هل سنشهد إعادة تقييم للعلاقات بين أمريكا ومصر؟

مصدر: The needed reset for the US-Egypt relationship
2020-09-13

نشر معهد «بروكنجز» الأمريكي مقالًا للباحثة تمارا كوفمان ويتس، مديرة مركز سياسات الشرق الأوسط بالمعهد، سلَّطت فيه الضوء على أبرز النقاط التي توصَّل إليها عدد من الباحثين المرموقين في شهادتهم على تقييم العلاقات الأمريكية المصرية خلال العقد الأخير وضرورة إعادة النظر فيها في ضوء سياسات نظام عبد الفتاح السيسي الأمنية والقمعية في مصر التي تُغذي التطرف وتُعرِّض المصالح الأمريكية للخطر، فضلًا عن علاقاته المتعددة مع عدد من الدول التي تتضارب مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة.

استهلت الباحثة مقالها بالقول إنه بعد ظهر أمس، أدلت بشهادتها أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي والمعنية بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول السياسات المصرية والعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر. وفيما يلي يمكن الاطلاع على أبرز نقاط شهادتها المنشورة كاملةً هنا. كما أدلى بشهادته في جلسة الاستماع نفسها والمتوفرة على مقطع الفيديو هذا، في هذا الشأن كل من ميشيل دن، باحثة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، والباحثة إيمي هوثورن من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، والباحث صموئيل تادرس من معهد هدسون الأمريكي للأبحاث.

العلاقات الأمريكية المصرية غير متوازنة

وأوضحت الباحثة قائلة: خلال سنوات عملي في متابعة العلاقات الأمريكية المصرية، لم أرَ أبدًا العلاقة بين البلدين غير متوازنة وغير فعَّالة بالنسبة للمصالح الأمريكية كما هي الآن في الوقت الحاضر. إذ انتقلت السياسة الأمريكية تجاه مصر، طوال العقد الأخير وخاصة في فترة الإدارة الأمريكية الحالية، من شراكة متبادلة شاملة إلى شراكة تحددها تقريبًا المعونة العسكرية التي نقدمها لمصر وعلاقتنا العسكرية فحسب.

وعندما ننظر بعين الاعتبار إلى اتجاه المعونة الأمريكية لمصر على مدى العقود الثلاثة الماضية -تستطرد الكاتبة- نجد أن النسبة المئوية للمساعدات العسكرية الأمريكية إلى المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر، في السنة المالية 1990، كانت تزيد قليلًا عن 1 إلى 1، أما في السنة المالية 2018، فقد كانت النسبة المئوية للمساعدات العسكرية إلى المساعدات الاقتصادية المُقدَّمة إلى مصر تتجاوز 4 إلى 1.

وأشارت الباحثة إلى ما ذكرته ميشيل دن في شهادتها عن استخدام الجيش المصري لوسائل لا حصر لها لإحكام سيطرته، بصورة منتظمة، على السياسة والاقتصاد والإعلام في البلاد. ويبدو أن مسار الدعم الأمريكي للنظام المصري يُعزِّز من استيلاء الجيش المصري على الدولة والمجتمع بل ويكافئه على ذلك. ولا تعتقد الكاتبة أن هذا هو الذي كانت ترمي إليه السياسة الأمريكية، لكنها النتيجة التي وصلت إليها بلا شك.

السيسي لا يصلح شريكًا مؤثرًا

وأكدت الكاتبة على أن الولايات المتحدة حظيتْ بشراكة قوية مع زعماء مصر، منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 والتي أُجرِيت مفاوضاتها في منتجع كامب ديفيد الأمريكي. وترسَّخت هذه الشراكة في الأهداف الاستراتيجية والأمنية المشتركة للمنطقة، ومنها تحقيق السلام العربي الإسرائيلي، والتصدي لأي نفوذ من الاتحاد السوفيتي في المنطقة، والحيلولة دون هيمنة أي دولة إقليمية على غيرها من الدول إلى جانب مكافحة الإرهاب الإسلامي.

وترى الباحثة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يميل إلى مثل هذا النوع من الشراكات أو أنه غير قادر على إرسائها. إذ أن تركيزه المُنصب على تأمين نظامه يجعله شريكًا أنانيًّا وغير جدير بالثقة فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية، فضلًا عن عدم اكتراثه بالتعاون لتحقيق الاستقرار في منطقة تعصف بها الاضطرابات. بل إن السيسي، على النقيض من ذلك، يتبنى أساليب قسرية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل الأمنية وحالة عدم الاستقرار، ليس للمنطقة فحسب، بل لأوروبا والولايات المتحدة كذلك.

إن مصر في عهد السيسي، بدلًا من أن تحمل لواء السياسات العربية كما كان يفعل الرئيس الأسبق حسني مبارك، تقتفي أثر الممولين الرئيسيين لها، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما أن السيسي يُصر تمام الإصرار، في الوقت نفسه، على خوض حرب إقليمية من أجل إظهار القوة والنفوذ ضد خصومه المحتملين: مثل حركات الإسلام السياسي وقطر وتركيا – والأهم من كل ما تقدم، ضد أي شخص يجرؤ على معارضة آراء السيسي داخل الأراضي المصرية.

نظام السيسي يُغذي التطرف

وألمحت الباحثة إلى أن رعاية السيسي للمشير خليفة حفتر أدَّت إلى إطالة أمد الحرب الأهلية الليبية وتفاقمها، وهذا ما منح الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مساحة أكبر، وأسفر عن تشريد الآلاف من الأشخاص، وضاعف أعداد المهاجرين واللاجئين الذين يسعون إلى الفرار من ليبيا إلى أوروبا.

كما استندت حملة السيسي لمكافحة التمرد في سيناء إلى أساليب الأرض المحروقة، والتي شملت تجريف المباني السكنية في القرى وتشريد الآلاف من السكان، وهو النهج الذي وصفه لي أحد الإسرائيليين بأنه «يقتلع الرمال من موطنها». وبصورة أشمل، فإن سياسات السيسي القمعية العنيفة وأعداد السجناء السياسيين الكبيرة في سجونه تُثير مخاوف حقيقية حول ما إذا كان نهج الحكومة المصرية يُغذي التطرف أكثر من محاربته.

واستطردت الباحثة تُعدد سياسات نظام السيسي التي لا تتوافق مع الولايات المتحدة قائلة: إن نظام السيسي في مصر يحافظ على إقامة علاقات دبلوماسية واتصالات مفتوحة مع نظام بشار الأسد في دمشق بالإضافة إلى علاقاته مع النظام الإيراني، فضلًا عن أن النظام المصري قام بعمليات شراء كبيرة للأسلحة من روسيا، ويحافظ على التجارة مع كوريا الشمالية، ويُرحب بالاستثمارات الصينية في مصر، ويواصل التمييز ضد الجالية المسيحية القبطية في البلاد ويحتجز مواطنين أمريكيين وأفرادًا من عائلاتهم. كما أن السيسي – بحسب الأعضاء المشاركين في اللجنة – كثَّف من اضطهاده للمجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان.

تأثير الشروط الصارمة للمعونة

وفي مواجهة هذه المخاوف، وضع الكونجرس، على نحو متزايد، شروطًا صارمة على جزء من المعونة العسكرية الأمريكية للقاهرة. وكان لهذه الشروط بعض التأثير في تقديم مصر بعض الردود بشأن مخاوف أمريكية محددة تتعلق بحقوق الإنسان والأمن. وتعتقد الكاتبة أنه حتى مسؤولي إدارة ترامب سيتفقون على أن هذه الشروط كانت أداة مهمة وناجعة، بحسب الكاتبة.

إن هذه الجهود المبذولة في الآونة الأخيرة – بحسب الباحثة – تُظهر أن الضغط المُركَّز والمتواصل، مع التأكيد المستمر على مطالب معينة، قد يكون له بعض التأثير المحدود على السياسات المصرية. وأتفق مع زملائي على ضرورة تجديد هذه الشروط وإلغاء الإعفاءات الخاصة بالأمن القومي من أجل ضمان إنفاذ إرادة الكونجرس.

الاستثمار في الشعب المصري

وخلُصت الباحثة إلى أنه لا بد من إعادة النظر في الرواية القديمة والمتعارف عليها بشأن قيمة الشراكة الأمريكية المصرية وضرورة تحديثها في ضوء التغيرات العميقة الجارية في مصر والمنطقة بأسرها.

إذ إن الولايات المتحدة بمقدورها أن تعمل، على نحو بنَّاء، مع الحكومة المصرية بأسلوب مشروط ومُركَّز فيما يتعلق بالمصالح المشتركة، بينما تستخدم المعونة الاقتصادية وغيرها من المساعدات المدنية لمساعدة الشعب المصري في هذه الفترة العصيبة الحافلة بالتحديات وفي ضوء استعدادهم لتحديات وشيكة بالفعل، ومنها على سبيل المثال، أن مصر بحاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة للحفاظ على المياه واستصلاحها وتحليتها والولايات المتحدة لديها الخبرة التي تُقدمها في هذا الصدد.

لكن ينبغي ألا يغفل المسؤولون الأمريكيون عن طبيعة هذا النظام أو هذه الشراكة، بحسب الكاتبة، والمطلوب يتلخص في وضوح المقاصد والأهداف ووضع شروط واضحة للحصول على الدعم والمساعدة الأمريكية، وأن تفرض الولايات المتحدة خطوطًا حمراء واضحة تمنع تلقي المساعدات. وأضافت: بذلك قد يُثمر نبذنا للأوهام والكف عن التفكير بالتمني في تحقيق شراكة محدودة مع بعض المكاسب الملموسة والمُجدية.

واختتمت الباحثة مقالها قائلة: والأهم من كل هذا، لا بد أن تبتعد الولايات المتحدة عن مسارها الحالي، إذ إن سياسات إدارة ترامب غير الرشيدة إلى جانب نسبة المعونة العسكرية الهائلة المُقدَّمة للجيش المصري تُظهِر الولايات المتحدة في أعين المصريين بأنها الممول والداعم لحاكم مستبد مدعوم من المؤسسة العسكرية، والذي يقمع شعبه ويُهينهم باستمرار. إن حماية المصالح الأمريكية كانت وستظل مُتمثلة في رؤية الشعب المصري وهو يُحقِّق تطلعاته في الأمن والكرامة والحرية، وهذه هي التطلعات التي ينبغي على الولايات المتحدة الاستثمار فيها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي