريو تُستخدَم فيه طائرات إف-35 الإماراتية وأنظمة بانتسير إس-1 إس، أو إس-400 جنبًا إلى جنب مع بعضها البعض. ويمكن لهذه العمليات الروسية الإماراتية المشتركة أن تنبه روسيا إلى نقاط الضعف المحتملة داخل طائرات إف-35، مما قد يسمح لموسكو بإنتاج أنظمة دفاع صاروخي يمكنها إسقاط الطائرات الأمريكية.

وشدد الكاتب على أنه بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تكون روسيا والإمارات على استعداد للتعاون في تطوير طائرات مقاتلة من الجيل الخامس. وفي شهر فبراير (شباط) عام 2017، أعلنت شركة الدفاع الروسية العملاقة «روستك» أنها ستعمل مع وزارة الدفاع الإماراتية على تطوير طائرة مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس. وستكون هذه الطائرة، التي ستُطوَّر على مدى سبع إلى ثماني سنوات، أكثر تطورًا من طائرات الميج-29 التي تستخدمها روسيا حاليًا. وستزيد هذه الترقيات من القدرة التنافسية لأسعارها وجودتها وتسمح لشركة «روستك» بالتنافس بصورة أكثر فعالية مع شركات الدفاع الأمريكية.

وعلى الرغم من تعليق هذا المشروع المشترك في البداية، استهدفت روسيا أيضًا الإمارات باعتبارها شريكًا في إنتاج طائرات سيو-57 المقاتلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019. وجاء التواصل الروسي بعد أيام من إطلاق الإمارات المُجمع الصناعي «إيدج» لتسهيل تطويرها للتكنولوجيا العسكرية الخاصة بها. ونظرًا لأن روسيا استثمرت استثمارًا كبيرًا في تحديث قواتها الجوية منذ عام 2011، فربما تستفيد من امتلاك الإمارات لطائرات إف-35 لجمع المعلومات التي تدعم خطط بناء الطائرات الخاصة بها.

قانون (كاتسا) الأمريكي

ونوَّه الكاتب إلى أنه حتى إذا لم يُكشف عن هذا السيناريو المحفوف بالمخاطر، فإن نقل طائرات إف-35 إلى الإمارات سيزيد من تقويض مصداقية العقوبات الثانوية الأمريكية المرتبطة بشراء الأسلحة الروسية. وكانت هذه العقوبات قد فُرِضت بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا/CAATSA)، والذي صادق عليه الكونجرس الأمريكي في شهر يوليو (تموز) عام 2017.

وأدَّى التهديد بتنفيذ هذا القانون إلى تعقيد قدرة الهند على شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي الرائد إس-400، وتواجه كل من تركيا ومصر عقوبات محتملة بسبب شرائهما نظام إس-400 وطائرات سيو-35 على الترتيب. وإذا تسلَّمت الإمارات مقاتلات إف-35 على الرغم من مشترياتها من الأسلحة الروسية، فإن السماح المُتصوَّر بحدوث محاباة سياسية في سياسة العقوبات الأمريكية يمكن أن يوتر علاقات واشنطن بالدول المُعرَّضة لخطر عقوبات قانون (كاتسا/CAATSA).

إن انهيار مصداقية قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات والاعتقاد الناشئ بين الدول العربية بأن الاعتراف بإسرائيل هو الترياق الذي يحميها من تطبيق العقوبات عليها كما حدث مع روسيا يخلق خطرًا أخلاقيًّا خطيرًا. ومن الناحية التاريخية، عَدَّت روسيا الإمارات نافذة دخول إلى أسواق الأسلحة المربحة في شبه الجزيرة العربية. ويمكن أن يؤدي نقل طائرة إف-35 إلى الإمارات إلى إطلاق موجة من مبيعات الأسلحة الروسية عبر الخليج، حيث لم تَعُد الأنظمة الملكية المتحالفة مع الولايات المتحدة ترى التعاون العسكري مع روسيا عائقًا أمام تلقي التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الأكثر قيمة.

الأسلحة الروسية تغزو الخليج

يخلُص الكاتب إلى أنه في المقابل، إذا أدَّت رغبة المرشح الرئاسي الأمريكي جو بايدن في إنهاء الدعم الأمريكي للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن وإعادة الانخراط في مفاوضات مع إيران إلى خلق توترات بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، فإن الضرر الذي لحق بمصداقية قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات ربما يشجع دول الخليج على الانتقام من خلال شراء الأسلحة الروسية.

وهناك بالفعل سوابق وصفقات دبلوماسية سمحت بإطلاق سلسلة سريعة من شحنات الأسلحة الروسية إلى دول مجلس التعاون الخليجي. إذ وافقت السعودية على شراء نظام الصواريخ إس-400 خلال زيارة الملك سلمان التاريخية إلى روسيا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017. وبلغ اهتمام الرياض بنظام إس-400 ذروته بعد أن أصبحت أنظمة صواريخ باتريوت الأمريكية غير فعالة في صد الهجوم الذي وقع في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2019 على أصول شركة النفط السعودية (أرامكو) ومنشآتها في مدينة أبقيق بالمنطقة الشرقية.

ومنذ بدء الحصار الذي تقوده السعودية في شهر يونيو (حزيران) عام 2017، أعربت قطر أيضًا على نحو دوري عن رغبتها في الحصول على نظام صواريخ إس-400. وبالمثل، تنظر البحرين إلى روسيا على أنها بائع أسلحة مقاوم للأزمات، إذ زوَّدت المنامة بالأسلحة بعد أن علَّقت المملكة المتحدة وفرنسا مبيعاتها في عام 2011.

وإذا زاد عدوان إيران في الخليج ولم تهرع الولايات المتحدة لمساعدة شركائها العرب، فهناك خطر حقيقي للغاية يتمثل في أن هذه الدول ستتَّبع نهج الإمارات في شراء الأسلحة الروسية. ونظرًا لمخاطر عمليات نقل التكنولوجيا المحفوفة بالمخاطر والضرر الذي لحق بمصداقية العقوبات الثانوية الأمريكية، يجب على الولايات المتحدة ألا تبيع طائرات إف-35 إلى الإمارات حتى تقلص من علاقاتها مع روسيا.

وأوضح الكاتب أن الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي والدعم الروسي القوي لرفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران حتى الآن لم يُضعف من قوة الشراكة الأمنية بين موسكو وأبوظبي. وبلغ متوسط ​​الرحلات الجوية لدعم متعاقدي مجموعة فاجنر الروسية في ليبيا حوالي 35 رحلة في الشهر في شهر أغسطس (آب). ونظرًا لأن الإمارات متورطة في تمويل عمليات نشر المتعاقدين العسكريين الروس، فليس هناك تغيير واضح في التعاون العسكري بين الحكومتين.

هل يجب على الولايات المتحدة مراجعة سياساتها في المنطقة؟

وفي ختام مقاله، شدد الكاتب على أن الولايات المتحدة استخدمت بالفعل تطبيع إسرائيل مع الإمارات باعتباره أداة للضغط على الصين، وشجَّعت الاستثمارات الإسرائيلية والإماراتية المشتركة التي تنافس مبادرات بناء ميناء بكين في حيفا. ويجب أن تفرض ضغوطًا مماثلة على الإمارات بشأن علاقتها بروسيا.

فمن خلال اتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية، سيتصدى صانعو السياسة الأمريكيون أيضًا لشراكة استراتيجية لعبت دورًا مهمًا في تقويض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي هذه العملية، ربما تطور الولايات المتحدة علاقة أكثر سلاسة مع الإمارات وتنهي مناخ الإفلات المتصور من العقاب الذي يسمح لأبوظبي بتحدي المصالح الأمريكية علانيةً في جميع أنحاء المنطقة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي