هل تقع الواقعة بالصدفة.. لماذا تتحرش قاذفة نووية أمريكية بذراع بوتين الطويلة؟

2020-09-14

هل تقع الواقعة بالصدفة.. لماذا تتحرش قاذفة نووية أمريكية بذراع بوتين الطويلة؟

"طائرات روسية تعترض طائرة استطلاع أمريكية".. "طائرات أمريكية تعترض طائرة روسية".. عادة ما تمر مثل هذه العناوين مروراً عابراً دون أن تلفت الأنظار، لكن تكرارها مؤخراً أثار المخاوف من أن تؤدي إحدى تلك الحوادث إلى اندلاع مواجهة نووية بالصدفة، فما القصة هذه المرة؟

استفزاز متعمد، فما الهدف منه؟

على الرغم من أن حوادث التحرّش الجوي بين سلاح الطيران الغربي ونظيره الروسي تكاد أن تكون أمراً معتاداً ولا تقتصر على منطقة بعينها، حيث وقعت في ألاسكا والبحر المتوسط وغيرهما في أكثر من مناسبة، فإن البحر الأسود تحديداً شهد تكراراً مقلقاً لتلك المناوشات، لدرجة أن موقع The National Interest  الأمريكي نشر، اليوم الإثنين 14 سبتمبر/أيلول، تقريراً بعنوان "أمريكا ضد روسيا: سياسة حافة الهاوية بقاذفات نووية تهدد بإشعال حرب كارثية".

والقصة تتعلق بتكرار حوادث الاعتراض في الجو فوق البحر الأسود الذي يفترض أن يكون منطقة هادئة؛ نتيجة للعديد من المعاهدات الدولية التي ترجع لحقبة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، التي تجعل المنطقة شبه خالية من السفن الحربية أو القوات البرية والقواعد العسكرية، لكن الهدوء في البحر والأرض في المنطقة يتناقض مع الإثارة والتوتر التي تشهدها الأجواء هناك، خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية.

والسبب هنا هو قيام طائرات أمريكية بالتحليق على مشارف الأجواء الروسية، وبحسب تقرير ناشيونال إنتريست، تكررت تلك الحوادث بصورة لافتة مؤخراً وصلت إلى مرتين وأحياناً ثلاث مرات في الأسبوع.

ووصلت ذروة تلك الأحداث في نهاية أغسطس/آب الماضي، حين قامت طائرة أمريكية من طراز B-52 حاملة رؤوس نووية بالخروج من التشكيل الذي يضم طائرات متعددة تابعة لحلف الناتو والانحراف فوق البحر الأسود بصورة جعلتها تقريباً داخل المجال الجوي الروسي فاعترضتها مقاتلات سوخوي الروسية وأجبرتها فوراً على التراجع.

وفي نفس الوقت، حدث اعتراض آخر من جانب القاذفات الروسية تجاه طائرة تجسس أمريكية، وهو ما فسّره محللون عسكريون بأن ما قامت به القاذفة B-52 كان استفزازاً متعمداً الهدف منه قياس سرعة رد فعل الدفاعات الجوية الروسية، وهذا ما كانت تقوم به طائرة التجسس الأمريكية.

هذا التفسير يعتبر منطقياً أكثر في ظل تكرار مثل تلك الحوادث، التي من الصعب تفسيرها بأنها خطأ غير مقصود، فلو كانت مرة واحدة كان يمكن قبول مثل هذا التفسير أما تكرارها بتلك الصورة التي وقعت في نهاية أغسطس/آب الماضي فإنه يشير إلى كونه استفزازاً متعمداً.

عودة لأجواء الحرب الباردة

المواجهة الأخيرة التي وقعت في نهاية أغسطس/آب لم تكن مجرد حادثة عابرة، حيث حملت في طياتها كثيراً من مؤشرات أجواء الحرب الباردة، أبرزها اشتراك قاذفة قادرة على حمل رؤوس نووية ما يجعلها حادثة خطيرة مثلت تهديداً باندلاع حرب فناء للبشرية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.

القاذفة الأمريكية التي شاركت في الحادثة -كإحدى قاذفات حلف الناتو- يرجع تاريخ إنتاجها إلى عام 1961، أي الفترة التي شهدت ذروة الحرب الباردة، وهو ما يعني بالتحديد أن السيناريو الذي كان يخشاه المسؤولون العسكريون وقتها كان على وشك الحدوث الآن، وإضافة لذلك فإن وجود طائرة التجسس الأمريكية ضمن الأسطول الجوي قرب البحر الأسود جعل رد الفعل الروسي الذي وصفه الأمريكيون بأنه "غير آمن" منطقي إلى حد كبير.

وبحسب وجهة النظر الروسية، يعتبر ما حدث استفزازاً كبيراً ومتعمداً لم يكن من الممكن الرد عليه سوى بذلك النوع من الاعتراض السريع حتى وإن كان غير آمن، ويتفق المحللون العسكريون الأمريكيون أنفسهم مع وجهة النظر الروسية ويرون أن المزاعم الأمريكية بشأن الواقعة تعتبر "فارغة"؛ لأن الاعتراض الروسي جاء كرد فعل، بل إن الواضح هنا أن القاذفة الأمريكية هي التي نصبت فخاً للطائرات الروسية بغرض تسجيل بيانات رد الفعل الروسي.

هل تشتعل حرب كارثية دون قصد؟

ما تكشف عنه واقعة التحرش الجوي فوق البحر الأسود قرب المجال الجوي الروسي هو أن واقعة الاستفزاز وما تبعها من اعتراض روسي هو أن الموقف كله لم يكن "آمناً"؛ فهو استفزاز متعمد شاركت فيه قاذفة نووية فيما كان يمكن أن يؤدي لمواجهة تفني البشرية، جاءت كتذكير صارخ بكوابيس فترة الحرب الباردة.

ويعتبر وجود الطائرات الروسية من طراز سو-27 وسو-30 ضمن طواقم الاعتراض الروسية عنصراً هاماً في الحسابات الأمريكية من وراء الاستفزاز المتعمد، حيث إن النموذجين تحديداً يمثلان هاجساً خاصاً للبنتاغون نظراً لإمكانيات جمع المعلومات والبيانات التي تحملانها، لكن إذا كانت تلك النقطة قبل عقود من الآن تمثل دافعاً في حد ذاتها من وراء الاستفزاز المتعمد سعياً لجمع بيانات مباشرة عن قدرات الطائرة، فإن ذلك لم يعد مبرراً الآن.

قاذفات من طراز بي-52 / ap

كل هذه المعطيات تجعل من الاستفزاز الأمريكي المتعمد لغزاً يحتاج للتفسير، فالمؤكد أنه لا أحد يريد حرباً نووية لا من الجانب الروسي ولا من الجانب الأمريكي، لكن بحسب تقرير ناشيونال إنتريست، يرتبط مبرر زيادة ميزانية الدفاع الأمريكية سنوياً مرتبطاً بشكل مباشر بوجود تهديد بحرب وشيكة، وهذه النقطة تفسّر مثل تلك التصرفات الاستفزازية، بحسب المحللين العسكريين.

واللافت في هذه القصة هي أن الشكوى دائماً ما تأتي من الجانب الأمريكي، بينما تقوم روسيا أحياناً بتسريب مقاطع فيديو لحادثة اعتراض طائرة روسية لنظيراتها الأمريكية، وكان الجيش الأمريكي قد اتهم في أبريل/نيسان الماضي طائرة مقاتلة روسية بتعريض حياة طاقم طائرة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية للخطر، وذلك أثناء قيامها بمناورة عالية السرعة في اعتراض "غير آمن" فوق البحر المتوسط.

ووقتها قالت البحرية الأمريكية إن طائرة روسية من طراز سوخوي Su-35 اعترضت بشكل غير "غير آمن" طائرة المراقبة الأمريكية P-8A، بينما كانت تحلق في المجال الجوي الدولي فوق البحر المتوسط، مضيفاً أنه "تم تحديد الوضع على أنه غير آمن بسبب قيام Su-35 بإجراء مناورة مقلوبة عالية السرعة، على مسافة 25 قدماً مباشرة أمام طائرة المهمة "ما يعرض طيارينا وطاقمنا للخطر".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي