هل يمهد الربط الكهربائي لنفوذ سعودي أوسع في العراق؟

يريفان سعيد/معهد دول الخليج العربي في واشنطن
2020-09-12

أثارت زيارة رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" إلى واشنطن، في أغسطس/آب، ضجة إعلامية كبيرة. وارتفعت التوقعات بشأن إعادة تنظيم علاقة العراق مع دول الخليج العربية من خلال الاستثمار وربط شبكة الكهرباء الوطنية العراقية بدول مجلس التعاون الخليجي كمسار لتقليل اعتماد بغداد على الكهرباء الإيرانية.

وتعد استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لدفع العراق نحو دول الخليج، امتدادا لدبلوماسية الرئيس "باراك أوباما" التي بدأت عام 2013 تحت إشراف المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق والشام "بريت ماكجورك"، باعتباره جهدا مضادا لنفوذ إيران في العراق.

ومع ذلك، كانت إدارة "ترامب" أكثر قوة في محاولاتها لإعادة دمج العراق في العالم العربي. ولعبت استراتيجية "أقصى ضغط" لاحتواء سلوك إيران، دورا رئيسيا في تصميم الإدارة الأمريكية على مساعدة العراق والسعودية في إصلاح العلاقات.

وواجهت الولايات المتحدة معضلة مماثلة من قبل، حيث حاول الرئيس "دوايت أيزنهاور" احتواء مصر عام 1956، وكانت استراتيجيته تتمثل في تشكيل تحالف بين العراق والسعودية والأردن ولبنان لمواجهة العلاقات المتزايدة بين الرئيس "جمال عبدالناصر" والاتحاد السوفيتي.

وفي هذا السياق، التقى العاهل السعودي الراحل الملك "سعود بن عبدالعزيز" الملك العراقي "فيصل" في بغداد ليضع أساسا للثقة بين الخصمين، بعد أن تخلى "فيصل" عن مطالبة عائلته بالحجاز؛ ما ساعد على حل القضايا القديمة المتعلقة بترسيم الحدود بين السعودية والعراق.

وشجعت واشنطن المصالحة بين البلدين الجارين من خلال الدعم المالي والعسكري. وقدمت نحو 50 مليون دولار للملك السعودي وقدمت للعراق مساعدات عسكرية.

ومع ذلك، لم يتحقق التحالف بسبب التطورات الداخلية وانعدام الثقة المتبادل والأحداث الجيوسياسية الدراماتيكية مثل تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا والأزمة السياسية في لبنان عام 1958، التي أدت إلى تدخل عسكري أمريكي.

علاوة على ذلك، أدى انقلاب عام 1958 الذي أنهى حكم الأسرة الهاشمية في العراق إلى توسيع فجوة الثقة بين بغداد والرياض.

وزادت التوترات مع تهديد العراق بغزو الكويت. وفي عام 1961، أرسلت السعودية قوة طوارئ للدفاع عن الدولة الخليجية الصغيرة ضد العراق.

وتغيرت الديناميكية الإقليمية مع اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979. واستطاع التهديد المشترك الذي تشكله قوة غير عربية جمع السعودية والعراق معا، ومع ذلك قامت الرياض بوضع مسافة بين دول الخليج العربية والعراق من خلال استبعاد بغداد من عضوية مجلس التعاون الخليجي عام 1981.

وقد عزز غزو العراق للكويت بعد 10 أعوام فقط، مخاوف السعودية بشأن طموحات بغداد الإقليمية.

وفي عراق ما بعد 2003، مهدت استقالة رئيس الوزراء "نوري المالكي" واستبداله بـ "حيدر العبادي" عام 2014 الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية والعراق.

واعتمدت واشنطن بشكل كبير على شخصية "العبادي" لدفع توجهها الجديد تجاه العراق، حيث زار الرياض مرتين.

كما زار الرئيس العراقي "فؤاد معصوم" الرياض، وأدت هذه المحادثات مع المسؤولين السعوديين إلى تعيين "ثامر السبهان" في يونيو/حزيران 2015 كأول سفير مقيم للمملكة في العراق منذ عام 1991.

وبعد بضعة أشهر، أرسل العراق سفيره الخاص إلى الرياض. ومع ذلك، كان هناك ضعف جوهري في استراتيجية واشنطن.

وركزت الاستراتيجية الأمريكية على "العبادي" وحده، وروجت الولايات المتحدة له على حساب الحلفاء الرئيسيين الآخرين في العراق، بمن فيهم الأكراد، خاصة في عام 2017، عندما أجرى إقليم كردستان استفتاء الاستقلال.

وكلفت إدارة "ترامب" وزير الخارجية آنذاك "ريكس تيلرسون" بالترويج لأهمية وجود علاقة أعمق بين بغداد والرياض.

وانضم "تيلرسون" إلى "العبادي" في الاجتماع الافتتاحي للجنة التنسيق السعودية العراقية، إلى جانب العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز"، لتسليط الضوء على أهمية العلاقة السعودية العراقية للأمن الجماعي والازدهار في المنطقة.

لكن هزيمة "العبادي" في الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018 أوقفت التقدم بين العراق والسعودية.

وأدى تبادل الزيارات بين المسؤولين العراقيين والسعوديين إلى تشكيل مجلس التنسيق السعودي العراقي في أكتوبر/تشرين الأول 2017؛ لتنسيق وتسهيل التجارة والاستثمار وفتح معبر "عرعر" الحدودي.

لكن المجلس كان غير فعّال إلى حد كبير. وبالرغم من الموافقة على فتح معبر "عرعر" الحدودي، إلا أنه ظل مغلقا إلا أثناء الحج. علاوة على ذلك، استغرق الأمر ما يقرب من عامين للسعودية لتحديد موعد الاجتماع الثاني للمجلس.

وفي حين أدت هذه المبادرات إلى تحسين العلاقات الرسمية بين السعودية والعراق، إلا أنها لم تغير الكثير على الأرض. على سبيل المثال، الاستثمار السعودي في العراق.

ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم التوافق بين أولئك الذين يحتفظون بالسلطة على المستوى الرسمي في بغداد، وأولئك الذين يمسكون بزمام السلطة على الأرض في جميع أنحاء العراق. فالأولى تبدو جادة في إعادة بناء علاقات العراق مع دول الخليج. لكن الأخيرة، المكونة من الميليشيات الشيعية، تعتبر السعودية تهديدا لسلطتها.

وبدون تغيير جذري في المشهد السياسي العراقي، سيستمر هذا الانقسام الداخلي في إعاقة التقارب الهادف بين بغداد والرياض.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي