لماذا تزداد شعبية رئيس البرازيل في خضم أزمة كورونا؟

مصدر: The coronavirus has hammered Brazil. But somehow, Bolsonaro is getting more popular.
2020-08-27

استعرضت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لمراسلها في العاصمة البرازيلية، ريو دي جانيرو، تيرينس مكوي، أسباب ازدياد شعبية الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، رغم أن بلاده من أكثر الدول تضررًا من فيروس كورونا المستجد، الذي يُعد أشد الأمراض المعدية فتكًا منذ الإنفلونزا الإسبانية قبل مئة عام؛ إذ تجاوز عدد الضحايا مئة ألف وفاة بعد إعادة فتح المتاجر والمطاعم في معظم أنحاء البلاد، ومع ذلك، فإن الأسوأ لم يأتِ بعد.

واستهلت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن السيدة إلدين ماتياس مايا، شعرت بأن انتخاب جايير بولسونارو رئيسًا للبرازيل سيُدمر عالمها؛ إذ أخبرها جميع من تعرفهم بأنه يكره النساء، وينبذ الفقراء، ويحتقر المنطقة الأفقر في البلاد؛ الجزء الشمال الشرقي من البرازيل. لكن السيدة إلدين الآن، التي تجمع كل تلك المواصفات، امرأة فقيرة من الشمال الشرقي، لديها طريقة أخرى لوصف بولسونارو؛ إذ أصبح «المُخَلِّص» من وجهة نظرها.

رئيس البرازيل ولحظة سياسية بالغة السوء

ولفت التقرير إلى أنه عندما ضربت جائحة كورونا البرازيل، وأُغلقت الأعمال، وحث المسؤولون المحليون الناس على البقاء في منازلهم، بدأت الحكومة في ضخ 110 دولارات شهريًّا في مَحافِظ المواطنين الأكثر فقرًا. والسيدة إلدين، التي أطعمت طفليها بهذه الأموال، تعرف الآن بمن تثق، وتقول إنها ستصوِّت لصالح بولسونارو.

وبكل المقاييس، لا بد أن تكون هذه لحظة سياسية بالغة السوء بالنسبة لبولسونارو؛ فقد تغوَّل المرض الذي وصفه الرئيس بأنه مجرد «نزلة برد خفيفة»، لتصبح البرازيل ثاني أسوأ دولة يتفشى فيها فيروس كورونا على مستوى العالم، ونَجَم عنه وفاة 114 ألف برازيلي، وأكثر من 6.3 مليون مُصاب، وتسبب في تدمير النظام الصحي في البلاد. وقد أدَّى الانهيار الاقتصادي الذي فشل بولسونارو في منعه، إلى زيادة معدل البطالة حتى بلغ 14%. وتخلى عنه الحلفاء وسخر منه المنتقدون، ووقع في شَرَك عديد من فضائح الفساد. ومع ذلك، فإن القائد العسكري السابق أصبح أكثر شعبية من أي وقت مضى منذ بداية ولايته رئيسًا للبلاد.

وحتى في عالم السياسة البرازيلية الذي لا يمكن التنبؤ به، حيث التحالفات سريعة الأفول، ويُسجن الساسة على نحو روتيني، كانت شعبية بولسونارو المتزايدة مسألة مذهلة، بحسب التقرير؛ إذ إنه للمرة الأولى منذ أكثر من عام، تصبح نسبة قبول البرازيليين لأداء الرئيس أعلى من نسبة الرافضين. وفي الشهرين الماضيين، ومع انتشار فيروس كورونا، ارتفعت نسبة تأييده من 32 إلى 37%، كما انخفضت نسبة الرفض من 44% إلى 34%، وفقًا لاستطلاع أجرته شركة أبحاث «داتافولا».

وقبل أسابيع فقط، كان الناس من مختلف الأطياف السياسية يُطالبون بإقالة بولسونارو. وقال حلفاؤه إنه يقود البلاد إلى الهاوية. واستقال نائبه الأكثر شعبية «سيرجيو مورو» من منصبه بصفته وزيرًا للعدل واتهمه بالفساد.

استخدام أزمة كورونا لإحداث تحول سياسي

يشير التقرير إلى أن شعبيته المتنامية تؤكد كيف يمكن تسخير أزمة فيروس كورونا لاقتحام دوائر انتخابية جديدة، وصياغة تحول سياسي. وكثيرًا ما يُطلَق على بولسونارو لقب «شعبوي»، وقد نشأ في منطقة فقيرة من ريف ولاية «ساو باولو». لكنه لم يكن قط سياسيًّا يدافع عن الفقراء. وينحدر أنصاره من الطبقتين الوسطى والعليا، المحافظون والإنجيليون والجيش. ولكن خلال الجائحة، نمت قاعدة دعمه لتشمل المزيد من الفقراء. وكان المرض أكثر فتكًا بين صفوفهم، لكنهم يتلقون مساعدات مالية طارئة، وفي المقابل، يقدمون له دعمهم.

يقول سيزار زوكو، العالم السياسي في «جيتوليو فارجاس»، وهي جامعة ومؤسسة بحثية: «لقد وصلت المساعدات للعديد من الناس قبل أن يصلهم المرض. وعاش عديد من الناس شهرين أو ثلاثة بدخل غير مسبوق، وهم لم يروا المرض بعد. وحتى لو مرضوا، فإنهم لم يعتادوا على جني مثل هذا الدخل».

وأثناء الجائحة العالمية، أعطى بولسونارو الأولوية للاقتصاد، مع استبعاد كل ما عدا ذلك تقريبًا. وحث الشركات على أن تظل مفتوحة قائلًا إن الحياة يجب أن تستمر، حتى مع خطر وقوع خسائر فادحة. وتعرَّض للانتقادات والسخرية في وسائل الإعلام وفي أوساط النخبة السياسية. ولكن بولسونارو وجد بين الفقراء جمهورًا أكثر ميلًا للاتفاق مع رؤيته. يقول كثيرون منهم إنهم لا يستطيعون العيش بدون عمل.

التحول من المعارضة إلى التأييد

ويشير المراسل إلى أن هذا التأييد لم يكن واضحًا في أي مكان من البلاد أكثر منه في الشمال الشرقي، وهي منطقة قاحلة وفقيرة صوتت بأغلبية ساحقة ضد بولسونارو. وكانت مساعدات الطوارئ أموالًا لم يحصل عليها أحد من قبل سوى القليل. وفي عديد من الولايات، كان حوالي 60% من الأسر تحصل عليها، وتبع ذلك موجة شراء.

ولم تكن هناك بلدة في المنطقة أكثر معارضة لبولسونارو من مدينة «جواريباس» النائية، وهي واحدة من أفقر الأماكن في البرازيل. وبسبب مكابدتها، اختارها الرئيس السابق «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا» بوصفها أول متلقٍ لبرنامج رعاية اجتماعية طموح في عام 2003م. وفي كل السنوات التي تلت ذلك، لم ينسَ أهلها ذلك أبدًا؛ فقد صوتوا بالإجماع تقريبًا لأي مرشح يضعه حزب لولا، «حزب العمال»، على ورقة التصويت الرئاسية. وفي عام 2018م، صوَّت 98% من الناس ضد بولسونارو. لكن كثيرين يعيدون النظر الآن في هذا الموقف.

يقول إيرا ألفيس، 30 سنة، وهو عامل في البلدية: «ليس من الممكن إغلاق كل شيء. ولا يمكن أن تتوقف الحياة، حتى أثناء تفشي الجائحة. ونحن نغيِّر مواقفنا تجاه بولسونارو، سيصوت الناس له الآن».

ونفى التقرير أن أحدًا يعرف إلى متى سيستمر تقديم الدعم للفقراء. يقول الاقتصاديون إن الحكومة لا تستطيع تحمل هذه المساعدات، والتي تكلفها حوالي 10 مليارات دولار شهريًّا. ويقول وزير المالية، باولو جيديس، إن هذه السياسة ستؤدي إلى إفلاس الحكومة، إذا استمرت لفترة أطول. وقال إن بولسونارو يمكن أن ينتهي به الأمر إلى المحاكمة بسبب عدم مسؤوليته المالية.

ومع ذلك، فإن الطريق الآخر صعب بالقدر نفسه. وعندما تتوقف تلك المدفوعات، سوف يعاني السكان التأثير الكامل للأزمة المالية. وستطفو مشكلات الفقراء، المختفية مؤقتًا، على السطح مرةً أخرى، ثم تتضخم، وبعدها يمكن أن تبدأ الدعوات مرة أخرى لمحاكمته.

واختتم المراسل تقريره بقول روجيرو باربوسا، عالم الاجتماع في جامعة ساو باولو: «إن هذه المدفوعات ما هي إلا سراب. وفي الوقت الحالي، تتوفر الحماية للفقراء من خلال هذا الإجراء الطارئ فحسب، لكن معدلات الفقر لم تتراجع في البرازيل».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي