تقاطعات النفوذ والثروة لإنتاج إنسان خارق

فيلم "مشروع القوة".. تجارب على الفقراء والمهمّشين لتدجين المجتمعات.

2020-09-11

إخضاع الأفراد لتجارب محفوفة بالمخاطر

طاهر علوان

 

الفرد يقهره النظام، ويسيّره كيفما يشاء وبإمكانه أن يجعل منه حقل تجارب ويستثمر فيه، وعليه أن يتقبل ذلك راضيا حيث تتوحّد السلطات من أجل بلوغ هذا الهدف، حول هذا النوع من التدجين للمجتمع تدور أحداث فيلم “مشروع القوة” للمخرجين هنري جوست وآرييل شولمان.

كيفية الوصول إلى الإنسان الخارق، موضوع طالما اهتمت به سينما الخيال العلمي وتناولته في العديد من الإنتاجات العالمية، وضمن هذا الإطار بقيت عالقة في الأذهان أفلام سلسلة "الفاني" و"سوبرمان" و"سبايدر مان" و"باتمان" و"كابتن أميركا" و"إكس مان" و"المنتقمون" و"بلاك بانثر" وغيرها الكثير.

وفي فيلم “مشروع القوة” للمخرجين هنري جوست وآرييل شولمان سوف نذهب مباشرة باتجاه اكتشاف التجارب التي تجرى في القاع من أجل إنتاج الإنسان الخارق؛ عملية عشوائية يتم من خلالها تتبّع متعاطين لحبوب مشروع القوّة وما سوف يطرأ عليهم من متغيّرات.

نحن الآن في الحيّز المكاني الأول، وهو إحدى سفن الحاويات التي ترسو في أحد موانئ ولاية نيوأورليانز، حيث تجرى التجارب ويتم الإنتاج، وها هو بيغي (الممثل رودريغو سانتورو) يروّج للإنتاج الجديد، في أوساط شباب محبطين أغلبهم مضطرّ إلى بيع المخدّرات بسبب ظروفه الاقتصادية القاسية، بمن فيهم فتاة من أصول أفريقية تدعى روبن (الممثلة دومينيك فيشباك) التي سرعان ما سوف تقوم بأول عملية للبيع، لتجد صديقها الشرطي فرانك (الممثل جوزيف غوردون – ليفيت) في وسط الواجهة مع ثلة من المتعاطين، ليقوم بإنقاذها.

تتّسع اهتمامات الشرطي الطموح فرانك بعيدا لأجل إنقاذ مدينته من ذلك الوباء المتمثل في المخدرات، ولكنه يكتشف أن هناك أوامر من جهات عليا تصدر حالما توشك قوات الشرطة على القبض على اللصوص والمتاجرين بذلك النوع الفتاك من المواد المخدرة التي تنتج في نفس الوقت قدرات خارقة، وهو ما يجعل فرانك يرفض ذلك كله ويقرّر خوض المواجهة إلى النهاية.

شخصيات مدجنة تنتظر مصيرا مجهولا

الإحساس بالمؤامرة من قبل سلطات مجهولة يتجسّم في الجهة الأخرى لدى شخص آخر هو آرت (الممثل جيمي فوكس)، وهو الموجوع من بين الضحايا بالبحث عن مصير ابنته التي تم اختطافها أيضا بسبب توفّر قدرات خارقة فيها استوجب إدخالها في مشروع القوة.

“لا يمكنك إخفاء الحقيقة بأن النظام مجرّد كذبة، ولكن ماذا فعل النظام؟ لقد استغلني.. لكن عليّ الآن أن أستفيد من النظام أكثر ممّا يستفيد مني.. النظام عنصري ومتحيّز ومصمَّم لجعلك تعاني، ولم يوجد من أجل واحد مثلي”.

بهذه الحوارية العميقة تتجسّد أزمة الثنائي، الفرد/ النظام، وما بينهما هناك ترسانة هائلة من المال ورجال العصابات والمسلحين والسيارات المصفحة والبيولوجيين الذين ينتجون تلك الأجسام التي تبدو في الظاهر مثل مصابيح صغيرة، ما إن يتم التهامها، حتى يتغيّر كيان الإنسان كلّ بحسب ما سوف يصيبه من تفاعلات، الإنسان/ النار، الذي يتحوّل إلى كتلة نيران لا تنطفئ، الإنسان/ الشفاف الذي يتقافز مثل البرق ولا يقوى أحد على اللحاق به، الإنسان الذي لا يقتله الرصاص وبإمكان جسمه التخلّص من الإصابات، وهكذا تتكامل سلسلة من القدرات الخارقة.

القوّتان المتضادتان في تلك الدراما سوف تتمثلان في آرت وفرانك، وما بينهما هي الفتاة روبن المحمّلة بأعباء فقدان الأب ومرض الأم والإخفاق في الدراسة، وهي التي سوف تنضمّ إلى آرت في رحلته المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى معرفة مصير ابنته المختطفة، ومن ثمة تمّ الجمع بين آرت وفرانك في مشاهد مثّلت ذروة الصراع والدراما، وذلك في جوف السفينة التي تجُرى فيها التجارب حيث يتمّ العثور على ابنة آرت.

يحتل هذا الفيلم اليوم الصدارة في المشاهدات، وهو يحمل أغلب العناصر التي تؤهله للنجاح التجاري، فالسيناريو الذي كتبه بعناية ماتسون توملين يكمّل ما كنا قد شاهدناه في أفلام الحركة والصراع والعنف والقتل بجميع الأسلحة ومغامرات قطع الأنفاس، وهي متطلبات أساسية معروفة في هذا المضمار. لكن الموضوع سوف يتشعب إلى قضية إنسانية وإلى أزمة اجتماعية وسياسية، فضلا عن مشاهد الإبهار المصنوعة بمهارة عالية.

والملاحظ أن التأسيس الدرامي قد بني على أساس قاعدة اجتماعية، من أهم علاماتها الفقر وتفشي البطالة والأزمات في أماكن حياة السود في الغالب، على الرغم من أن ذلك المشروع الخطير قد شمل السود والبيض على السواء.
يمكن قول الكثير مع كل مشهد مصنوع بعناية لجهة غزارة الصورة وتعبيريتها العميقة وبراعة التصوير والمؤثرات والمونتاج والخدع البصرية، جميعها تكاملت لكي نحظى بفيلم قادر أن يجتذب المشاهد ويدفعه إلى المتابعة منذ البداية مرورا بمشاهد الصراع العنيف وحتى النهاية التي يلفظ فيها آرت أنفاسه.

لكن ها هي ابنته بما تمتلكه من قوى روحية وقدرة خارقة تجعله يخرج من حالة تشبه الموت ليعود إلى الحياة مجددا، وليحتضن ابنته التي استطاع أن يسترجعها أخيرا في مقابل هلاك أغلب من كانوا يقومون على ذلك المشروع الذي أرادوا به إسقاط حكومات ومجتمعات، كما أعلنوا عن ذلك في سياق أحداث الفيلم.









كاريكاتير

إستطلاعات الرأي