الحرس الثوري يستعد للسيطرة الكاملة على إيران

فورين أفيرز
2020-09-01

هناك مقولة جديدة تنتشر في إيران مفادها أن "السلطة أصبحت تُسحب من الرأس إلى أصابع القدم"، أي من الرجال الذين يرتدون العمامات إلى الرجال الذين يرتدون أحذية عسكرية، ويتجلى هذا مؤخرًا في البرلمان الإيراني الجديد.

فرئيس البرلمان هو "محمد باقر قاليباف"، وهو عميد سابق في الحرس الثوري، كما أن ثلثي قيادة البرلمان إما أعضاء سابقون أو لا يزالون ينتمون إلى الحرس الثوري والمنظمات المعاونة له.

لطالما توقع الكثيرون في إيران والولايات المتحدة سيطرة الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية، وستكون الخطوة التالية لذلك هي انتخاب مرشح تابع للحرس الثوري رئيسًا في عام 2021.

تنقسم إيران إلى شعبتين، حيث تدير المؤسسات المنتخبة الشؤون اليومية للدولة بضوء أخضر من المرشد الأعلى، والذي ترجع إليه في نهاية المطاف المنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري.

كافح الإصلاحيون لأكثر من عقدين من الزمن، داخل المؤسسة السياسية الإيرانية لتعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد سلطة الدولة الموازية.

أما الآن، فهم يتصالحون مع فشل ذلك المشروع، ويستعدون لغزو قادة الدولة الموازية للهيئات المنتخبة وتعزيز السلطة لأنفسهم.

وليس من الحتمي سيطرة حكومة عسكرية على إيران، ولكن يبدو أن هذه النتيجة الأكثر ترجيحًا؛ فالإيرانيون محبطون من التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة، وقد استنزفت العقوبات الأمريكية شريان الحياة الاقتصادي للبلاد.

كما أن هناك شكلًا جديدًا صاعدًا من القومية بفعل شعور الإيرانيين بجرح كبريائهم وانزعاجهم من كونهم لا يستطيعون التمتع بالمكانة الدولية التي يستحقونها.

ويبدو أن الرئيس "حسن روحاني"، الذي عجز عن الوفاء بوعوده في السياسة الداخلية أو الخارجية، قد أُنهك من المحاولات، كما تشير إدارته الأخيرة للوباء.

فقد كان "روحاني" مترددًا في الاعتراف بأن فيروس "كورونا" المستجد يمثل تهديدًا وطنيًا حتى فات الأوان، وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور، بل تعرض لانتقادات من المرشد الأعلى.

أما الحرس الثوري فله يد قوية تزداد قوة، لكن طبيعة مزاياه بحد ذاتها قد تمنعه من أن يصبح الوصي على الدولة.

الخوف والحب

أصبح الحرس الثوري محور الاهتمام الوطني والدولي ابتداء من أواخر التسعينات، عندما تولى الإصلاحيون السياسيون مقاليد الحكومة الإيرانية المنتخبة.

فقد بدأت وسائل إعلام إصلاحية منتشرة بشكل كبير في مراقبة وانتقاد الحرس الثوري، ورداً على ذلك، بدأ الحرس في بناء شركة إعلامية خاصة به سعت في الترويج لصورة مبالغ فيها إلى حد كبير.

يقدم الحرس الثوري نفسه كعلاج للوهن القومي الإيراني، لكنه في الواقع مساهم كبير في المشكلة، فمغامراته الإقليمية تضعف آفاق البلاد في التنمية المستدامة والمطردة.

كما أن الحرس الثوري وسّع الاقتصاد السري في ظل العقوبات الأمريكية، وأكمل ذلك بنخبة فاسدة جديدة من "رواد الأعمال المهربين".

يمنع الحرس الثوري الحكومة من تجنيد الخبراء الذين يعتبرهم غير لائقين سياسياً، كما أنه يخرج السياسات والمشاريع الحكومية عن مسارها كيفما يشاء، مصدّرًا دعاية طوال الوقت تصر على أن السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون.

وقد اعتاد الحرس الثوري أن يسعى إلى تشويه سمعة خصومه، مثل أعضاء حكومة "روحاني"، الذين وصفهم بانتظام بأنهم "متواطئون" و"غير أكفاء" و"مؤيدون للغرب".

أما الآن، فدعاية الحرس تلقي باللوم على جميع الفصائل السياسية في أزمة البلاد الحالية، وعلى مدى العقد الماضي، استثمر الحرس الثوري في صياغة سردية تاريخية من خلال الأفلام الوثائقية والروائية والمسلسلات التليفزيونية المصممة لجذب الجماهير الشباب الذين لم يحضروا ثورة 1979 وما بعدها.

تتضمن هذه السردية أن الحرس الثوري اهتم بالشعب وحارب من أجل الوطن بينما تقاتلت النخب السياسية فيما بينها وعملت في كثير من الأحيان ضد مصالح الأمة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.

كما يقدم الحرس الثوري نفسه حاليًا أيضًا على أنه الحامي الوحيد الموثوق لإيران؛ وأنه القوة التي هزمت تنظيم "الدولة الإسلامية" ومنعت الأجانب و"عملاءهم المخربين" من اختراق البلاد وتخريبها.

كما يفاخر الحرس بخبرته التكنولوجية، فقد حاولت حكومة "روحاني" وفشلت 4 مرات في إطلاق قمر صناعي صغير لتصوير الأرض، بينما أرسل الحرس قمرًا صناعيًا عسكريًا إلى مداره في محاولته الأولى.

حتى في الأعمال الخيرية، يروج الحرس الثوري لدوره كمنقذ للبلاد، وقد زعم أنه خلال الجائحة وزع مساعدات وطرودًا غذائية على 3.5 مليون عائلة إيرانية، وأن "معسكراته الجهادية" انخرطت في أنشطة بناء المجتمع لمساعدة المحرومين.

تشكك منظمات المجتمع المدني المستقلة في عمق وتأثير هذه التدخلات، لكن لا أحد لديه عملية إعلامية فعالة مثل الحرس الثوري.

لكن، لا تلغي هذه الدعاية سمعة الحرس الثوري في القمع العنيف، حيث لا يزال المواطنون الليبراليون المنتمون إلى الطبقة الوسطى في طهران يتذكرون استعراضه للقوة خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، وكان لقمع الحرس الثوري لمظاهرات العام الماضي عواقب وخيمة على الإيرانيين الفقراء والطبقة الدنيا.

ويبدو أن الحرس الثوري يرغب في بث الخوف وكسب الحب في نفس الوقت، كما أنه يستهدف تطبيع تواجده بالنسبة للنخب الاقتصادية والثقافية وجعلهم يشعرون بالارتياح عند اختياره.

ويمكن أن تكون هناك مبالغة في الدور الاقتصادي للحرس الثوري، لكن غموض قطاع الأعمال في البلاد يجعل من الصعب التأكد من الحقائق، وقد وثقت دراسة حديثة أنه حتى عام 2014، لم يكن لدى الحرس الثوري وغيره من المنظمات شبه الحكومية يمتلك أغلبية في أسهم القطاعات الاقتصادية الـ 22 العليا في إيران.

لكن لا توجد علاقة مباشرة بين الملكية والسيطرة في النظام الاقتصادي الإيراني، حيث تقوم الشركات المملوكة للبرجوازية العلمانية الإيرانية أحيانًا بتوظيف أعضاء مجالس إدارات ومديرين تابعين للحرس الثوري من أجل تسهيل مناورات الأعمال التجارية، ويُنشئ الحرس الثوري أحيانًا شركات وكيلة للعمل تحت ستار القطاع الخاص.

وبهذه الوسائل وغيرها، أصبح الحرس الثوري رب عمل لا غنى عنه وأحد أكبر المقاولين في البلاد في مشاريع البناء، لكنه يفتقر إلى الموارد البشرية والخبرة اللازمة لإدارة أعمال بملايين الدولارات في مجالات الاتصالات والبنوك وبناء السفن والصناعات البتروكيماوية.

وهكذا، يعمل قسم كبير من البرجوازيين العلمانيين الإيرانيين إما بشكل مباشر مع المنظمة العسكرية أو كمتعاقدين تابعين لها.

قبل عقد واحد فقط، اعتبرت النخب المثقفة العمل في المشاريع التي يكلف بها الحرس الثوري أو يمولها من المحرمات، ولكن، لم يعد هذا هو الحال الآن، وعلى سبيل المثال، عمل "مسعود كيمياي"، (وهو المخرج الشهير الذي حافظت أفلامه قبل الثورة على شعبية كبيرة)، مؤخرًا مع منتج تابع للحرس الثوري.

كما قام المخرج "محمد حسين ماهداويان" -وهو من أشد المؤيدين لـ"روحاني"- بإنتاج أفلام وثائقية حائزة على جوائز وأفلام روائية مدعومة من الحرس الثوري.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي