يد على الزناد وعين على المفاوضات... هجوم "طالبان" على قندوز يكشف استراتيجيتها

2020-09-14

ظل خان أغا صابراً يتحمل العنف في قندوز على مدى سنوات، لكن ما أثار انزعاجه كان الهجوم الذي شنته حركة «طالبان» على المدينة الاستراتيجية بشمال شرقي أفغانستان، في وقت تستعد فيه الحكومة والمتمردون لدخول محادثات سلام تاريخية.

قال أغا، وهو سائق يبلغ من العمر 46 عاماً، «يعيش معظم سكان قندوز في خوف مثلي... عندما ننظر إلى ما يجري، يمكن (استنتاج) أن أي شيء قد يحدث في أي لحظة».

جاء هجوم «طالبان»، التي طوقت قندوز وأوشكت على الاستيلاء عليها أواخر الشهر الماضي، قبل أسابيع فقط من جلوس حكومة كابل مع أعدائها الألداء في الدوحة، يوم السبت الماضي، لبدء محادثات تحمل وصف «التاريخية» بهدف إنهاء الحرب الدائرة منذ 19 عاماً والتي قُتل وأصيب فيها أكثر من 100 ألف مدني.

كانت مراسم الافتتاح في فندق كبير في الدوحة والتي تخللتها دعوات السلام من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونداءات وقف إطلاق النار من عدد من الشخصيات المرموقة عبر رابط فيديو، تتناقض بشكل صارخ مع أعمال العنف الأخيرة على الأرض في قندوز.

وبعد ساعات فحسب من بدء المحادثات، اندلعت الاشتباكات بين القوات الحكومية و«طالبان» بمختلف أنحاء البلاد، حسبما قال مسؤولون، في حين يسلط الضوء على صعوبة التحدي المتمثل في إنهاء الحرب الطويلة.

كانت أعنف تلك الاشتباكات وقعت (السبت) في قندوز، عندما اشتبكت «طالبان» مرة أخرى مع قوات الأمن بهدف السيطرة على الطرق السريعة الرئيسية، في حين شن الجيش الأفغاني ضربات جوية ومدفعية.

كان أغا قد تقطعت به السبل لمدة أربعة أيام خارج المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 270 ألف نسمة، في الهجوم الأكبر الشهر الماضي عندما عجز عن الوصول إلى أسرته في طريق عودته من عملية تسليم. ومنذ ذلك الحين قام بتخزين ما يكفي من الطعام لمدة ثلاثة أشهر في منزله الصغير.

ولم يحظ هجوم أغسطس (آب) بتغطية تذكر رغم أنه الأسوأ منذ عام 2015 عندما سقطت قندوز لفترة وجيزة في أيدي «طالبان».

ويكشف تدقيق وكالة «رويترز» في هذا الهجوم كيف كثف المتمردون الضغط في الآونة الأخيرة على هذا المركز الحضري الاستراتيجي، الذي يمثل بوابة في الشمال للأقاليم الغنية بالمعادن ولوسط آسيا، ومركز نقل وتهريب المخدرات.

وتنفي «طالبان» هجوم قندوز وتقول، إن مقاتليها لم يهاجموا سوى قواعد عسكرية رداً على قيام القوات بإطلاق النار على مناطق قريبة.

وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم «طالبان»، «منذ بداية العام لم نخطط لشن هجمات ضخمة على أي مدينة كبيرة لسبب وحيد، هو عملية السلام... الهجوم على المدن الكبيرة يمكن أن يلحق الضرر بهذه العملية».

  من المتوقع خفض قوام القوات الأميركية بأفغانستان إلى 4500 بحلول نوفمبر 

ورغم فشلها في نهاية المطاف، فإن المحاولة الجريئة للسيطرة على مركز حضري استراتيجي والضغط المتواصل يكشفان أن «طالبان» تطبق استراتيجية القتال مع المحادثات، وتتجاهل إلى حد كبير النداءات والمطالب الدولية الداعية إلى تخفيف حدة العنف والاتفاق على وقف إطلاق النار.

وقال دبلوماسي غربي كبير «شعلة الطموح لتوسيع السيطرة على الأراضي لم تنطفئ... يريدون أن يظل مقاتلوهم نشطين على الأرض، وهذا مبعث قلق كبير قبل المحادثات؛ لأن أساس الثقة وبناء الثقة يعتمدان على خفض العنف».

يأتي استعراض «طالبان» قوتها في وقت تسحب فيه الولايات المتحدة قواتها على عجل من أفغانستان؛ تنفيذاً لوعود الرئيس دونالد ترمب بإنهاء أطول حرب أميركية. وحدد اتفاق أُبرم في فبراير (شباط) بين واشنطن و«طالبان» موعداً للانسحاب النهائي في مايو (أيار) 2021، على أن يكون ذلك رهناً بضمانات أمنية معينة.

ومن المتوقع خفض قوام القوات الأميركية بأفغانستان إلى 4500 بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) نزولاً من أكثر من 100 ألف في 2011.

وقالت إليزابيث ثريلكيلد، نائبة مدير برنامج جنوب آسيا في مركز «ستيمسون» ومقره واشنطن، إن «هجوماً خطيراً شنّته (طالبان) على مدينة قندوز، مخالف، في روحه على الأقل، لاتفاق الولايات المتحدة و(طالبان) ونذير شؤم قبل المفاوضات بين الأفغان».

وشنّت «طالبان» هجومها في الفترة من 20 إلى 26 أغسطس، بعد إحكام قبضتها تدريجياً على المناطق الريفية المحيطة بقندوز، واستولت على نقاط تفتيش عدة وقاعدتين على الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة.

وقال ثلاثة من أعضاء المجلس الإقليمي، إن هذه الخطوات أشعلت المخاوف من أن المتمردين أصبحوا في طريقهم لفرض سيطرتهم. وقال عضو المجلس، أسد الله سعدات «اقتربوا من المدينة لدرجة أن أسلحتهم الصغيرة كان يمكنها الوصول بسهولة إلى مقر الشرطة ومجمع الحاكم».

وشرد القتال أكثر من 60 ألفاً، حسبما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

والآن بعد أن جلست الحكومة و«طالبان» معاً لإجراء محادثات سلام، بعد أشهر من التأخير، يقول مسؤولون، إن الأولوية القصوى هي للتفاوض على وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما طلبته الحكومة الأفغانية مرات عدة، لكن «طالبان» ترفضه.

وقالت ثريلكيلد «تمثل قدراتهم العسكرية تهديداً للحكومة الأفغانية، ومن المرجح أن يواصلوا الهجمات في الأشهر المقبلة مع بدء المفاوضات».

وقال فؤاد أمان، المتحدث باسم وزارة الدفاع، إن القوات الأفغانية صدت مقاتلي «طالبان» بضربات جوية عدة. وأضاف، أنه في واحد من أشد أيام القتال ضراوة، لاقى 34 من مقاتلي «طالبان» حتفهم وأصيب 24.

وقال عضو في المجلس المحلي، إن أكثر من 100 من «طالبان» قُتلوا وأصيب 100 آخرون.

وعلى الرغم من انتهاء التهديد المباشر للمدينة، يقول أفراد من قوات الأمن المحلية لـ«رويترز»، إن المنطقة ما زالت تحت ضغط.

وقال رجل، طلب عدم نشره اسمه، إنه خلال سبعة أعوام قضاها في قوات الأمن الأفغانية، في بعض من أشد المناطق صعوبة، لم يتعرض قط لمثل هذا الضغط الذي تعرض له في قندوز عندما ظلت وحدته في مرمى النيران على نحو متواصل ولم يكن بإمكانهم ترك عرباتهم في مكان مكشوف ولو لبضع ساعات دون أن تنطلق عليها الصواريخ.

وأضاف «نظرية شائعة هنا... كلما زادت المكاسب بساحة القتال، زادت المكاسب على طاولة المفاوضات... لقد عشت أسوأ أيام عمري هنا».








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي