فيلم "عقيدة" لكريستوفر نولان.. التضحية بالشخصيات على مذبح التلاعب بالزمن

2020-09-04

يحمل كريستوفر نولان هوسا بأشياء معينة تكررت في أفلامه مثل التلاعب بالزمن

لمياء رأفت

بدأ عرض فيلم المخرج الأميركي كريستوفر نولان في 70 دولة حول العالم منذ 26 أغسطس/آب 2020، ليتسابق كل من محبي المخرج وعشاق السينما الظمآنين إلى مشاهدة الفيلم، حتى إن البعض في الولايات المتحدة سافروا من الولايات التي لم تفتح فيها دور العرض إلى ولايات أخرى لمشاهدة الفيلم، ولكن هل استطاع الفيلم إرضاء توقعات هؤلاء المنتظرين؟ هذا ما سنعرفه هنا.

البحث عن زمن نولان فقط!

فيلم "عقيدة" (Tenet) هو الفيلم الحادي عشر في مسيرة نولان السينمائية التي بدأت عام 1998 بفيلمه الطويل الأول "اتباع" (Following)، وخلال هذه الأفلام طوّر نولان لنفسه أسلوبا سينمائيا خاصا، استطاع من خلاله جذب النقاد وكذلك المشاهدين العاديين، فصنع أفلامَا تجمع بين أفكاره الخاصة عن السينما وفي الوقت ذاته مثيرة ومسلية للغاية.

تناولت أفلامه العديد من الأنواع السينمائية مثل الخيال العلمي والفيلم الحربي والأبطال الخارقين والإثارة والتشويق، ولكن على الرغم من صعود منحنى أفلامه إلى أعلى من ناحية الإيرادات، فإن هناك عوامل أخرى في سينماه تنحدر للأسفل، وآخر أفلامه "عقيدة" دليل جديد على هذا الانحدار.

يحمل كريستوفر نولان هوسًا بأشياء معينة تكررت في أفلامه، مثل الزمن والتلاعب به، والذاكرة، والهوية الشخصية، والشعور بالذنب، وربما أفضل جوانب أفلامه هي الشخصيات المرسومة بصورة دقيقة وتشبه شخصيات أفلام نوار القديمة (فيلم نوار هو مصطلح سينمائي يُستخدم للتعبير عن أفلام الجريمة والدراما الهوليودية) مع بضعة تغييرات جوهرية.

ولكن في الأفلام الأخيرة وبعد فيلمه "استهلال" (Inception) -الذي وصل فيه للذورة من ناحية الصورة وبناء الشخصية- بدأ اهتمامه بجانب الشخصيات يتراجع بصورة مطردة، لنجد أن فيلمه عام 2017 "دونكريك" (Dunkirk) لا يحتوى إلا على شخصيات هامشية، يمكن إزالة شخصية ووضع أخرى مكانها أو حذفها نهائيًا ولن يختل إيقاع الفيلم، وحتى بعض هذه الشخصيات لم تحمل اسمًا، وقد كان هذا مبررًا في سياق أن الفيلم يتناول فكرة الطبيعة الإنسانية الطيبة التي تتكاتف لإنقاذ بعضها بعضا، وهنا لا تنفع الأسماء.

لكن في فيلم "عقيدة" من المفترض أن الأمر مختلف، فنوع الفيلم هو الجاسوسية والإثارة والتشويق مختلط مع الخيال العلمي، ويعتمد في سرده على شخصيتين رئيسيتين، قدمهما جون ديفيد واشنطن وروبرت باتينسون، كلا الشخصيتين لم يتم التقديم لها نهائيًا، الأولى تعرفنا عليها في منتصف مهمة، ولم تتم الإشارة إلى أي مزية شخصية لديها تفيد المهمة سوى ولائها الشديد، والثانية لا نعرف حرفيا سوى اسمها، ومحاطة بالغموض طوال الوقت.

لغز لا أحد يهتم بحله

تدور أحداث الفيلم حول حرب عالمية ثالثة تدور في المستقبل، وبسبب فيزيائي ما تصلنا علامات على وجود هذه الحرب عبر أشياء ترسل للماضي، مثل رصاصات ومخلفات حربية، ويجب على بعض المقاتلين من الماضي البحث عن بدايات هذه الحرب لوأدها.

يبدو ما قلته بداية رائعة لفيلم مميز، ولكن كريستوفر نولان كاتب السيناريو والمخرج أخبرنا بذلك في دقيقة واحدة تقريبًا في أحد المشاهد المفتعلة للغاية، ثم أخذ المشاهدين في متاهة كبيرة بين المستقبل والماضي، مع الكثير من الشرح غير المفهوم والسريع لقواعد الزمن والفيزياء، ليفقد الكثير من المشاهدين اهتمامهم في النصف الثاني من الفيلم بمتابعة هذه الرحلات الزمنية وتفاصيلها المعقدة غير الضرورية، وينتظرون فقط النهاية.

افتقد الفيلم منذ البداية الدوافع، فلا الشخصية الرئيسية لديها دافع حتى تقوم بكل هذه المهمة المستحيلة، ولا هناك دوافع حقيقية لتتابعات الأحداث نفسها، فنجد أن المنعطفات الكبرى في الأحداث تحدث لأسباب غير مهمة ولا منطقية، مثل جرح شخصية لم يعرفها البطل سوى منذ أيام، فيقرر العودة بالزمن وإخلال سير المهمة بالكامل لإنقاذها، في حين أن مصير كوكب الأرض ذاته على المحك.

في أحدث أفلامه "عقيدة" قام نولان بالتضحية بالدراما والحبكة والشخصيات على مذبح التلاعب بالزمن والصورة، حيث اهتم أكثر بطريقة سير الأحداث، وكيف ستبدو مبهرة على الشاشة، ولكن لم يعطنا "السبب" وراء حدوث هذه الأحداث، أو يدفعنا للاهتمام بها، لذلك جاء الفيلم مميزًا من الناحية البصرية، خاصة مع استغلال فكرة الرجوع العكسي في الزمن، ومشاهد القتال ومطاردة السيارات وتصويرها بشكل حقيقي ومبهر للغاية.

ولكن كل هذه المشاهد لم تأت لدفع الفيلم للأمام قدر ما هي استعراض لعضلات كريستوفر نولان الذي كل فيلم ينغمس أكثر في ذاته عن الفيلم السابق، وأصبح كما لو أنه يقدم أفلامًا له فقط ولبعض من محبيه الذين يعشقون فكرة التلاعب بالزمن وعدم فهمهم للأفلام بسهولة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي