معضلة شرق المتوسط.. لماذا تتمسك تركيا بموقفها رغم شبح الحرب؟

ستراتفور
2020-09-13

بدأت أنقرة في تطبيق وجهة نظرها التي يمتد عمرها لـ50 عامًا بشأن الحقوق البحرية، من خلال مبدأ "الوطن الأزرق"، حيث وسعت تركيا من وجودها البحري والتجاري في مياه البحر الأبيض المتوسط ​​التي ترى أنها جزء من مناطقها الاقتصادية الخالصة، وقد أصبح التنقيب عن النفط والغاز أداة حاسمة في تنفيذ هذه الاستراتيجية.

لكن المحاولات التركية للمطالبة بحقوق واسعة في الموارد البحرية تهدد باندلاع صراع أوسع مع اليونان وحلفاء آخرين في الناتو، ومن شأن ذلك أن يجر مشاريع الطاقة في المنطقة إلى المعركة، وربما يجر الولايات المتحدة أيضًا.

طموحات تركيا البحرية

ترى تركيا أن جميع المياه المجاورة لها في بحر إيجة والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ​​تستحق معاملة خاصة بموجب القانون الدولي، وأن الجزر في بحر إيجه (التي تسيطر اليونان على معظمها) يجب ألا تتمتع بنفس الحقوق التي تتمتع بها دولة كبيرة مثل تركيا التي لها سواحل طويلة.

ولكن، لم يهتم المجتمع الدولي بهذه الفروق مطلقًا، ولهذا السبب لم توقع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتفضل حل النزاعات من خلال المفاوضات الثنائية بدلاً من التحكيم الدولي.

وقد أدى ذلك حتى الآن إلى نزاعين كبيرين مع اليونان في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط​​، بالإضافة إلى نزاع رئيسي مع قبرص في شرق البحر المتوسط.

ويعتبر النزاع الأهم لتركيا في بحر إيجه، حيث تساعد آلاف الجزر اليونانية في تعزيز مطالبات اليونان البحرية مقابل مطالبات تركيا، وحيث يختلف البلدان حول كيفية البدء في رسم حدود بحرية بسبب التباين في عدد الجزر بينهما.

تمتلك تركيا 3 جزر فقط في بحر إيجه، بينما تدعي اليونان ملكية أكثر من 3 آلاف جزيرة، ونظرًا لارتفاع عدد الجزر اليونانية، فقد أكدت تركيا منذ فترة طويلة أن أي توسع في المطالبات البحرية اليونانية من 6 أميال بحرية إلى 12 ميلًا بحريًا سيشكل "سببًا للحرب".

وبينما كادت الحرب تندلع عدة مرات بين اليونان وتركيا بسبب النزاعات في بحر إيجه، فقد تجنب البلدان حتى الآن إعلان المناطق الاقتصادية الخالصة الكاملة في المنطقة، فضلاً عن المطالبة بالمياه الإقليمية التي تتجاوز 6 أميال بحرية. لكن هذا لا يعني أنهما لا يستطيعان فعل ذلك في المستقبل.

إن استخدام جزر اليونان في بحر إيجه لترسيم الحدود البحرية للمناطق الاقتصادية الخالصة، والتي تمتد حتى 200 ميلًا بحريًا من الساحل الرئيسي، من شأنه أن يترك تركيا بلا حقوق تقريبًا في الموارد الطبيعية ومصايد الأسماك في بحر إيجه.

وأكدت تركيا أن الطريقة الأكثر إنصافًا لتقسيم موارد البحر ستكون من خلال تجاهل الجزر تمامًا والبدء بخط على مسافة متساوية من البر الرئيسي اليوناني والتركي.

أنقرة تتخذ إجراءات

تحاول تركيا إضفاء الشرعية على مطالبتها المعلنة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، من خلال استعراض مطالبها بقوة أكبر عبر استكشاف الطاقة والتدريبات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط​، وكذلك نزع الشرعية عن أي مطالبات محتملة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في المنطقة والتي تستطيع اليونان أن تطالب بها من خلال جزرها في كريت ورودس و كاستيلوريزو.

يمكن لجزيرة كاستيلوريزو​​، على وجه الخصوص، أن تكون أساس مطالبة مهمة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان والتي يمكن أن تتصل بالمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها قبرص، وبالتالي تحد بشكل كبير من المطالبات التركية بالموارد بين جزيرة كريت وقبرص.

وقد يؤدي المزيد من التصعيد إلى مطالبة اليونان أخيرًا بكامل منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط​​، وهو ما كانت أثينا حتى الآن مترددة في القيام به خوفًا من تحفيز صراع أوسع.

نشطت سفينة المسح التركية "عروج ريس" في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط ​​منذ بداية العام، تحت حماية فرقة بحرية تركية.

وتهدف الاتفاقية البحرية التركية في ديسمبر/كانون الأول 2019 مع حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى إضفاء الشرعية على مطالبات تركيا من خلال إقامة حدود بين المياه التركية والليبية تتجاهل جزيرة كريت وكاستيلوريزو.

وفي 27 أغسطس/آب، صادق البرلمان اليوناني على اتفاقية حدود بحرية مع مصر تهدف إلى مواجهة اتفاق تركيا مع ليبيا من خلال إضفاء الشرعية على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة المحتملة المبنية على أساس سيطرتها على جزيرة كريت.

يعتبر اتفاق اليونان مع مصر خطوة أولى في احتمال إعلان منطقة اقتصادية خالصة كاملة في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكن الاتفاق مع مصر لا يُشرعن مطالبات اليونان المحتملة التي تقوم على أساس كاستيلوريزو.

كما تحاول تركيا بنشاط نزع الشرعية عن المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​من خلال إجراء استكشافات للطاقة في المياه التي تدعي قبرص ملكيتها مباشرة، فضلاً عن مضايقة الشركات الأجنبية التي تعمل نيابة عن الحكومة القبرصية.

جادلت تركيا بأن مطالبة قبرص بالمنطقة الاقتصادية الخالصة ليس قانونيًا لأنه لم يتم بالتنسيق مع جمهورية شمال قبرص التركية، التي تعترف بها أنقرة كحكومة شرعية لكل قبرص.

كما تجادل تركيا بأن قبرص، كجزيرة، لا يمكنها المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة كاملة.

تقوم سفينة "يافوز"التركية حاليًا بالحفر قبالة ساحل غرب قبرص، كما تقوم سفينة "بربادوس" التركية حاليًا بإجراء أبحاث في المياه الإقليمية لشمال قبرص التي تعترف بها تركيا كجزء من منطقة التنقيب عن النفط التي تملكها شركة النفط التركية الحكومية.

في عام 2018، منعت البحرية التركية شركة النفط الإيطالية "إيني" من التنقيب في منطقة "كتليفيش" الاستكشافية التي استلمتها الشركة من قبرص.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي