لماذا يجب أن تعتمد أفريقيا على علمائها وباحثيها أكثر؟

مصدر: Here’s why Africa needs to invest in home-grown science
2020-09-23

لا يوجد في قارة أفريقيا سوى عدد قليل جدًّا من العلماء الأفارقة – 198 باحثًا فقط لكل مليون نسمة، مقارنة بـ 4500 لكل مليون نسمة في بريطانيا والولايات المتحدة.

ينبغي أن تُضاعِف الحكومات الأفريقية استثماراتها في الأبحاث العلمية والتطوير من أجل تكوين مجموعة من المواهب والخبرات التي تستطيع تغيير أوضاع القارة.

حول هذه النقاط المهمة للقارة الأفريقية، نشر موقع «المنتدى الاقتصادي العالمي» تقريرًا للكاتب إيسايفاني نايكر، مدير قسم الاستراتيجيات والشراكات في الأكاديمية الأفريقية للعلوم، والذي استهل مقاله قائلًا: لمدة طويلة جدًّا، كانت الأولويات العلمية لأفريقيا يُحددها أشخاص ليسوا ذوي صلة بالتحديات التي تواجهها القارة.

لكن هذا الوضع يتغير الآن، إذ يلعب علماء أفريقيا حاليًا دورًا حاسمًا في مكافحة الجوع والفقر في القارة، ويسعون لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة فيها. وعلاوةً على ذلك، يتعهد قادة دول أفريقيا رسميًّا بضخ مزيد من الاستثمارات في الأبحاث العلمية المحلية والتكنولوجيا والتعليم.

فرصة لترتيب الأولويات

واستدرك الكاتب قائلًا: ولكن لا زال هناك كثير من الأعمال ينبغي القيام بها. إذ إن مستويات الاستثمار لا تزال بعيدة عن المستهدفات المطلوب تحقيقها، ويرجع ذلك في الأساس إلى ندرة الموارد وترتيب الأولويات المتنافسة.

ويُهدد الدمار الاقتصادي الذي أحدثه كوفيد-19 بإلحاق الضرر بميزانيات الأبحاث العلمية الشحيحة جدًّا في الأساس، بالإضافة إلى محو التقدم الذي أُحرِز مؤخرًا. لكن الجائحة تُمثل أيضًا فرصة لتحديد الترتيب الصحيح للأولويات، وإطلاق العنان لقوة الأبحاث العلمية الأفريقية، ودعم المشاريع البحثية الإبداعية والمستدامة والمناسبة التي تستند إلى الحقائق الموجودة على أرض الواقع.

وفيما يلي بعض الوسائل التي يُمكن للحكومات والمنظمات الأفريقية الاستفادة منها في تحديد هذه الأولويات والسماح للباحثين الأفارقة لاستخدام معارفهم الفريدة وخبراتهم العملية لحل بعض أكبر المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية – بحسب كاتب التقرير.

العلوم المستقبلية في أفريقيا

أوضح الكاتب أن زعماء القارة الأفريقية اعترفوا رسميًّا بالأهمية الحيوية للاستثمار في الأبحاث العلمية والتطوير. إذ أقرت قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، في عام 2007، مُستهدفًا لتخصيص 1% من الناتج المحلي الإجمالي لبلادهم للأبحاث العلمية والتطوير.

وتعهد 10 رؤساء دول وحكومات أفريقية، في عام 2018، بزيادة الاستثمارات في مجالات التعليم والأبحاث العلمية والتكنولوجيا. كما صاغ قادة الدول الأفريقية خطة قارية للأبحاث العلمية، ووضعوا استراتيجية الاتحاد الأفريقي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في أفريقيا (2024). إلى جانب اعتماد أهداف التنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، وكل ذلك يؤكد على أهمية الاستثمار في الأبحاث العلمية والتكنولوجيا والابتكارات.

وعلى الرغم من ذلك، ذكرت توقعات الإبداع الأفريقي لعام 2019، المنشورة في هيئة التنمية في الاتحاد الأفريقي، أن التقدم صوب هذه الأهداف كان يسير ببطء. إذ لا تزال جميع الدول الأفريقية متخلفة عن ركب تمويل الأبحاث العلمية، ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى وجود عديد من المهام الأخرى الملحة، مثل مكافحة الجوع والفقر. فضلًا عن اعتماد ربع ميزانيات بعض الدول على التمويل القادم من المساعدات الخارجية، وهذا يوضح مدى محدودية الموارد في أفريقيا.

وأوضح الكاتب أنه في الوقت نفسه، يؤدي عدم الاستثمار في الأبحاث العلمية الأفريقية إلى زيادة صعوبات تطوير حلول وطنية ومستدامة لهذه المشاكل. لذا يقع عديد من البلدان الأفريقية في شَرَك الدائرة المفرغة عندما يتعلق الأمر بتمويل الأبحاث العلمية، الأمر الذي يتطلب رؤية بعيدة المدى، والتسليم بأن حصاد الاستثمار المبدئي ربما يستغرق سنوات. 

التأثير المتوقع للعلم والتكنولوجيا على فرص العمل على مدى السنوات الخمس القادمة حسب المنطقة – وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب في عام 2018. (بوجه عام، هل ترى أن العلم والتكنولوجيا سيضاعفان من فرص العمل أم يقللان منها في منطقتك خلال السنوات الخمس القادمة؟)

خطوات ضرورية

ونوَّه الكاتب إلى أن تفشي مرض كوفيد-19 عقَّد هذه المعضلة. إذ أنه، من ناحية، يُمثِّل مشكلة مُلحة أخرى لا بد من حلها، لأن الجائحة وعمليات الإغلاق المرتبطة بها هددت ملايين الأشخاص بالوقوع في براثن فقر أشد وأنكى. ومن ناحية أخرى، تُسلط الجائحة الضوء أيضًا على ضرورة وجود العلماء والمخترعين الأفارقة الذين بمقدورهم المساعدة في مكافحة هذه الجائحة وإيجاد حلول للتعافي بعد الأزمة.

وخطوة أولى، تحتاج الحكومات إلى إنشاء وزارات للأبحاث العلمية المخصصة لدعم هذه القضية. كما يتعين عليها سن قوانين لتخصيص نسبة من ناتجهم المحلي الإجمالي للأبحاث العلمية. وقامت كينيا بذلك بنجاح كبير، ما أدَّى إلى إنشاء مؤسسة مخصصة لتمويل الأبحاث العلمية، مثل الصندوق القومي لرعاية البحث العلمي. وبنفس القدر، استطاعت الحوافز الحكومية، مثل التخفيضات الضريبية في جنوب أفريقيا، تشجيع القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الخيرية على الاستثمار في الأبحاث العلمية. إن هذا سيقلل من اعتماد الدول على التمويل الدولي للأبحاث العلمية والتنمية، خاصة في الوقت الراهن، الذي نرى فيه أن سياسات الدول المانحة المتطلعة إلى حل مشكلات الداخل وقطع المعونات الخارجية تهدد أفريقيا بخفض التمويل.

الجيل القادم من العلماء

ويرى الكاتب أن الاستثمار في العلوم يعني أيضًا الاستثمار في علماء المستقبل، كما يعني تشجيع الشباب على البحث عن وظائف في مجال الأبحاث العلمية ومنحهم الفرص التعليمية والمهنية المناسبة.

إن عدد سكان القارة الأفريقية يبلغ حاليًا حوالي 1.2 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف خلال الثلاثين عامًا المقبلة، بأغلبية سكانية من الشباب. ومع ذلك، فإن القارة تضم حاليًا 198 باحثًا فقط لكل مليون نسمة، مقارنةً بـ 4500 باحثًا لكل مليون في بريطانيا والولايات المتحدة، وأقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 1150 باحثًا لكل مليون نسمة. لذلك، لا بد أن يكون إغلاق هذه الفجوة، من خلال رعاية الجيل القادم من العلماء، أحد أهداف السياسة العليا للحكومات الأفريقية.

وذكر الكاتب أن دول أفريقيا كافة البالغ عددها 54 دولة لديها مستويات متفاوتة من التنمية ونقاط القوة والاحتياجات المختلفة. وأن تطوير المجموعة المحلية للمعارف والخبرات ستدعم الاختراعات التي تناسب هذه الاحتياجات المحددة. وسيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى السماح للأفارقة بالمنافسة في النواحي التجارية والعلمية على الصعيد العالمي.

ويتطلب تأهيل شباب العلماء وجود استثمارات في مرحلة التعليم العالي بالإضافة إلى توفير مزيد من فرص التطوير الاحترافي في المراحل المبكرة والمتوسطة من حياتهم المهنية، إلى جانب أنه يتضمن دعم كبار العلماء حتى يتمكنوا من توجيه العلماء الشباب، وتطوير الشبكات والموارد لكي يتمكن جيل العلماء من الشباب من التواصل مع مجتمعات الأبحاث العلمية.

وبالإضافة إلى ذلك، لا بد أن تستثمر الحكومات في البنية التحتية المادية مثل المختبرات لإجراء التجارب والاختراعات، وتمهيد الطرق التي تتيح للعلماء إمكانية الوصول إلى المختبرات، وتوفير الطاقة اللازمة لتمكينهم من استخدام المعدات الموجودة في المختبرات. وبدون الاستثمار في تنمية بلادهم، فإن تأهيل شباب العلماء سيؤدي في نهاية الأمر إلى هجرة ذوي الكفاءات من العقول العلمية. بل إن علماء أفريقيا، الذين لديهم شغف والتزام شديدين بتطوير أفريقيا، سيرحلون إن لم يتمكنوا من تحقيق النجاح في أوطانهم.

مؤشر الثقة في العلماء يظهر مستويات الثقة حسب المنطقة: وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب في عام 2018 عن مستوى الثقة في العلماء (عالي الثقة – متوسط الثقة – منخفض الثقة).

العلوم في زمن جائحة كوفيد-19

ويشدد الكاتب على أن تحديد الأولويات ضروري جدًّا عندما تكون الاحتياجات واستحقاقات الموارد أكبر من الاستثمارات المتاحة. وقد أصبح تحديد مثل هذه الأولويات المدروسة أكثر إلحاحًا في ضوء تفشي كوفيد-19، إذ تنشر الجائحة الفوضى في جميع أنحاء قارة أفريقيا، وأبلغ المركز الافريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها عن أكثر من 267 ألف إصابة بالمرض حتى الآن. ويلحق  الضرر بالاقتصادات الأفريقية بسبب عمليات الإغلاق وحظر التجول، إذ يُتوقع انكماش اقتصاد كلٍ من جنوب أفريقيا ونيجيريا، على سبيل المثال، بنسبة 5.8% و3.4% في عام 2020 على الترتيب بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أبريل (نيسان) 2020.

ومن المتوقع أن يتقلص الاستثمار الأفريقي في الأبحاث العلمية أكثر نظرًا للكساد الاقتصادي العالمي المرتبط بالجائحة. ورغم ذلك، يمثل هذا الاستثمار أهمية بالغة لمستقبل أفريقيا، ويرتبط بمجموعة واسعة من أهداف التنمية الأخرى في مجالات متنوعة مثل التعليم والرعاية الصحية. إذ أبقت الابتكارات البسيطة مثل برامج التغذية المدرسية وتوفير المناشف الصحية في كينيا وأوغندا على حضور الفتيات في المدارس وأسهمت في تحول المجتمعات.

وأثبتت بعض الحلول المحلية التي تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمار نجاحها الشديد، فعلى سبيل المثال، دعمت جمعية التجارب السريرية، منصة تابعة للأكاديمية الأفريقية للعلوم، الاستثمار في التجارب السريرية حينما رسمت الجمعية خرائط لمواقع التجارب السريرية ووفرت قدرًا من المعلومات حول قدرات التجارب السريرية الأفريقية. وأصدرت مؤخرًا خاصية مُحسَّنة لكوفيد-19 لزيادة إمكانية الاطلاع على مواقع التجارب السريرية والبيئة التنظيمية والأخلاقية التي تُجرى في ظلها هذه التجارب في أفريقيا.

وألمح الكاتب إلى أن الاستثمار المستدام والشامل لوزارة الصحة وقسم العلوم والابتكار في الأبحاث العلمية والتنمية في جنوب أفريقيا وفَّر للبلاد القدرة والخبرة العملية للتعامل مع كوفيد-19. وبالإضافة إلى ذلك، آتى الحافز الضريبي، الذي يُشجع شركات جنوب أفريقيا على الاستثمار في الأبحاث العلمية والتطوير-  مثل تطوير المستحضرات الصيدلانية متعددة المصادر- أُكُلَه، وأصبحت جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تشارك في تجربة سولدارتي (Solidarity) السريرية الدولية (لإيجاد علاج لكوفيد-19) والتي أطلقتها منظمة الصحة العالمية. فضلًا عن سعي علماء جنوب أفريقيا لتحديد فائدة الأدوية الموجودة لعلاج كوفيد-19.

نسبة الأشخاص التي تعتقد أن دور العلماء مفيد لأشخاص مثلهم حسب المنطقة/استطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب عام 2018.  (الإجابة إما نعم أو لا أو لا أعرف)

التصدي لجائحة كوفيد-19

ولفت الكاتب إلى أن علماء أفريقيا لعبوا عدة أدوار مهمة خلال انتشار الجائحة الحالية. لأنهم كانوا جزءًا من ممارسة أجرتها الأكاديمية الأفريقية للعلوم على مستوى القارة لتحديد أولويات البحث والتطوير الخاص بكوفيد-19. وتتضمن هذه الممارسة الوقاية من العدوى ومكافحتها والدراسات المتعلقة بعلم الأوبئة والمعالجة السريرية والأبحاث العلمية العلاجية المحتملة والتطوير واللقاحات المحتملة وغيرها من مجالات البحث المتعددة. وصاغت الحكومات الأفريقية ومؤسسات التمويل برامج استثماراتها وفقًا لهذه الأولويات.

كما خصصت الأكاديمية الأفريقية للعلوم 2.8 مليون دولار من الأموال للبحث العلمي والتطوير في عمليات التدخل العلمية لكوفيد-19 في تسعة مجالات ذات أولوية رئيسة. والتي عُرضت بالتفصيل في تقرير أهداف البحث والتطوير لعلاج كوفيد-19 في أفريقيا: تدريب الأكاديمية الأفريقية للعلوم لتحديد الأولويات. وأُبلغ صندوق التمويل العاجل الإفريقي والذي تبلغ تكلفته 4.75 مليون دولار، والذي أُطلق تحت رعاية مبادرة مجالس منح العلوم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بهذه الأولويات.

واختتم الكاتب تقريره بالقول: يُوجد في قارة أفريقيا مجموعة كبيرة من الموهوبين والمتحمسين الذين يرغبون في تكريس جهودهم لتحسين مستقبل القارة والإسهام بأفكارهم وخبراتهم العملية في عالم الأبحاث. لكن التحدي الذي يواجه القارة يتمثل في الاستخدام الرشيد لمواردها وتوفير الدعم لهؤلاء الأشخاص الذي يحتاجون إليه لتحقيق النجاح. لقد حان الوقت لمواجهة التحدي وإرساء أسس العصر الذهبي للأبحاث العلمية الأفريقية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي