
في خطوة غير مسبوقة، نصبت أكثر من 100 عائلة مهاجرة خيامها وأمضت ليلة أمس الاثنين في الساحة الأمامية لقصر بلدية باريس وسط العاصمة. بعد ساعات قليلة، حاولت المحافظة إخلاء المكان "بالقوة"، ففتحت البلدية إحدى القاعات لإيواء المهاجرين بشكل مؤقت. وتطالب جميعة "يوتوبيا 56" بتأمين سكن لائق لتلك العائلات، التي عاشت حياة التشرد في مخيمات عشوائية على أطراف العاصمة، ضمن ظروف في غاية السوء.
قبيل منتصف ليل 31 آب/أغسطس، توجه 219 شخصا معظمهم من الصومال وأفغانستان وساحل العاج، إلى ساحة مجلس المدينة في قلب العاصمة باريس، أقاموا خيمهم وأمضوا ليلتهم هناك.
59 طفلا و15 امرأة حامل، هم أيضا من بين هؤلاء المهاجرين الذين كانوا يعيشون غالبا في مخيمات مؤقتة على أطراف باريس وسان دوني. ويطالبون اليوم الدولة الفرنسية بإيجاد حل وتأمين مأوى كريم لهم
"بعد مرور شهر على إرسالنا تنبيهات لبلدية باريس ومحافظة إيل دو فرانس دون أي رد، انتقلت الاثنين 107 من العائلات المهاجرة التي كانت تعيش في الشارع إلى الساحة الأمامية لمجلس المدينة، من أجل وضع حد لهذا الوضع المشين"، فالهدف من إقامة هذا المخيم الذي تقف وراءه جمعية "يوتوبيا 56" هو "الحصول على سكن دائم للجميع".
وتشير الجمعية التي تقدم الدعم للاجئين، إلى أنه "منذ بداية عام 2020، طلبت 667 عائلة من جمعيتنا الحصول على سكن، أي 1,642 شخصا بينهم 185 طفلا دون سن الثالثة".
ويحمل اختيار إقامة المخيم في هذا الموقع تحديدا رمزية كبيرة لحث مسؤولي مدينة باريس على التصرف، "لم يعد بإمكان البلدية أن تغمض أعينها... ليس من الطبيعي بالنسبة للوافدين الجدد، الذين يمثلون 50% من هؤلاء الأشخاص، أن يصبح الشارع ممرا ضروريا لهم عند وصولهم إلى فرنسا"، بحسب منسق الجمعية مايل مارسيلوس، داعيا بشكل خاص إلى "إصلاح نظام الاستقبال الأولي"
ندفع ثمن تقاعس الدولة
لكن إنشاء هذا المخيم في أحد أحياء باريس الراقية، لم يرض المحافظة ودفعها إلى التصرف بشكل فوري. ففي صباح اليوم الثلاثاء، فككت الشرطة المخيم، قائلة وفقا لما نقلت الوكالة الفرنسية للأنباء، "ليس هناك مجال للسماح بنصب خيام في مكان عام". وأوضح ناشط في جمعية "يوتوبيا 56" لمهاجر نيوز "حاولت الشرطة إجبار المهاجرين على الخروج من أماكن إقامتهم المؤقتة. أرادوا إزالة الخيام دون تقديم حلول".
"بعد مفاوضات طويلة" بين المحافظة وبلدية باريس والجمعية، تمكن قسم من العائلات أخيرا من الدخول إلى قاعة في دار البلدية كحل مؤقت. وندد نائب رئيس بلدية باريس المسؤول بشكل خاص عن الإيواء الطارئ وحماية اللاجئين إيان بروسات قائلا "في هذا الوضع غير المقبول، ندفع في الواقع ثمن تقاعس الدولة".
وأضاف خلال حديثه مع وكالة الأنباء الفرنسية، "البلدية على علم بوضع هذه العائلات، ونحن وجهنا دعوات للدولة لإيجاد حل، خصوصا وأن معظم هؤلاء هم من طالبي اللجوء، وبالتالي ينبغي أن يكونوا قادرين على الاستفادة من قدر معين من الدعم".
إذا كانت "يوتوبيا 56" مسرورة بهذا الحل المؤقت الذي اتخذته مدينة باريس، فإنها رغم ذلك لا تخفي شكوكها وتنتظر "رؤية مقترحات اللاعبين السياسيين". وبحسب إيان بروسات، "تمت إحالة نصف العائلات إلى الفنادق ومرافق الإقامة. والنصف الآخر لا يزال في دار البلدية"
عمليات تفكيك مستمرة
وتعمد السلطات الفرنسية إلى تفكيك مخيمات المهاجرين باستمرار. ووفقا لمحافظة شرطة باريس، منذ بدء الحجر الصحي في 17 مارس/آذار الماضي ، "تم تنفيذ أربع عمليات إيواء، وتمكن 1100 شخص من أن يستفيدوا من الإقامة الطارئة بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي والصحي". مؤكدة أنها أمّنت 8600 مكان إضافي منذ بداية الأزمة الصحية في فرنسا.
إلا أن الجمعيات المحلية ترى أن الدولة تجلي المهاجرين من أماكن تجمعهم دون أن تأمن لهم حلا حقيقيا. فبداية الشهر الماضي، فككت الشرطة مخيم أوبرفيلييه شمال العاصمة باريس الذي كان يأوي 1500 شخص، مؤكدة أنها نقلت الجميع إلى مراكز إيواء. إلا أنه بعد أقل من أسبوعين، عاد 400 مهاجر إلى الضاحية الشمالية ونصبوا خيمهم من جديد.
وكان مدير جمعية "فرنسا أرض اللجوء" بيير هنري قد حذر من استراتيجية الإرهاق التي تتبعها الدولة، فغالبا ما تخلي السلطات المخيمات العشوائية وفي غضون أيام أو أسابيع قليلة، يعود المهاجرون. مشيرا إلى أن ذلك سيستمر "طالما أن السلطات لا توافق على العمل بما يتماشى مع الهدف الأساسي المتمثل في تأمين الكرامة والأمن للجميع، ولا تريد العمل بمبدأ الإقامة غير المشروطة".