هل ينجح السودان في إنشاء نظام علماني؟

مصدر: Sudan government hesitates after declaration separating religion and state
2020-09-14

عبدالرحمن النجار

قال محمد أمين في تقريره لموقع «ميدل إيست آي» إن الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وزعيم المعارضة المسلحة عبد العزيز الحلو يكشف عن وجود انقسامات في الحكومة والجيش، وإليكم ترجمة التقرير كاملًا:

أثار قرار رئيس الوزراء السوداني بالتوقيع على إعلان مبادئ يعد بفصل الدين عن الدولة نقاشًا وغضبًا وثناءً في بلد تحكمه الإدارات الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود. من بين أمور أخرى يعد الإعلان، الذي وقعه عبد الله حمدوك وزعيم المعارضين المسلحين عبد العزيز الحلو الأسبوع الماضي، بتكريس العلمانية في القانون.

كما يعد هذا الإعلان الذي جرى بوساطة المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، الأول من نوعه منذ استقلال السودان في عام 1956. لكن هذه الخطوة أثارت صراعًا بين المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة الانتقالي السوداني، حيث اتهم الأخير رئيس الوزراء بتجاوز سلطته من خلال التوقيع على الإعلان.

اتفاق تاريخي

يأتي ذلك بعد توقيع اتفاق سلام الشهر الماضي في جوبا عاصمة جنوب السودان، بين الحكومة الانتقالية في السودان وعدد من الجماعات المتمردة، مما يضمن للأخيرة دورًا في الهيئات الانتقالية التي جرى تشكيلها بعد الإطاحة بالحكم الطويل الأمد لعمر البشير العام الماضي.

ومع ذلك، رفض فصيلان – الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة الحلو، وحركة تحرير السودان – اتفاق السلام، قائلين إن أي اتفاق ضروري إما لضمان دولة علمانية، أو تعهد بضمان حق تقرير المصير لأقاليم البلاد.

في 3 سبتمبر أعلنت الحكومة أنه جرى الاتفاق على إعلان مبادئ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. ووفقًا لنسخة من الإعلان اطلعت عليها «ميدل إيست آي»، أكد الطرفان على ضرورة الاعتراف بالمجموعات العرقية، والإثنية، والدينية، والثقافية المختلفة في البلاد واستيعابها.

نص الإعلان على أن «السودان مجتمع متعدد الأعراق، والأديان، والثقافات. ويجب الاعتراف الكامل بهذه التنوعات واستيعابها. ويجب إقامة دولة ديمقراطية في السودان تحفظ حقوق جميع المواطنين، ويجب أن يقوم الدستور على مبدأ فصل الدين عن الدولة، وفي غيابه يجب احترام حق تقرير المصير».

أضاف الإعلان أن «حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية تُمنح بالكامل لجميع المواطنين السودانيين، ولا يجوز للدولة أن تتبنى دينًا رسميًا. ولا يجوز التمييز ضد أي مواطن على أساس دينه».

كما اتفق الطرفان على أن أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق سيحتفظون بالوضع الراهن، والذي يشمل الحماية الذاتية، حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية بين أطراف النزاع وحتى يتحقق «الفصل بين الدين والدولة». كما اتفقا على وقف الأعمال العدائية طيلة عملية السلام حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية، والاعتراف بمبدأ التقاسم العادل للثروة والسلطة بين مختلف العرقيات في السودان من خلال الدستور.

ضغوط وتراجع

لكن بعد ساعات قليلة من توقيع الإعلان بدا أن الحكومة تتراجع، حيث قالت إن الجانبين اتفقا على العودة إلى المفاوضات في جوبا لبحث القضايا المتنازع عليها، بما في ذلك العلاقة بين الدين والدولة. وكشف مصدر مقرب من مجلس الوزراء أن قادة الجيش رفضوا الإعلان، بحجة أن حمدوك ليس له الحق في اتخاذ قرار بشأن قضايا وطنية حساسة مثل العلمانية.

وقد ذكر مصدر، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، لموقع ميدل إيست آي أنه في اجتماع لمجلس الدفاع والأمن ضم رئيس الوزراء حمدوك وقادة الجيش وقادة مجلس السيادة، رفض جنرالات الجيش الصفقة، وقالوا إن رئيس الوزراء ليس له الحق في البت في موضوع العلمانية.

قال المحلل السياسي محمد عبد العزيز، لموقع «ميدل إيست آي» إن حمدوك يحاول تحقيق انفراجة سريعة في محادثات السلام، فضلًا عن السعي لإعادة توازن السلطة في الحكومة الانتقالية، إذ أن المجموعة التي وقعت اتفاق السلام في جوبا الأسبوع الماضي تبدو أقرب إلى الجناح العسكري في الحكومة.

وأضاف أنه كانت هناك أيضًا ضغوط غربية وراء توقيع الصفقة، إذ إن المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي بيسلي لديه علاقات جيدة مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وكان الوسيط الرئيس للصفقة، حيث ظهر مع الموقعين أثناء التوقيع. قال عبد العزيز: «يبدو أن حمدوك يحاول تحقيق اختراق سريع كما فعل في وقت سابق من خلال طلب نشر بعثة الأمم المتحدة في السودان – كان من الواضح أن حمدوك ظهر بمفرده أثناء التوقيع دون أي من مساعديه أو الدبلوماسيين من حوله».

من جهته انتقد محمد جلال هاشم نائب رئيس فريق التفاوض في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، حمدوك لاتخاذ قرار أحادي الجانب بتوقيع إعلان المبادئ دون التشاور مع حكومته أو شركائه العسكريين.

وأوصح هاشم: «لا يمكننا أن نقول أن هذا هو موقف الحكومة – والآن الحكومة تتراجع عما تم التوقيع عليه – لقد كانت خطوة بقرار فردي. أعتقد الآن أن الحكومة بدأت تفكر في ما وقع عليه حمدوك ووضعه في الإطار المناسب». وأضاف أن الحكومة تتعرض لضغوط من الأحزاب الطائفية، مثل حزب الأمة القومي، وحزب البشير، المؤتمر الوطني الحاكم السابق، اللذين عارضا إزالة العناصر الدينية من الدستور.

تغيير جذري

منذ الإطاحة بالبشير من قبل الجيش في أبريل (نيسان) 2019 بعد شهور من الاحتجاجات الجماهيرية في جميع أنحاء السودان، تصاعدت التوترات بين الجيش – ولا سيما محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم حميدتي – والسياسيين والنشطاء المدنيين.

كان التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة أولوية بالنسبة للحكومة الانتقالية في السودان، لكن العديد من هذه الجماعات لا تثق بشدة في الجيش وحميتي، بسبب تورط الأخير في ميليشيا قوات الدعم السريع (أو الجنجويد) المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الأقليات في السودان.

قال كاميرون هدسون، دبلوماسي أمريكي سابق وزميل بارز في المجلس الأطلسي، إن الجيش نفسه اتخذ قرارات أحادية الجانب في كثير من الأحيان دون استشارة المدنيين، وأن قرار حمدوك لم يكن أكثر فظاعة من بعض التحركات العسكرية.

شرح هدسون لموقع «ميدل إيست آي»: «ألزم حميدتي الحكومة الانتقالية بأمور في جوبا، مثل تأجيل انتخابات المجلس التشريعي، دون التنسيق مع المدخلات المدنية». وأضاف: «إن الإيحاء بأن موافقة حمدوك على مجموعة من المبادئ لتحقيق السلام مع شخص مثل الحلو، الذي انسحب من محادثات السلام بسبب وجود حميدتي هناك، يعد انتهاكًا فظيعًا، يتجاهل حقيقة أنه من المفترض أن يكون هذا انتقالًا بقيادة مدنية».

يعتقد هدسون أن وثيقة الإعلان قد تم تسريبها – بلغتين مختلفتين مع وجود تناقضات بين النسختين – قبل إبلاغ المجلس السيادي بها، وأن هذا كان سببًا رئيسًا لغضب الجيش. وأضاف أن الخلاف يعكس أيضًا انفصالًا متزايدًا بين الشباب، الذين قادوا الثورة وألهموها، وطبقة أكثر تحفظًا وتصلبًا من السياسيين وكبار السن في المجتمع.

قال: إن «السودان يمر بمرحلة انتقالية ليس فقط في كيفية حكمه، ولكن أيضًا لمن يحكم وما تمثله الدولة. ويمكن أن ينتهي الأمر إلى أن يحدث تغيير جذري مثل انقلاب عام 1989 الذي شهد قيام الجبهة الإسلامية الوطنية بتغيير نمط الحكم في الدولة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي