الوطن الأزرق.. هكذا تغيرت الاستراتيجية العسكرية التركية في شرق المتوسط

2020-08-31

 يبدو أن تركيا أدخلت نفسها بطريقة أو بأخرى في كل ركن من أركان الشرق الأوسط، ففي شمال العراق وسوريا، تحاول إقامة مناطق عازلة لمنع المتمردين من اختراق حدودها.

وفي القوقاز، تحاول حماية سلاسل إمداد الطاقة الحيوية ومواجهة النفوذ الروسي، وفي الصومال وقطر، تدير تركيا قواعد مشتركة وتوفر برامج تدريب عسكرية للحفاظ على موطئ قدم في القرن الأفريقي والخليج.

أما في البحر الأسود الذي اكتشفت فيه مؤخرًا احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، فإنها ستكون أكثر حزمًا لتأمين قدرتها على الوصول إلى الموارد.

لكن المسرح الأكثر حيوية بالنسبة لتركيا هو شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد أصبح محور تركيز تركيا لما يمثله من أهمية في مجال الطاقة والفرص التجارية، كما يمثل موقفًا دفاعيًا استباقيا لتركيا بحيث لا يحمي المصالح التركية الحالية فحسب، بل يوسعها.

وفي الوقت ذاته، تعد التعزيزات البحرية التركية طموحة، فقد استثمرت أنقرة رأس مال كبير في ترسيخ موطئ قدم أكبر في البحر الأبيض المتوسط، عبر عمليات الحفر قبالة سواحل قبرص والجزر اليونانية، والتدخل في صراعات مثل الحرب في ليبيا، واعتماد دبلوماسية الزوارق الحربية ضد المنافسين الإقليميين من أجل استعادة الهيمنة البحرية.

ومع ذلك، فإن تركيز تركيا المباشر أقرب إلى أراضيها، حيث يتمثل في ردع التهديدات التقليدية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط.

وستضمن القيود العملياتية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، والتحديات اللوجستية، والتقييدات الاقتصادية والدفاعية، والتهديدات التقليدية المتزايدة أن تظل تركيا في الوقت الحالي في حالة تركيز على فنائها الخلفي، ولن يمكنها ذلك من أن تصبح القوة المهيمنة في البحر الأبيض المتوسط ​​كما ترجو.

تغير الرؤية العسكرية

حين نقول إن الموقف الدفاعي لتركيا يبدو مختلفًا تمامًا عما كان عليه قبل بضعة عقود، فإن هذا لا يبدو معبرًا بشكل كاف.

ففي فترة ما قبل التسعينات، اجتمعت عوامل مثل تركيز تركيا الداخلي على اقتصادها والتحديث السياسي وتطوير البنية التحتية، جنبًا إلى جنب مع التهديد الذي يلوح في الأفق من الاتحاد السوفييتي وولائها لحلف "الناتو"، ما دفع أنقرة لاتباع اتباع خارجية قائمة على الردع بدلاً من التوسع.

لكن ذلك تغير في التسعينات، حيث بدأت تركيا والغرب في التباعد، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، تضاءل التهديد الروسي، كما تضاءلت المصالح المشتركة بين تركيا والغرب.

وتبنت القيادة العسكرية لأنقرة "إستراتيجية حربين ونصف"؛ وهي فكرة قائمة على أنها يجب أن تكون مستعدة لشن حربين، واحدة إلى الشرق والأخرى إلى الغرب في وقت واحد، بينما تخوض أيضًا "نصف حرب" مستمرة وغير تقليدية مع المتمردين الأكراد في الداخل.

ورأت الاستراتيجية بالأساس أن موقع تركيا، المحشور بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط​يمثل نقطة ضعف.

وبدأت تركيا في تبني عقيدة عسكرية أكثر استقلالية وحزمًا في القرن الحادي والعشرين، فقد أثار اكتشاف الهيدروكربونات في محيط تركيا اهتمام أنقرة، لا سيما أنها كانت تكافح من أجل تنويع مصادر الغاز الطبيعي، واحتاجت إلى قوة بحرية يمكن أن تساعد في الدفاع عن مطالبتها بالسيطرة على هذه المناطق.

واصلت تركيا الابتعاد عن الغرب وتراجعت بروكسل عن التزامها بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، مع استمرار أنقرة في التصادم مع حلفائها في الناتو.

وزادت عودة ظهور التهديد الروسي وعدوانية إيران المتزايدة والتحالف المتنامي المناهض لتركيا في البحر المتوسط ​​ من عزلة أنقرة.

لذلك أدخلت تركيا فكرة "Mavi Vatan"، أو "الوطن الأزرق"، التي هيمنت على التفكير الاستراتيجي بين القادة العسكريين والسياسيين القوميين في تركيا.

ويؤكد هذا المفهوم أن تركيا يجب أن تعمل للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط ​​وتستعيد التفوق التجاري والبحري الذي كان يتمتع به العثمانيون ذات يوم.

وهكذا فإن هذه الاستراتيجية ترى موقع تركيا ليس نقطة ضعف، بل أحد الأصول التي تمنح الدولة عمقا استراتيجيا.

وليس الغرض من هذه الاستراتيجية توسيع النفوذ التركي في الخارج فقط، ولكن أيضًا تلبية العديد من احتياجات تركيا المحلية والمالية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي