هؤلاء هم ضحايا انفجار بيروت المنسيُّون

مصدر: The forgotten victims of the Beirut explosion: domestic workers
2020-09-09

نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالًا لنسرين مالك، كاتبة عمود في الصحيفة، تناولت فيه المأساة التي ألمَّت بعاملات المنازل الأجنبيات في لبنان، والتي بدأت بتفشي فيروس كورونا المُستجد وما صاحبه من آثار اقتصادية واجتماعية انتهت بهن للعيش في الشوارع، وازداد الطين بلة في أعقاب كارثة الانفجار المروع الذي وقع في مرفأ بيروت الشهر الماضي وخلَّف وراءه مئات الضحايا وآلاف المصابين، وأدى إلى تضورهن جوعًا وسط أنقاض الانفجار.

صور إنسانية في خضم الكارثة

تقول الكاتبة في مستهل مقالها مرَّ ما يزيد قليلًا عن شهر على انفجار مرفأ بيروت، واللقطات التي أُخذِت لأحداث ذلك اليوم لم تزل صادمة كما كانت عند بداية ظهورها لأول مرة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي لقطات عبر الفيديو، رأى العالم حياة بيروت تتجمد في ارتباك بسبب الصوت غير المألوف للانفجار، والذي نجم عنه تحطم النوافذ والأبواب وتهشم الزجاج وارتطامه بالأرض.

ومن بين تلك اللقطات القصيرة المصورة، شاهدنا مشهدًا واحدًا، التقطته عدسات قناة التلفزيون المحلية (CCTV)، والذي تكرر بثه في جميع أنحاء المدينة- لمربية أطفال أفريقية تلتقط الأطفال بدافع غريزي بعيدًا عن الأذى وتحميهم بجسدها. وتشير الكاتبة إلى أن عديدًا من هؤلاء المربيات ينَمْنَ الآن في شوارع بيروت. ومعظمهن يتضوَّرْن جوعًا.

بل حتى قبل وقوع الانفجار، أدَّت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المُستجد إلى عدم تمكن أصحاب العمل اللبنانيين من دفع أجور عاملات المنازل. وعليه طلبوا من المربيات جَمْع متعلقاتهن ونقلوهن إلى سفاراتهن، بل ألقوا بهن خارج أبواب السفارة.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي فقط، تُرِك أكثر من 100 عاملة منزل (خادمة) إثيوبية خارج أبواب قنصلية بلادهن. ويعيش هؤلاء الخادمات على الكفاف ويتشاركن المراتب التي يَنَمْن عليها. ولا يزال البعض يحاول الحفاظ على الانضباط بارتداء الكمامات حتى أثناء نومهن جنبًا إلى جنب على الرصيف غير الصحي.

قصص مأساوية يندى لها الجبين

وذكرت الكاتبة أنها تحدثت الأسبوع الماضي إلى كريستين، وهي مربية وعاملة منزل من غرب أفريقيا لم ترغب في استخدام اسمها الحقيقي خوفًا من انتقام صاحب العمل منها. وقالت بصفتها مخضرمة في سوق العمل في بيروت، إنها كانت تحاول جمع بعض المال لمساعدة النساء الأفريقيات، اللائي تخلى عنهن أصحاب العمل، في العودة إلى بلادهن الأصلية. لكن تدبير أمر هذه الرحلة لا يمكن أن يمثل أولوية الآن. فالنساء النائمات في الشوارع في حاجة أولًا إلى تناول الطعام. وإذا تبقت أي أموال فستُنفق على توفير المأوى.

وتشير الكاتبة إلى أن السفر من لبنان إلى أي وجهة في أفريقيا أمر مكلف، لذا فإن تذكرة العودة الذهبية مخصصة للمرضى الذين يحتاجون إلى البقاء إلى جانب عائلاتهم. وتُعد كريستين نفسها من المحظوظات؛ لأن «سيدتها» أبقت عليها، وأعطتها مكانًا للإقامة، وخفَّضت راتبها بمقدار النصف فحسب.

ويجب على القنصليات، عندما تكون مستعدة للمساعدة، أن تتفاوض عبر متاهة من بيروقراطية الحكومة اللبنانية، سيئة السمعة بالفعل بسبب فسادها وعدم كفاءتها. فمن أجل تأمين الأوراق اللازمة للخروج من البلاد، تفرض وزارة العمل اللبنانية رسومًا باهظة، بالإضافة أيضًا إلى تكاليف السفر. وكثيرًا ما يُطلب من العمال المهاجرين الإثيوبيين محاولة العودة مرة أخرى إلى أصحاب العمل.

نظام الكفالة غير الإنساني

وفي قلب هذه الأزمة المتعلقة بحقوق الإنسان، هناك نظام العمالة المهاجرة الذي لا يزال وصمة عار في عديد من البلدان في العالم العربي، بحسب الكاتبة. ويُعرف هذا النظام باسم الكفالة، ويعني تسليم مصير العمال فعليًّا إلى أصحاب العمل، الذين غالبًا ما يحتجزون جوازات سفرهم للحفاظ على السيطرة عليهم، ثم يطالبون باستعادة الرسوم المدفوعة لوكالات التوظيف إذا أراد العمال المغادرة قبل انتهاء عقودهم. ويجبر هذا المطلب بعض العمال على الهروب ليصبحوا بعد ذلك بدون أوراق موثقة.

وتقول الكاتبة: أخبرتني آنا، وهي مربية من الفلبين، كيف تمكنت من الهروب من صاحب عملها المسيء من خلال إرتداء ثلاث مجموعات من الملابس الداخلية والقمصان والسراويل فوق بعضها البعض. وبهذه الطريقة، تمكنت من إحضار كمية من الملابس معها دون حمل حقيبة. ومازحتني قائلة إنها فقدت كثيرًا من الوزن بحلول ذلك الوقت، حتى أنها استطاعت ارتداء كثير من الملابس دون أن تثير الشك أو تلفت الانتباه، لكنها تركت وراءها كل شيء آخر، بما في ذلك جواز سفرها.

إن قسوة نظام الكفالة ليست نتيجة مؤسفة للبيروقراطية، ولكنها نتيجة نظام عنصري هرمي يجد فيه العمال السود أنفسهم في الحضيض. ومن بين جميع الجنسيات التي تتزاحم وتتشاحن من أجل كسب لقمة العيش في الشرق الأوسط والعالم العربي المترامي، تظل النساء الأفريقيات ذوات البشرة السمراء الأرخص في التوظيف، والأكثر يأسًا، والأكثر تعرضًا لسوء المعاملة.

النساء الأفريقيات الأكثر معاناة

تقول الكاتبة أخبرتني كريستين أن جميع العمال المهاجرين في لبنان يعانون، لكن النساء الأفريقيات يعانين أكثر من غيرهن «لأننا لا نعتبر بشرًا، والجميع يتجاهلنا، ولا ينظر إلينا أحد بعين الرحمة». ويمكن لأصحاب العمل الذين لم يعد بإمكانهم دفع رواتب عمالهم الاقتصار على إسكانهم وإطعامهم، لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك، على الرغم من أن عددًا من الخادمات والمربيات يعْرِضن العمل لديهم مجانًا.

وتختم الكاتبة قائلة: وكما هو الحال مع أية أزمة، تُدْفَع الفئات الأكثر ضعفًا إلى حافة الهاوية. ويعاني لبنان من وجود طبقة سياسية فاسدة وغير كفؤة، وستزداد تلك المعاناة الآن بعد انفجار من شأنه أن يتحدى أقوى بنية تحتية. إن حجم عملية إعادة البناء التي تواجهها بيروت يعني أن النساء الأفريقيات الجائعات اللائي ينمن في ظروف قاسية في شوارع بيروت أصبحن غير مُهمَّشين مرتين – أولًا من قبل المجتمع اللبناني، الذي يعاملهن على أنهن أدنى من البشر، ومرة ​​أخرى من قبل المجتمع العالمي الذي لا يستطيع رؤية كثير من الطبقات في لبنان أثناء تصنيفه للضحايا.

وفي الوقت الحالي يتلاحم العمال المهاجرون في بيروت مع بعضهم البعض، ويتشاركون في أي موارد ضئيلة لديهم. كما يحاولون تحذير الآخرين من القدوم إلى البلاد. وتخشى كريستين من أنهم سيظلون يأتون على أية حال؛ لأنهم يعتقدون أنهم قد يكونون محظوظين. وتقول: «عندما تصبح فقيرًا، تفكر»،  وتقول: «دعني أحاول»، «نريد فقط المحاولة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي